مسؤوليات الحكام المنتخبين ديموقراطياً وحدود سلطاتهم

في جميع نظم الحكم التي تعرفها الدولة الديموقراطية الحديثة، سواء النظم الرئاسية أو النظم البرلمانية أو النظم المختلطة فإن الأغلبية هي التي تحكم حتي لو كانت بأغلبية قليلة ( ٥٠ ٪؜ + ١ ) فقط.

في النظام الجمهوري البرلماني تشكل أحزاب الأغلبية الحكومات وتصبح هي المسؤولة أمام الناخبين عن مجمل السياسات التي تطبقها الحكومة، وفي النظام الرئاسي كما في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، يفوز الرئيس الديمقراطي أو الجمهوري في كثير من الأحيان بفارق ١ أو ٢ ٪؜ من أصوات الناخبين، ويترتب علي ذلك دورة حكم مدتها ٤ سنوات بالتمام والكمال تسودها سياسات الحزب الفائز في الانتخابات والتي تتباين في مواقفها من القضايا المختلفة، الاقتصادي والاجتماعي منها قبل السياسي، وفي الشؤون الداخلية وكذا في سياساتها الخارجية. وفي النظم المختلطة تكون المسؤولية تجاه الناخبين تضامنية، حيث تأتي الأغلبية بكل من الرئيس والبرلمان ويصبحا معاً مسؤولين عن تنفيذ السياسات الذين أُنتخبوا علي أساسها.

قواعد العملية الديمقراطية

تلك هي قواعد العملية الديمقراطية التي لا خلاف عليها حتي الآن مهما تعددت الآراء والرؤى الخاصة بمدي عدالة هذا النظام أو ذاك.

تقوم الأقلية طوال دورة الحكم المحددة في الدستور والتي ينظمها القانون بممارسة دورها في نقد السياسات التي تطبقها الأغلبية الحاكمة، بل ومهاجمة تلك السياسات والاعتراض عليها وإبراز سوأتها أمام الرأي العام وأمام جمهور الناخبين، مع طرح سياساتهم البديلة التي يعتقدون أنها الأصلح. يتم ذلك من خلال مؤسسات الدولة المنتخبة ديموقراطياً وفي مقدمتها البرلمان، وكذلك من خلال الأحزاب  السياسية باستخدام أدوات التواصل والمنابر الإعلامية المختلفة.

إن أساس تلك العلاقة في الدولة الديموقراطية الحديثة يقوم بالإضافة الي الاعتراف والإقرار من قبل الأقلية بحق الأغلبية في الحكم وفي ادارة شؤون البلاد وفقاً لما تراه من سياسات، هو أن يوافق جميع أطراف العملية السياسية علي مبدأ التبادل السلمي للسلطة وامكانيات التغيير والانتقال من صفوف المعارضة الي صفوف الحكم والعكس

بينما يكون جُل اهتمام الأغلبية الحاكمة، سواء ممثلة في شخص الرئيس والأجهزة المعاونة له في النظام الرئاسي، أو في مجموع ممثلي أحزاب الأغلبية في مجالس النواب والتي تشكل الحكومات في النظم البرلمانية والمختلطة، يكون شغلها الشاغل طول الوقت هو كسب ثقة ورضا جمهور الناخبين والدفاع عن سياستهم ومحاولة إثبات مدي صحتها وقدرتها علي التحسين الدائم لشروط الحياة  لجمهور الناخبين الذين أتوا بهم لسدة الحكم.

هذا وكلما جاءت ممارسة عملية ادارة الحكم في الدولة، وآداء كل من الأغلبيات الحاكمة والأقليات المعارضة، متوافقة ومتسقة مع قواعد الديموقراطية ومبادئ الدستور الحاكم في الدولة والقوانين المترجمة له ولنصوصه، كلما حظيت الدولة ونظامها السياسي بالاستقرار وبالقدرة علي التطوير المستمر، ويكون الصراع والتنافس السياسي فيها بين الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة في جوهره حول التجويد المستمر لتوفير شروط حياة أفضل لمواطني الدولة وبما يمكن الاغلبية من البقاء في الحكم وإعادة انتخابهم، أو يسمح للأقلية المعارضة أن تتحول إلي أغلبية وتحل محل من فشلوا في تنفيذ وعودهم لجموع الناخبين.

إن أساس تلك العلاقة في الدولة الديموقراطية الحديثة يقوم بالإضافة الي الاعتراف والإقرار من قبل الأقلية بحق الأغلبية في الحكم وفي ادارة شؤون البلاد وفقاً لما تراه من سياسات، هو أن يوافق جميع أطراف العملية السياسية علي مبدأ التبادل السلمي للسلطة وامكانيات التغيير والانتقال من صفوف المعارضة الي صفوف الحكم والعكس، بشكل سلمي، واتاحة الفرصة لأصحاب السياسات البديلة في اطار نفس النظام السياسي، أن يحصلوا علي فرصتهم في اختبار سياساتهم في حال ما ارتأت أغلبية الناخبين ذلك، ومن خلال الجولات الانتخابية الدورية الطبيعية طول الوقت.

الأغلبيات الحاكمة

هذا وتتمتع الأغلبيات الحاكمة في النظم الديموقراطية، أيا كانت صورتها، بسلطات محددة يخولها لهم دستور البلاد والقوانين المنبثقة عنه، تلك السلطات التي ارتضاها جميع مواطني الدولة بمن فيهم من هم علي قمة السلطة في كل مرحلة من مراحل الحكم، والمقيدة بحدود نظامها السياسي والضوابط الحاكمة له، والتي يجب أن يخضع لها ويقبلها جميع مواطني الدولة، حكاماً ومحكومين ولا يسمحوا لأحد بأن يحيد عنها أو أن يقوم بتغييرها وفقاً لمصالح وأهواء سياسية غير تلك التي ارتضتها الأغلبية وقبلت بها من خلال ما أصطُلح علي تعريفه بالعقد الاجتماعي للدولة.

ومن بين تلك السلطات وفي مقدمتها يأتي :

سن القوانين والتشريعات التي تنظم علاقة المواطنين بالدولة وعلاقتهم ببعضهم البعض، وأيضاً تلك القوانين والتشريعات التي تمكن السلطة من تنفيذ الخطط والبرامج والسياسات التي تيسر لها ادارة شؤون الدولة.

سلطة المحافظة علي الأمن القومي للبلاد وحمايتها، داخلياً وخارجياً واستخدام جميع الأساليب والأدوات التي تقرها القوانين والأعراف الدولية والإنسانية لتحقيق ذلك الغرض.

القبول بالتخلي عن السلطة وتسليمها طواعية ودون إحداث أي قلاقل أو اضطراب في البلاد لمن يختارهم الناخبين بديلاً عنهم، في حال فشل سياساتهم في الوفاء بمتطلبات جموع الناخبين الذين اختاروهم بناءاً على وعودهم بتطبيقها وبما سيؤدي إلى تحسين أحوالهم المعيشية

سلطة إعمال وتنفيذ القانون لاقامة وتحقيق مفهوم العدالة لجميع مواطني الدولة والمحافظة على النظام العام.

سلطة اختيار أنسب الطرق والأساليب لتحقيق التنمية الإنسانية الشاملة بما في ذلك التنمية الاقتصادية وتحقيق أعلى معدلات للنمو ولتحسين شروط الحياة للمواطنين.

هذا ويقابل السلطات الممنوحة دستورياً الأغلبية الحاكمة مسؤوليات، تجاه الوطن والمواطنين، ينظمها وينص عليها نفس الدستور الذي منحهم السلطة، تلك المسؤوليات التي من أبرزها ما يلي :

الإلتزام بتطبيق البرنامج الانتخابي الذين تقدموا به لجمهور الناخبين وتعهدوا لهم بتنفيذه حال التصويت لهم وتمكينهم من الوصول الي مواقعهم في السلطة.

احترام الدستور والقانون وعدم العبث بهم خلال فترة توليهم إدارة شؤون البلاد.

الإلتزام بعدم إساءة استخدام السلطة طوال فترة دورتهم الانتخابية وممارستهم للحكم.

القبول بالتخلي عن السلطة وتسليمها طواعية ودون إحداث أي قلاقل أو اضطراب في البلاد لمن يختارهم الناخبين بديلاً عنهم، في حال فشل سياساتهم في الوفاء بمتطلبات جموع الناخبين الذين اختاروهم بناءاً على وعودهم بتطبيقها وبما سيؤدي إلى تحسين أحوالهم المعيشية.

وبالنظر الي دساتير الدول الحديثة سنجدها جميعا ودون استثناء تقر بإعلاء قيم ومبادئ الديمقراطية في الحكم، وفي مقدمتها ذلك المبدأ الأصيل المتعلق بجوهر فكرة ديمقراطية الحكم وهو : أن الشعوب هي مصادر السلطات، وبالتالي امكانية التبادل السلمي للسلطة وفقاً لما تراه وترتضيه الأغلبية التي تمتلك الحق في التصويت والاختيار في كل دولة وفقاً لنظامها السياسي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة