تزويجهن جريمة.. قاصرات ينجبن أطفالًا وجميعهم بلا حقوق

"جوزونا بعقد عرفي لأننا مكناش بلغنا السن القانوني. ولما حملنا، أنا وأختي عانينا جسمانيًا.. جالي إجهاض، وأختي زيي، لأن الرحم في سننا مش مكتمل زي ما قالت دكتورة النسا لأمي"..

لمياء -اسم مستعار- 16 عامًا، تسكن في مركز أرمنت بمحافظة الأقصر، تتذكر كيف زوجتها أمها هي وأختها بعقد عرفي وهما ما زالتا طفلتيْن صغيرتيْن، بدأت معاناتها منذ أن كانت في الثانية عشرة، فقط، من عمرها، فبعد وفاة والدها، وجدت الأم نفسها عاجزة عن توفير احتياجات بناتها، فلجأت إلى تزويج لمياء وأختها بعقود عرفية لأنهما لم تبلغا السن القانوني، حاولت أن تبرر قرارها بأنه السبيل الوحيد لضمان مستقبلهما في ظل العادات السائدة بالمجتمع.

"أمي جوزتني أنا وأختي بعد موت أبويا، قالت لنا انتو كده كده مصيركم الجواز مهما اتعلمتم، دي عادات بلدنا. ومكنش في إيدينا حيلة".. تقول لمياء لـ فكر تاني.

وبعد زواج لمياء وأختها، تفاقمت معاناتهما مع إنجاب الأطفال دون وجود وثائق رسمية تُثبت زواجهما، هذه المشكلة حرمتهما من تسجيل أطفالهما في السجلات الرسمية، ما جعل حصولهم على التطعيمات الأساسية أمرًا مستحيلًا في الوحدات الصحية. 

وتضيف لمياء: "عيالنا عانوا معانا لما اتولدوا. لما رحنا الوحدة الصحية علشان ياخدوا تطعيماتهم الضرورية، قالوا لازم شهادات ميلاد".

لمياء وأختها لم تتمكنا من تحمل تكلفة التطعيمات في العيادات الخاصة، والتي تصل إلى 1000 جنيه للتطعيم الواحد، لكنهما لجأتا إلى التحايل للحصول على التطعيمات بالمجان.

"لولا إني كان لينا قريب ابن حلال بالوحدة الصحية، مكناش عرفنا ندي التطعيمات للعيال ، طبعا كان بيساعدنا ويديهالنا من تحت لتحت، لأن مفيش شهادات ميلاد .. عانينا ولسة بنعاني، ده مش جواز.. ده تهلكة".

اقرأ أيضًا:على سُفرة التمييز.. كيف يعمق الغذاء فجوة العنف ضد النساء؟

الزواج المبكر مخالف للقانون

  • يحظر القانون المصري زواج القاصرات، كما تنص المادة 80 من الدستور على أن الطفل هو كل من لم يبلغ 18 عامًا، وتكفل له الدولة الحق في اسم وأوراق ثبوتية وتطعيم مجاني ورعاية صحية. 

  • كما تمنع المادة 31 مكرر من قانون الأحوال المدنية توثيق زواج من لم يبلغوا السن القانونية، ورغم ذلك، فإن الممارسات المجتمعية المرتبطة بالعادات والتقاليد تستمر في انتهاك هذه القوانين.

وفي دراسة بحثية عن المجلس القومي للسكان، والتي صدرت في أبريل عام 2022، بعنوان" زواج الأطفال المبكر -القاصرات.. قضية قانون أم وعي مجتمعي" تناولت زواج القاصرات، وجاء فيها أن التمسك بالعادات والتقاليد، إلى جانب الفقر والجهل، من أبرز دوافع تزويج الفتيات في سن مبكرة. 

كما أشارت الدراسة إلى أن هذه الممارسات لا تؤدي فقط إلى أضرار اجتماعية ونفسية، لكنها تتسبب أيضًا في أضرارًا صحية خطيرة للفتيات، مثل تسمم الحمل والولادات المبكرة ونقص الفيتامينات.

ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017، جاءت محافظات الوجه القبلي في الصدارة من حيث انتشار زواج القاصرات، تلتها محافظات الوجه البحري، وأخيرًا محافظات الحدود. بلغت حالات الزواج المبكر 132.281 حالة، منها 5.999 حالة لفتيات أقل من 15 عامًا. 

كما أوضحت البيانات أن الفتيات الريفيات هن الأكثر تضررًا، حيث تم تسجيل 108.030 حالة زواج في المناطق الريفية مقابل 24.251 حالة في المدن.

تكشف هذه الأرقام عن المأساة الإنسانية التي أصبحت تتطلب حلولًا جذرية تتجاوز التشريعات القانونية، لتشمل رفع الوعي المجتمعي وتغيير العادات التي تهدد مستقبل الأجيال الجديدة.

اقرأ أيضًا:الحروب والنزاعات.. تشوه البيئة وتُثقل كاهل النساء

الفقر والجهل

وفي حديثه مع فكّر تاني، يؤكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، بأن ظاهرة زواج القاصرات تتفشى بشكل كبير في الريف والمناطق الشعبية، مشيرًا إلى أن الفقر والتمسك بالعادات والتقاليد المتوارثة هما الدافعان الرئيسيان وراء تزويج الفتيات قبل سن 18 عامًا. 

كما يوضح أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في الآونة الأخيرة دفعت الكثير من الأسر لتزويج بناتها بهدف التخلص من الأعباء المادية، ويشير إلى أن تلك الظاهرة تبدو جلية أكثر عند النساء المعيلات والأرامل، اللاتي يلجأن إلى تزويج بناتهن للتخلص من المسؤوليات المادية المترتبة عليهن. 

ويضيف أن بعض الأهالي في المناطق الشعبية والريفية يعتبرون زواج القاصرات وسيلة لمساعدة الفتيات اللاتي فقدن آبائهن وأمهاتهن، بالإضافة إلى البعد الديني الذي يلعب دورًا في تعزيز هذه الظاهرة -بحسب فرويز- مؤكدًا أن ما يدعم هذه  الفكرة لدى البعض باعتبارها "سترة للبنات" ووسيلة لزيادة النسل، وهو اعتقاد خاطئ تمامًا.

اقرأ أيضًا:الصحفيات المصريات.. حضور مستقل وتمثيل نقابي ضعيف

الأضرار النفسية والاجتماعية

وكما بيّن الدكتور فرويز، أن زواج القاصرات يؤدي إلى عدد من المشكلات الاجتماعية، منها الخلافات الزوجية المستمرة بين الزوج والزوجة، لغياب التفاهم والتوافق في العلاقة الزوجية، وتزداد احتمالية حدوث الخيانة الزوجية بسبب عدم اكتمال النضج العاطفي لدى الطرفين؛ ما يجعل أحد الزوجين أو كليهما يبحث عن علاقات عاطفية أخرى بعد بلوغ السن القانونية.

وتُعد هذه الظاهرة مؤثرة بشكل مباشر على الأطفال الناتجين عن هذه الزيجات، حيث يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة عجز الأم القاصر عن تربيتهم بشكل سليم، ما يخلق جيلًا غير سوي اجتماعيًا، يُثقل بدوره كاهل المجتمع والدولة.

أما عن الأضرار النفسية التي تصيب الفتيات نتيجة هذا الزواج، فيوضح فرويز أنهن يعانين من الاكتئاب، ومحاولات الانتحار، والاضطرابات الهيستيرية، وغيرها من المشكلات، ويؤكد أن الفتاة القاصر تفتقر إلى النضج الفكري والاجتماعي والجسدي الذي يؤهلها لتحمل مسؤولية الزواج.

وفي كثير من الأحيان، تُزوَّج الفتيات إلى رجال يكبرونهن بسنوات عديدة، ما يؤدي إلى غياب التكافؤ بين الطرفين ويزيد من الأضرار النفسية والاجتماعية الناتجة عن هذا الزواج.

حملات توعوية

من جانبها، أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي حملة "جوازها قبل 18 يضيع حقوقها" عام 2022، وأدرجت الوزارة شرطًا إضافيًا في شروط برنامج الدعم النقدي "تكافل وكرامة"، ينص على ضرورة عدم تزويج الأطفال دون سن 18 عامًا، إضافة إلى شروط الرعاية الصحية للأمهات والأطفال، واستمرارهم في التعليم حتى المرحلة الثانوية.

وأطلق المجلس القومي للأمومة والطفولة عدة حملات توعوية لمناهضة زواج الأطفال، منها حملة "لسة نوارة"، بالإضافة إلى مبادرات إعلامية تحمل شعارات مثل "حياتك محطات"، و"متخليش حاجة توقفك"، و"لسة بدري"، و"سيبوها تختار"، و"مفيش طفلة تشيل طفلة". وهدفت تلك الحملات إلى توعية المجتمع بمخاطر الزواج المبكر وآثاره السلبية.

قصور القوانين الحالية والحاجة لتعديلات تشريعية

وتوضح انتصار السعيد، المحامية الحقوقية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، لـ فكّر تاني، أن القوانين الحالية لا تجرّم زواج القاصرات بشكل مباشر، حيث تقتصر العقوبات على عدم توثيق الزواج فقط. وأشارت إلى أن هذا القصور القانوني يتيح المجال للإفلات من العقاب في حال عدم توثيق الزواج.

وتضيف انتصار، أن زواج القاصرات يسبب العديد من المشكلات القانونية، منها حرمان الفتيات من الميراث في حال وفاة الزوج، وعدم وجود شهادات ميلاد للأطفال، ما يزيد من نسبة التسرب من التعليم، مؤكدة على أن مؤسسات المجتمع المدني تعمل حاليًا على إعداد مشروعات قوانين لتجريم زواج القاصرات باعتباره نوعًا من أنواع العنف ضد المرأة، وتضمنت تلك المشروعات "القانون الموحد لتجريم العنف ضد الفتيات والنساء"، الذي يخصص بابًا كاملًا لعقوبات الزواج المبكر.

استغلال الأطفال

ويشير أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر، لـ فكّر تاني، أن زواج الأطفال يُعد شكلًا من أشكال الاستغلال الجنسي والاقتصادي، حيث إن الأطفال قبل سن 18 عامًا يفتقرون إلى الوعي والنضج اللازمين للموافقة على الزواج، ويؤكد أن القانون المصري يعاقب على هذا النوع من الاستغلال بالسجن لمدة خمس سنوات.

ويضيف أن المادة 291 مكرر من قانون الطفل تُجرّم استغلال الأطفال جنسيًا وجسديًا، باعتباره يعرضهم للخطر، مع عقوبات تصل إلى السجن لمدة ستة أشهر، كما يشير إلى أن شبكة الدفاع عن الأطفال تنظم حملات توعية للأسر المصرية حول مخاطر زواج القاصرات، وتقدم الشبكة الدعم القانوني في حالات الزواج المبكر من خلال تلقي البلاغات عبر خط نجدة الطفل 16000، والتعاون مع النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

ويختتم مصيلحي حديثه مؤكدًا أن القضاء على ظاهرة زواج القاصرات يتطلب تكاملًا بين القوانين والمؤسسات المجتمعية، لضمان حماية حقوق الأطفال وتمكينهم من ممارسة طفولتهم بعيدًا عن الاستغلال.

اقرأ أيضًا:مهاجرات.. من البؤس إلى اللامأوى

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة