آية طنطاوي: الكتابة رحلة شفاء واكتشاف ذات وتحقق لكل امرأة (حوار)

آية طنطاوي، كاتبة وناقدة سينمائية مصرية، تتميز بأسلوب يمزج بين السرد الأدبي والرؤية السينمائية، وُلدت في القاهرة، ما انعكس في أعمالها التي تربط بين الحكايات الشعبية والواقع المعاصر، مستلهمة موضوعاتها من قضايا اجتماعية ونفسية تعكس التحديات الحالية.

تؤمن آية بأن "الكتابة ليست مجرد حرفة، بل مساحة لاستكشاف الذات والعالم". وأن "الأدب الحقيقي يعيد تشكيل رؤيتنا للحياة ويفتح لنا آفاقًا لفهم أعمق لأنفسنا وللآخرين".

أصدرت آية طنطاوي عدة أعمال، منها مجموعتها القصصية الأولى "في مد الظل" التي كانت بوابتها إلى عالم الأدب. وتبعتها بمجموعتها الثانية "احتمالات لا نهائية للغياب"، التي فازت بجائزة ساويرس لعام 2025. وقد نالت هذه المجموعة إشادات واسعة لتناولها الإبداعي لمفهوم الغياب وما يحمله من أبعاد رمزية واجتماعية.

وإلى جانب الكتابة الأدبية، حققت آية طنطاوي حضورًا لافتًا في مجال النقد السينمائي. فهي مُبرمجة "نادي سينما الجزويت" الذي تٌقدمه مرتين شهريًا على مسرح ستوديو ناصيبيان التاريخي، كما تُقدم بودكاست "نقد فني" الذي يناقش السينما من منظور تحليلي، وتكتب مقالات تربط بين الأدب والسينما بأسلوب متميز. وهي كلها خبرات تساهم في إضفاء طابع بصري متكامل على أعمالها الأدبية، حيث تعيد تشكيل شخصياتها برؤية مستوحاة من تجربتها السينمائية.

وفي حوارها مع فكّر تاني، تتناول آية طنطاوي تطورات الأدب والسينما في مصر، ودور المرأة في إثراء المشهد الثقافي، والتحديات التي تواجه الكاتبات في تقديم رؤى جديدة وسط القيود الاجتماعية والثقافية.

إلى نص الحوار..

الكاتبة والناقدة آية طنطاوي في حوارها مع فكّر تاني -تصوير: منى عبد الوهاب
الكاتبة والناقدة آية طنطاوي في حوارها مع فكّر تاني -تصوير: منى عبد الوهاب

 

بين الأدب والسينما

كيف بدأت رحلتكِ بين الأدب والنقد السينمائي؟

قبل أن أبدأ في النقد السينمائي، كنت أكتب أشكالًا مختلفة من الأدب، شعرًا، ونثرًا، وقصصًا، وحتى رسائل أدبية. وفي عام 2016، كتبت مجموعة قصصية فازت بجائزة أخبار الأدب، وحصلت على المركز الثاني، لكنها لم تُنشر.

بعدها انقطعت عن الكتابة لفترة وتوجهت لدراسة النقد السينمائي. ومع ذلك، لم أبتعد تمامًا عن الأدب. ففي عام 2020، عدت للكتابة ونشرت مجموعة قصصية بعنوان "في مد الظل".

هذه الرحلة بين الأدب والنقد السينمائي منحتني منظورًا أوسع، حيث أصبح لكل عمل أكتبه علاقة وثيقة بالصورة والمشهدية التي تعلمتها من السينما.

كيف أثّر عملك كناقدة سينمائية على أسلوبك الأدبي؟

في البداية، لم أكن واعية بهذا التأثير حتى بدأت أسمع آراء تشير إليه. لديّ طريقة واضحة في الكتابة: أبدأ بتخيل المشهد مكتملًا وكأنه مرئي، ثم أكتب الحوار بعد ذلك. السينما علّمتني أن أروي الحكاية بالصورة، وهذا انعكس في كتابتي بشكل غير مقصود، وأصبح واضحًا في أعين القراء.

كذلك، تأثرت في بناء الشخصيات بما تعلمته من السينما. أي بطل، حتى في قصة قصيرة، يجب أن تكون لديه رحلة تغيير واضحة ومبنية بشكل متقن. هذا جزء أساسي من عملي كناقدة سينمائية، حيث أقيّم الأعمال الفنية من خلال شخصية البطل وتطورها. لذلك عندما أكتب، أركز على خلفية الشخصية، وتاريخها، وأسباب تصرفاتها. هذا التأثير ظهر جليًا في المجموعة.

كيف تصفين لحظة إعلان فوزك بجائزة ساويرس؟

كانت لحظة استثنائية بكل معنى الكلمة. شعرت كأن الزمن توقف وأنا أصعد على المسرح لاستلام الجائزة. على الرغم من أنني صعدت على مسارح من قبل لتسلم جوائز أخرى، إلا أن هذه المرة كانت مختلفة. شعرت بشيء يشبه الطبطبة، وكأن اللحظة نفسها تقول لي: استمتعي بها، فهذا وقتكِ. كان إحساسًا جديدًا ومؤثرًا للغاية.

كيف أثرت الجائزة على مساركِ المهني والشخصي؟

الكاتبة والناقدة آية طنطاوي في حوارها مع فكّر تاني -تصوير: منى عبد الوهاب
الكاتبة والناقدة آية طنطاوي في حوارها مع فكّر تاني -تصوير: منى عبد الوهاب

بالنسبة لي، الكتابة دائمًا هي محور الاهتمام. عندما أبدأ بكتابة نص، كل ما يشغلني هو إخراج الفكرة والتعبير عنها بأفضل طريقة ممكنة. لكن بعد الانتهاء من الكتابة، تبدأ مرحلة المغامرة، حيث أترقب كيف سيتفاعل الناس مع العمل.

والجائزة تقدير كبير، لكنها ليست الشكل الوحيد للتقدير. خلال العام الماضي، تلقيت كلمات إيجابية كثيرة عن مجموعتي القصصية، لكن أن تقرأ لجنة متخصصة العمل وتقرر أنه يستحق المركز الأول، فهذا شعور مختلف تمامًا.

قراءة حيثيات فوز العمل بالجائزة كان له أثر عميق بالنسبة لي، لأنه أكد لي أن المشروع الذي بدأت به وأكملته له قيمة تستحق هذا التقدير.

الجائزة كانت دافعًا كبيرًا لي، إذ جعلتني أشعر برغبة أكبر في الكتابة واستمرار هذا المسار.

كيف تقيمين تطور السينما المصرية منذ بداية الألفينات، خاصةً في السنوات الأخيرة؟

السينما المصرية مرت بفترات متخبطة جدًا منذ بداية الألفينيات، حيث كانت السينما التجارية تسيطر بشكل كبير. الأفلام التي تُعرض في الأعياد كانت تقتصر على الأكشن أو العصابات، مع غياب التنوع في المواضيع. لكن الأمور بدأت تتغير تدريجيًا.

2024، يُعد من أهم السنوات في تاريخ السينما المصرية، ربما منذ الثورة أو حتى قبلها. ما يميز هذه الفترة هو ظهور عدد كبير من المخرجات، وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ السينما المصرية، وهذا الحضور النسائي في الإخراج أضاف تنوعًا كبيرًا للمواضيع المطروحة، وقدم زوايا مختلفة للرؤية السينمائية.

ما الذي يميز الأفلام الحديثة مقارنة بالفترات السابقة؟

الموضوعات أصبحت أكثر جرأة وذكاءً.

تناقش الأفلام اليوم قضايا حقيقية ومهمة، لكنها تُقدم بأسلوب غير مباشر. على سبيل المثال، فيلم شرق 12 للمخرجة هالة القوصي تناول السلطة والرقابة وكرهها للفن بطريقة ذكية وغير مباشرة. وكذلك فيلم الهوا سلطان قدم حكايات بسيطة عن مشاعر الحب والإنسانية، لكنه أثار جدلًا كبيرًا بسبب بساطته وواقعيته.

هذا التوجه يُظهر رغبة في التحرر من القيود التي قيدت السينما لفترة طويلة، حيث كان يتم التركيز على مواضيع محسوبة ومكررة، وتجنب الحكايات الجريئة أو الواقعية.

السينما الآن تسير نحو تقديم قصص صادقة وزوايا جديدة لرؤية الواقع، وهذا ما نحتاجه بشدة.

"احتمالات لا نهائية للغياب".. كيف تعاملتِ مع مفهوم الغياب في هذه المجموعة؟

حين بدأت في كتابة المجموعة، شغلتني فكرة محددة: ماذا لو كان الغياب لعنة تطارد النساء؟ هذه الفكرة قادتني إلى التساؤل: لماذا الغياب تحديدًا؟

عندما تغيب امرأة، تبدأ الشكوك والافتراضات السلبية: هل حدث لها مكروه؟ هل اختفت لأسباب أخلاقية؟ بينما لو غاب رجل، يفترض الناس تلقائيًا أنه تعرض لشيء يستحق التعاطف.

قررت أن ألعب مع هذه الفكرة، تناولت أشكالًا مختلفة للغياب: امرأة تغيب في حلم، وأخرى تختفي في سيارة ترحيلات، وأم شهيد تنسى الدولة تكريمه فتختفي بدورها، وأخرى يثقلها عبء الحياة الأسرية فتغيب عن ذاتها.

الفكرة السردية كانت تتمثل في خلق عالم خيالي، حي شعبي تدور فيه هذه اللعنة، حيث تغيب النساء بطرق متعددة، بينما يحاول المجتمع التعامل مع هذه الظاهرة، وساعدتني علاقتي بالسينما كثيرًا في بناء المشهدية والتفاصيل، ورسمت كل شخصية من منظورها الخاص، حيث لكل امرأة خلفيتها وأسبابها التي تقودها إلى الغياب.

الكاتبة والناقدة آية طنطاوي في حوارها مع فكّر تاني -تصوير: منى عبد الوهاب
الكاتبة والناقدة آية طنطاوي في حوارها مع فكّر تاني -تصوير: منى عبد الوهاب

لماذا اخترتِ تقديم "احتمالات لا نهائية للغياب" كمجموعة قصصية بدلًا من رواية؟

الفكرة هي التي تتحكم في شكل العمل الأدبي. فكرة الغياب التي أردت معالجتها كانت قائمة على قصص اختفاء مختلفة، لذا كان الأنسب لها أن تُقدَّم في إطار مجموعة قصصية.

أنا مخلصة جدًا للقصص، وقد كتبت العديد منها من قبل، حتى أنني الآن أكتب رواية جديدة، يتملكني شعور غريب قليلًا، ومع ذلك أكرر أن الفكرة هي التي تفرض نفسها، حين تكون الفكرة رواية، فلا يمكن تقديمها بأي شكل آخر.

من التعليقات التي أسعدتني كثيرًا حول هذه المجموعة كان قول البعض إنني تطورت عن مجموعتي السابقة، وهذا كان من أكثر الإطراءات المحببة لقلبي، كما تلقيت تعليقات إيجابية حول اللغة والمشهدية الحاضرة في الكتابة، وربط البعض ذلك بعملي كناقدة سينمائية، وهو أمر جعلني أرى تأثير النقد السينمائي على كتاباتي بوضوح.

هل لديكِ طموح لكتابة السيناريو؟

بالتأكيد، لدي الكثير من الأفكار التي يمكن تحويلها إلى سيناريوهات.

يمكنني العمل على قصص من مجموعتي القصصية الأخيرة، أو حتى تحويل روايات مكتوبة إلى أفلام، لكن لتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى دعم ومساندة حقيقية لصناعة السينما.

الكتابة السينمائية تحتاج إلى مساحة أكبر للإبداع، وإلى تحفيز يسمح لنا بتقديم أفكار جديدة وواقعية.

النساء في السينما والأدب

ما رأيك في تمثيل النساء في السينما، سواء خلف الكاميرا أو في أدوار البطولة؟

لسنوات طويلة، تعودنا أن نرى النساء في السينما من منظور الرجال، حتى بطلات الروايات في أدب نجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهم كُتبت من زاوية ذكورية، لكن عندما تصنع النساء السينما نرى أنفسنا بشكل حقيقي وغير مقيد.

وهذا ما حدث مؤخرًا مع الأفلام التي قدمتها مخرجات نساء، فقد أعدن إنتاج نظرة النساء لأنفسهن وعبرن عن مشاعر المرأة بشكل صادق، ففي فيلم الهوا سلطان مثلاً، أظهر قصصًا من وجهة نظر نسائية حقيقية، بعيدًا عن القيود التقليدية. وهذه النوعية من الأفلام يمكن أن تساعدنا على اكتشاف أنفسنا بشكل جديد.

السينما أصبحت أكثر جرأة وأكثر نسائية، وأنا متفائلة جدًا بالمستقبل.

كيف يمكن تضييق الفجوة بين طموحات النساء في المجال الثقافي والواقع الذي يعشنه؟

هذا سؤال يصعب الإجابة عليه.

الوسط الثقافي يثبت لنا مرارًا أن النساء بحاجة إلى بذل جهد مضاعف لإثبات أنفسهن، لذا، فإنه من الهام أن تبني المرأة صورة حقيقية لنفسها، قائمة على حدود واضحة ومبادئ ثابتة، لأن هناك الكثير من الأشخاص الذين يدّعون الثقافة، وهم بعيدون كل البعد عنها.

هؤلاء يرفعون شعارات براقّة، لكن في أوقات الاختبارات الحقيقية يتصرفون بما يخدم مصالحهم الشخصية وليس بما يتماشى مع تلك المبادئ.

إذا طلب منكِ أن تقدمي نصيحة لنساء يحاولن دخول المجال الثقافي، ماذا ستقولين؟

دائمًا ما أقول لأي فتاة جديدة في المجال: لا تكذّبي إحساسك الداخلي. إذا شعرتِ أن شخصًا أو موقفًا معينًا غير مريح، عليكِ أن تثقي بهذا الإحساس. لا داعي لفعل أشياء لا تشعرين بالراحة تجاهها من أجل التكيف مع الوسط.

قد لا يكون الأمر سهلًا دائمًا، لكن حماية النفس تبدأ بعدم إنكار هذه المشاعر ومشاركتها مع شخص موثوق.

كيف ترين دور المرأة في الحراك الثقافي؟

صوت المرأة في المشهد الثقافي أمر بالغ الأهمية.. عندما تُروى حكايات النساء من وجهة نظرهن، فإنها تضيف الكثير. المهم ليس العدد، بل أن تكون الحكايات حقيقية وتعكس وجهة نظر مختلفة بعيدًا عن النظرة الذكورية.

الكتابة النسائية ليست مجرد سرد للحكايات، بل هي وسيلة لاستكشاف الذات وفهمًا لما يدور داخلنا بشكل أعمق، فكلما زاد حضور النساء اللاتي يقدمن وجهات نظر مغايرة، كلما اكتشفنا أنفسنا كنساء بشكل أفضل.

المهم هو التخلص من التحيزات والتنميط، حتى لو كان ذلك يتم بأصوات نسائية.

مررت بتجربة شخصية سيئة.. كيف أثرت عليكِ؟

لم أتجاوز التجربة بالكامل بعد. تعلمت أن دقائق معدودة من الاعتداء يمكن أن تستغرق سنوات للتعافي منها.

التجربة كشفت لي وجوهًا عديدة: بين الداعمين، والمنافقين، وحتى من وقفوا إلى جانب الجاني. شعرت أنني أدفع ثمنًا نفسيًا واجتماعيًا، بينما الجاني لا يزال حرًا.

حتى هذه اللحظة، ما زلت أشعر بالقلق في التجمعات الكبيرة، وأحيانًا، أتوتر إذا وجدت نفسي في حدث مزدحم، كنتُ أمر بأوقات أشعر فيها وكأنني يتم معاقبتي على رفضي للاعتداء، وكأن المشكلة في "أخذ حقي" وليس فيما تعرضت له.

الثمن الذي يدفعه الإنسان في سبيل مواقفه نفسيًا و مجتمعيًا هو ثمنًا باهظًا، وبالنسبة لي، فقد كسبت الكثير وخسرت الكثير.

لكن ما حرصت عليه دائمًا هو أن أحافظ على مبادئي، وأن أفرض حدودي الشخصية، وهذا ليس أمرًا سهلًا، خاصةً في وسط ثقافي مليء بالتنافس والمصالح، لكن المهم هو أن تبقى المرأة متمسكة بما تؤمن به وألا تذوب في المؤسسة التي تعمل بها أو تتنازل عن هويتها".

الكاتبة والناقدة آية طنطاوي في حوارها مع فكّر تاني -تصوير: منى عبد الوهاب
الكاتبة والناقدة آية طنطاوي في حوارها مع فكّر تاني -تصوير: منى عبد الوهاب

إلى أي مدى تبرز هذه التناقضات التي اكتشفتها بالوسط الثقافي بعد الحادثة؟

أحد المتحرشين كان يجهر بمبادئ نسوية وينشر كتبًا تناقش قضايا التحرش وآثارها النفسية على النساء، وكأنه كان يطبق هذه الأفكار من منظور الجاني، وهذه الواقعة كانت درسًا قاسيًا لي عن ازدواجية البشر، وعن الثمن الذي تدفعه النساء فقط لأنها اختارت أن تحافظ على مبادئها وأن تكسر صمتها.

هل تأثرتِ علاقاتكِ بالأشخاص المحيطين بعد هذه التجربة؟

نعم، فقدت ثقتي في كثير من الأشخاص بعد هذه التجربة، لكنني الآن أرى الجانب الإيجابي، فقد تغيرت كثيرًا بعد ذلك الحادث. أصبحت أكثر قوة، وتعلمت أن أتعامل مع مشاعري بوعي أكبر. نعم، كانت هناك خسائر على المستوى الشخصي، لكنني الآن أرى نفسي بصورة أفضل".

كيف ساعدتكِ الكتب والأفلام في التعافي؟

الكتب والأفلام لعبت دورًا كبيرًا في مساعدتي على فهم ما مررت به. كانت وسيلة لفهم نفسي ومعالجة التجربة بشكل مختلف. وعلى الرغم من الألم، فإنني ممتنة للتغير الذي طرأ عليّ بعدها، فقد أصبحت أرى الأمور من منظور أعمق وأكثر وعيًا.

النساء والوسط الثقافي

ما هي الخطوة الأولى التي يجب أن تتخذها المرأة لحماية نفسها في الوسط الثقافي؟

أرى أن كسر دائرة الصمت هو الخطوة الأولى لحماية النساء في الوسط الثقافي. مع الوقت، عندما تتحدث المتضررات، تبدأ هذه الدائرة بالانهيار. علينا أيضًا أن ندرك أن هناك حدودًا شخصية يجب أن تُحترم، وأن نطالب بها دون تردد أو خوف.

كيف يمكن للوسط الثقافي أن يدعم النساء بدلًا من التستر على الجناة؟

ما نحتاجه بشدة هو قوانين واضحة وملزمة تحمي الجميع من التحرش والتمييز.

ذهبتُ سابقًا إلى رئيس اتحاد الناشرين المصريين فريد زهران، وطالبته بوضع سياسات إلزامية لدور النشر تحمي العاملين بها من أي شكل من أشكال العنف أو التحرش.

يجب أن يكون هناك مكان تلجأ إليه المتضررات للحصول على الدعم والعدالة.

كيف يمكن للثقافة أن تساهم في إحداث تغيير فعّال في مواجهة التحرش؟

الرادع الحقيقي هو مواجهة المتحرشين ومعاقبتهم بشكل علني وواضح، لأن التجاهل يشجع المعتدين على التكرار، ولأننا ننسى بسرعة.

وجود قواعد واضحة وصارمة لحماية الحقوق هو ما يثبت قوة أي مجتمع ثقافي.

كيف يمكن للضغط المجتمعي أن يؤثر على تغيير الأنظمة الفاسدة؟

عندما تكاثرت الشهادات ضده وتم إثباتها، ابتعد الجميع عنه، حتى من كانت لديهم مصالح معه.

وقتها، أصبحت المصالح نفسها عبئًا على من يقترب منه. هذا مثال على كيف يمكننا تغيير الفساد بالضغط والمواجهة.

هل تعتقدين أن المؤسسات الثقافية تضعف أمام الأفراد؟

المؤسسات ليست أكبر من الأفراد، بل يجب أن يكون هناك توازن في العلاقة بين الطرفين. الكاتب ليس أقل من دار النشر، بل العكس تمامًا.

المؤسسات الثقافية تقوم على إبداع الكتّاب، لذا لا يجب أن يشعر الكاتب بالدونية أو التبعية، المطالبة بالحقوق ليست خطأ، بل هي ضرورية لتغيير الأعراف التي تجعل الظلم مقبولًا.

ما المبادرات الثقافية التي تعتزّين بكونك جزءًا منها؟

شاركت في نادي سينما الجزويت. هذا النشاط هو الأقرب لقلبي. أحب فكرة النقاش والتفاعل مع الجمهور حول الأفلام. أصدقائي أحيانًا يقولون لي: 'إيه الأفلام دي؟ إحنا مش بنحب نشوفها'. لكن بالنسبة لي، النقاش حول الفن شيء ممتع للغاية. أشعر أنني أحقق حلمًا صغيرًا من خلال هذه الفعالية.

أعمل حاليًا على بودكاست اسمه نقد فني، نستضيف فيه نقادًا للحديث عن تجاربهم ومناقشة قضايا السينما والأدب بطريقة بسيطة وغير معقدة. هذه تجربة جديدة بالنسبة لي، لكنها ممتعة جدًا.

كيف يمكن للأدب والفن أن يحقق تأثيرًا حقيقيًا دون الوقوع في فخ المباشرة؟

الإخلاص للخيال هو المفتاح.. عندما يكون الكاتب حاضرًا في عمله، فإن قضيته ستظهر بشكل طبيعي دون الحاجة للوعظ أو المباشرة، الرسائل التوعوية المباشرة مكانها المقالات والخطب، وليس الأعمال الإبداعية".

"إذا أردت أن أكتب عن الخوف، لن أستخدم الكلمة بشكل مباشر. بدلًا من ذلك، سأقدم شخصية تعيش حالة من الخوف، وأترك المشاعر تتسرب إلى القارئ دون أن أقولها صراحة، هذا هو دور الفن الحقيقي: أن يقدم القضايا الإنسانية من خلال قصص قادرة على لمس القلوب".

فكلما عاد الفن والأدب إلى جذورهما الإنسانية، كلما كان تأثيرهما أقوى وأكثر صدقًا.

هل تفكرين في تنظيم مبادرات لدعم الكتابات النسوية؟

مبادرة بشكل مؤسسي؟ لا، هذه فكرة كبيرة عليّ، لكنني أفكر بمشروع يعكس فهمي لنفسي كامرأة، من خلال حكايات النساء. لدي حلم أود تحقيقه، لكنه ليس في إطار المبادرات التقليدية.

هل لديك مشاريع أدبية مستقبلية؟

لدي مشروع رواية كنت أعمل عليه، لكنه توقف قليلًا بسبب الظروف. الرواية كانت ستُنشر مع دار نشر صاحبها متحرش، فقررت التريث وأخذ راحتي تمامًا في كتابتها. أطمح أن تكون جاهزة في 2025.

ما الفكرة الأساسية للرواية؟

تستلهم الرواية أسطورة إيزيس وأوزوريس، لكنني أضعها في سياق حي شعبي في العصر الحديث. كنت متأثرة بشخصية إيزيس؛ تلك الإلهة القيادية والأم المخلصة التي دفعت ابنها للانتقام. لطالما أثارني التساؤل: هل كانت هذه المرأة شيطانة متجبرة أم أنها فقط تبسط الأمور؟ الرواية تعيد تقديم القصة من منظور إنساني بعيدًا عن الإطار الأسطوري، مركزة على علاقتها بابنها وتأثير الانتقام على حياتهما.

مع كل التحديات التي تواجهينها، كيف تستمرين في الكتابة؟

الأمر ليس سهلًا أبدًا.

أحيانًا أشعر أنني لا أستطيع الكتابة، لكن بالنسبة لي، الكتابة هي جزء من عملية الشفاء، من خلالها أفهم نفسي وأتجاوز الأوقات الصعبة، حتى عندما أشعر بالهزيمة، أعود إلى المشاريع، فأجد نفسي من جديد.

النجاح ليس دائمًا سهلًا، لكن المهم أن نكتب بإخلاص ونستمر.

كيف تغيرت رؤيتك للكتابة والحياة مع مرور الوقت؟

في البداية، كنت أفهم العالم من خلال كتابات الرجال، لكن الآن، أروي القصص من وجهة نظري كأمرأة، أصبحت أكتب عن أشياء كنت أخاف أن أتحدث عنها سابقًا. هذا التغيير يعكس تطور أفكاري وشخصيتي، ولم أعد أحكم على الرجال أو النساء، أو حتى على نفسي.

كيف تصفين رحلتك مع الكتابة؟

رحلتي أشبه بـ'رحلة البطلة' التي نتعلمها في السينما، حيث تنمو معنا الكتابة وتتشكل على مراحل، تمامًا كما نكبر نحن ونتعلم.

ما العمل الفني أو الكتاب الذي يعبر عنك؟

أحب أفلام محمد خان، خاصة فيلم بنات وسط البلد، لأنه يعكس وجهة نظر إنسانية قريبة مني، حتى لو لم تكن تمثل كل المجتمع.

أما بالنسبة للكتب، فقد قرأت العام الماضي رحم العالم لشيرين أبو النجا، الذي كسر فكرة الأمومة المقدسة، وشعرت أن الكتاب يعبر عن أفكاري مؤخرًا.

ما الذي تتمنين أن يُقال عنك يومًا ما؟

أتمنى أن يُقال عني: ست حقيقية، شجاعة ممكن، ولكن حقيقية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة