رشا سُنبل، كاتبة مصرية بارزة في مجال الكتابة للناشئة، حاصلة على بكالوريوس زراعة في العام 1992. بدأت مسيرتها الأدبية عام 2011 بنشر رواية قصيرة تحت عنوان “الطاغية”، ضمن كتاب إلكتروني مع مجموعة “خرابيش” الأدبية، ثم ساهمت في إعداد حلقات إذاعية بعنوان “عاداتنا الحلوة في رمضان” عبر “راديو الساقية” عام 2013.
نُشر لها أربعة روايات للناشئة “يوميات طالب ثانوي” 2013، و”نور والوشم العجيب” 2018، و”على جبهتي بثرة” 2021، وصدر لها مؤخرًا “لبنى والقرط اللازوردي” عن دار الشروق للنشر، كما قامت بتحرير سلسلة كتب أمريكية مترجمة للناشئة بعنوان “Dork Diaries” أو “مذكرات حمقاء”، ونُشر لها قصص قصيرة، ومقالات على عدة منصات إلكترونية، وتلقي محاضرات توعية وورش كتابة للناشئة، تنسق وتدير لقاءات ثقافية.
التقينا في “فكر تاني” رشا سُنبل للحديث حول أدب الناشئة، والتحديات التي تواجهها ككاتبة، ومتطلبات هذا النوع الأدبي.
يستهدف أدب الناشئة فئة الشباب والمراهقين، بين مرحلة الطفولة والبلوغ، عبر قصص تحاكي عالمهم وتعبّر عن تجاربهم وتحدياتهم اليومية، متناولًا قضايا اجتماعية ونفسية وفكرية. ويهدف هذا النوع الأدبي إلى تعزيز الوعي وتقديم رسائل إيجابية، ليصبح أداة مؤثرة في بناء شخصيات الأجيال القادمة ودعم قيمهم الإنسانية.
ـ ما الذي جذبكِ في الكتابة لأدب الناشئة؟ وما هو رأيكِ في ارتباط هذا النوع من الكتابة بالثورية؟
بدأتُ الكتابة منذ حوالي اثني عشر عامًا، وكان دافعي الأساسي بناتي؛ فقد كنّا نواجه صعوبة في العثور على روايات باللغة العربية، سواء بالفصحى أو حتى بالعامية. ومع دخولهن مرحلة المراهقة، لم أجد ما يقرأنه بالعربية ويجذبهن كما تفعل الكتب الإنجليزية.
في ذلك الوقت، شعرت أن هذه مشكلة لا تخص بناتي فقط، بل تمتد إلى أجيال متعاقبة. وعلى الرغم من أن الوضع قد تحسَّن مؤخرًا بظهور بعض الأعمال الجيدة، فإن هذا التحسن جاء بعد فترة طويلة من الندرة الواضحة في مثل هذه الأعمال.
وبشكل شخصي، لاحظت أن أفكار الأولاد والبنات في هذه الفئة العمرية تتغير بشكل حاد كل خمس سنوات تقريبًا. لذلك قررت الكتابة لهم، لكنها كانت مهمة صعبة للغاية؛ فنحن، ككتّاب، نحاول جاهدين مجاراتهم في أفكارهم وتطلعاتهم، حتى وإن لم يكن ما نكتبه مطابقًا تمامًا لما يبحثون عنه.
أحيانًا، نُفاجأ بأنهم أحبوا ما نقدمه رغم اختلافه عن اهتماماتهم المتغيرة بسرعة.
لكي أكتب لهم، كان لا بد من التواصل المباشر معهم والاستماع إلى آرائهم. لذا بدأتُ أزور المدارس وأماكن تجمع الشباب لأتعرف إلى ما يريدونه، وما يفكرون به، وما يعترضون عليه. فمن غير الممكن لأي كاتب أن يصل إلى هذه الفئة العمرية من دون التفاعل المباشر معهم، خصوصًا عند الكتابة للأطفال أو المراهقين.
أميل للكتابة للفئة العمرية من 9 إلى 16 سنة، حيث أشعر أن الشباب في هذه السن لا يجدون كتبًا تعبِّر عنهم أو تطرح الأسئلة التي تدور في عقولهم، ما يشعرهم بنوع من الوحدة، رغم وجود الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي. وأرى أن هذه المرحلة العمرية تشكِّل جزءًا كبيرًا من شخصية الإنسان في المستقبل، ومن الخطير أن يشعروا فيها بالوحدة.
أتذكر عندما كنتُ مراهقة، كنتُ أشعر بالتمرد تجاه البيت وسلطة الوالدين، حتى وإن اعتبرتهما مثاليين. وإذا كانت هناك مشاكل داخل البيت تؤثر في فكر الشباب ونفسياتهم، تصبح الكتابة لهم أكثر صعوبة، خصوصًا في ظل وجود حدود لا يمكن تجاوزها في الوطن العربي من حيث المواضيع والمفردات المختارة.
على سبيل المثال، لا أستطيع الكتابة بشكل صريح عن التغيرات الجسدية أو الرغبات التي تراودهم، لأن ذلك قد يؤدي إلى منع نشر الكتاب.
ـ ما هي التحديات التي تواجه أدب الناشئة؟ على مستوى النشر أولًا.. والانتشار ثانيًا؟
لدينا تحديات كبيرة، من بينها الرقابة الأهلية والمؤسساتية، إضافة إلى عزوف هذه الفئة عن القراءة باللغة العربية. حتى عند محاولتي إنشاء صالون ثقافي للشباب، لم أتمكن من جذب عدد كبير منهم، إذ هم مشغولون بالتكنولوجيا. علاوة على ذلك، توجد رقابة من الأهل، حيث قد يعترضون على بعض الكتب التي تتناول مواضيع مثل الوشم أو الفانتازيا بحجة أنها “مخالفة للدين”، ما يجعل الوصول إلى معادلة مرضية أمرًا بالغ الصعوبة.
هناك كاتبات في مصر والوطن العربي سباقات في هذا المجال، مثل الكاتبة رانيا أمين التي تناولت بعض الصعوبات التي تواجه الأطفال. وقد ناقشتُ هذا الأمر في كتابي “على جبهتي بثرة”، الذي يتناول التغيرات الجسدية والنفسية التي تواجهها الفتاة في مرحلتها الانتقالية بين الطفولة والمراهقة.
يخاطب هذا الكتاب الفتيات من سن 9 إلى 13 سنة، ويروي قصة فتاة تطمح لأن تصبح رسامة مانجا (القصص المصورة اليابانية). لكنها تواجه تغيّرات تجعلها تنظر إلى نفسها بشكل سلبي، وتجد على جبهتها “بثرة” تمثل هذا التحول، وهي مشكلة تؤثر عليها في هذه المرحلة العمرية. ومع ذلك، أرى أن ما يقوي الشباب ويحقق توازنهم هو وجود دوائر آمنة، مثل الأسرة، والكتب والقراءة، ودائرة الأصدقاء.
يعتمد الكتّاب الناشئون على الخيال للتعبير عن الأفكار المعقدة وتقديمها بطرق غير مباشرة، حيث يعالجون قضايا كبرى وصغرى تتناول الخير والشر بشكل مطلق، كما هو الحال في عدة كتب معروفة.
يرفض الشباب اليوم الخطاب المباشر، لذا يلجأ الكتّاب إلى إيصال رسائلهم بأساليب ذكية وسلسة. مثال على ذلك، كاتب بريطاني قديم ترك أثرًا عميقًا باستخدام الفكاهة والذكاء في معالجة مواضيع ثقيلة؛ إذ تناول عبر شخصياته قضايا التفاهم والصراع بين الأجيال وتأثيرها على الشباب بطريقة غير مباشرة ومميزة.
ومن هنا، تُطرح هذه المواضيع في كتب اليافعين بما يتماشى مع احتياجاتهم الفكرية. على سبيل المثال، يُعد الموت جزءًا من الحياة وموضوعًا يمسّ كل عائلة تقريبًا. وإذا لم يجد الطفل ما يعبر له عن مشاعره تجاه هذا الحدث في القصص، فقد يشعر بالعزلة. لذلك، من الضروري أن تعالج الكتب هذا الجانب بأسلوب يتفاعل مع مشاعر الطفل، ليجد شيئًا يعبر عن مخاوفه وحزنه في حالات الفقد، ما يمنحه الأمان ويساعده على فهم هذا الجانب من الحياة.
في هذا السياق، قد لا يكون التركيز على الأحداث الإقليمية ضروريًا؛ فالخيال يمكن أن يتناول هذه القضايا بطرق غير مباشرة تمنح القراء رؤية شاملة. فالكتابة لليافعين تتطلب طرح مواضيع ذات بُعد أوسع، مثل التحديات الأخلاقية والصراعات العامة، ما يساعدهم على استيعاب تجارب إنسانية كبرى دون التقيّد بتفاصيل محلية.
ـ في لبنى والقرط اللازوردي.. بين الخرافة والأساطير، والمعلومات التاريخية والأثرية، كيف استطعتِ دمج كل هذه التفاصيل بدقة وبطريقة مُبسطة وسلسة، تصل إلى القارئ، يقرؤها البالغ واليافع على حدٍ سواء؟
بعض الروايات تستلهم من الحضارة المصرية القديمة وتطرحها للجيل الجديد بروح خيالية، حيث يندمج التراث ضمن إطار قصصي دون الاعتماد على أحداث تاريخية فعلية. فعلى سبيل المثال، هناك رواية تدور أحداثها في معبد بمدينة كوم أمبو، تتناول فكرة الصراع بين الخير والشر، ويعكس المعبد هذا الصراع، مما يبرز روح الحضارة المصرية القديمة دون الحاجة إلى أحداث أو شخصيات حقيقية، ويمنح القارئ فرصة للاستمتاع بالتفاصيل الثقافية ضمن حبكة مبتكرة.
في رواية “لبنى والقرط اللازوردي”، كانت جميع الأحداث مستوحاة وغير حقيقية، لكني حرصت على إبراز عظمة الحضارة المصرية وإسقاطاتها. ومما لا يعلمه الكثيرون أن الحضارة المصرية تحث باستمرار على السمو الأخلاقي، على عكس الحضارات الإغريقية واليونانية. ففي الحضارة المصرية، السمو بالأخلاق حاضر دائمًا، حتى في القسم الذي يؤديه الموتى أمام الآلهة الـ42 لعبورهم إلى الجانب الآخر.
يجب على الكاتب احترام عقول الشباب ومخاطبتهم بذكاء وعمق يتماشى مع سرعتهم في التعلّم وتطوراتهم الفكرية. فبينما كانت أعمال أحمد خالد توفيق ملهمة لجيل سابق، قد لا يكون لها نفس التأثير على الجيل الحالي بسبب تغيّر المعارف وطريقة التفكير. لذلك، من الضروري مواكبة التطورات المعرفية للجيل الجديد.
– أعلَيتِ قيمًا مثل “الصدق والشجاعة” وأهمية العائلة والأصدقاء بقدر ما اهتممتِ بالتشويق والمغامرة. كيف تمكنتِ من خلق هذا المزيج بلغة أدبية مبسطة وغير مفتعلة؟ وما هي رسائلك الأخرى للقارئ اليافع؟
أحاول دائمًا تقديم رسائل ذات قيمة، فلو قُدِّمت الأفكار العميقة بلا تغليف، سيفقد القارئ الناشئ اهتمامه ولن يُكمل القصة. لذلك، لا بد من وجود عنصر الإثارة والتشويق حتى تخاطب اللغة عقل القارئ الصغير ونفسيته.
هذا ما سعيت لتحقيقه، وقد أكون نجحت في ذلك. فيما يتعلق بالكتابة للناشئة، أُفضّل استخدام لغة بسيطة تناسب فئتهم العمرية، لكنها ليست سطحية؛ إذ يمكن إيصال أفكار عميقة بلغة بسيطة. القيم الكبيرة يمكن نقلها بمفردات ملائمة للفئة المستهدفة، فلا حاجة إلى لغة معقدة لتحقيق العمق.
تتطلب الكتابة للناشئة لغة بسيطة، وصفًا معتدلًا، وحوارًا منطقيًا يتماشى مع تفكيرهم. إنها معادلة تجمع بين السرد الوصفي وسرد الأحداث، لتحقيق توازن بين ما يُقال وما يُترك لمخيلتهم. نحاول دائمًا تحسين هذه المعادلة، إذ تضفي اللحظات المدروسة جمالًا خاصًا على الكتابة، فتجعلها مفهومة وشيّقة في الوقت ذاته.
كما يجب تقديم الإرث الثقافي بأسلوب يمكّن الشباب من التفكير في دورهم تجاه هذا الإرث، مع منحهم حرية قبوله أو رفضه. على سبيل المثال، هناك ثلاث شخصيات: الجدة التي تؤمن بالميراث، الأم التي ترفضه، والحفيدة التي تتأمل استيعابه بشكل حرّ. يعكس هذا التدرج أهمية إتاحة الفرصة للشباب للاختيار، وتقديم التقاليد والمعرفة بأسلوب يحترم حريتهم واهتماماتهم.
ـ أدب الناشئة يتطلب سردًا بسيطًا وقريبًا من القارئ الصغير؛ كيف توفّقين بين هذا السرد وتقديم فكرة تحمل قيمة وتثير التفكير خاصة أن هذه الشريحة العمرية تتميز بالتغير المستمر والتفكير النقدي؟
مع التطورات السريعة في المعرفة والأفكار، يجب على الكتّاب مواصلة التفاعل مع الشباب لفهم اهتماماتهم الجديدة. توفر هذه القصص فرصة لنقل المعرفة تدريجيًا، مع احترام حرية الاختيار لدى الشباب، ليتمكنوا من اتخاذ قرارات واعية دون فرض معرفي. كما تفتح لهم بابًا نحو معارف أعمق تمنحهم القدرة على فهم العالم من حولهم.
ـ ما هو تقييمكِ لأدب الناشئة في مصر والوطن العربي؟ وما هو تقييمه مقارنة بما يُقدم في الغرب؟
هناك انطباع شائع بأن أدب الناشئة الغربي أكثر تطورًا وثراءً. برأيي، نعم، الغرب سبقنا في هذا المجال، رغم أن الخيال الأدبي بدأ لدينا، كما يظهر في قصص “ألف ليلة وليلة”.
لكن، للأسف، لم تكن “ألف ليلة وليلة” مناسبة للقراء الصغار. حاول كُتّاب كبار مثل توفيق الحكيم تقديم أدب للأطفال واليافعين، لكننا لم نحافظ على استمرارية قوية. مؤخرًا، أرى تحسنًا ملحوظًا في هذا المجال بفضل دور نشر عربية ومصرية بدأت تقدم أعمالًا رائعة للناشئة.
والتحدي هنا ليس فقط في إنتاج تجارب محلية، بل أيضًا في أن يخرج الكُتّاب من عزلتهم ويتعاملون مع الأطفال واليافعين ليعرفوا احتياجاتهم. وهناك مشكلة في أن بعض الأعمال تحظى بتقدير النقاد دون أن تجذب الأطفال، في حين أن أعمالًا أخرى تنجح مع الأطفال لكنها لا تحصل على الدعم الكافي.
لذلك، من المهم أن نستمع للفئة العمرية التي نخاطبها، ونفهم احتياجاتها ورغباتها. أدعو الكُتّاب للجلوس مع الأطفال والاستماع إليهم.
أما عن الكتاب المهمين في هذا المجال، لدينا في مصر كُتّاب بارزون مثل الأستاذة رانيا أمين، وهناك أيضًا دور نشر مصرية كبرى مثل “الشروق” التي تشرفت بنشر عملي معها و”نهضة مصر”، و”البلسم” التي تُقدم أعمالًا عالية الجودة.
بالإضافة إلى دار “السلوى” الأردنية، التي تُقدم أعمالًا رائعة وتلبي رغبات الأطفال بفضل تركيزها على احتياجاتهم. ويُعد أسلوب تغريد النجار، صاحبة الدار، في فهم احتياجات الأطفال، مما يجعل “دار السلوى” من أهم دور النشر العربية في هذا المجال.
– هل تخططين للكتابة للبالغين قريبًا؟
أنا على أمل أن تستمر نجاحات “لبنى” مع جمهورها من سن 13 عامًا. تفاجأت بأن أطفالًا أصغر، كطفلة تبلغ 11 عامًا، قرأت الرواية وأحبتها، وأدهشتني أسئلتهم عن تفاصيل دقيقة، مثل كيف وجدت لبنى صوتها وكيف تعبر عن ذاتها. إذا كان الأطفال يفهمون هذه النقاط العميقة، فهذا يُعد إنجازًا كبيرًا بالنسبة لي.
وحاليًا، أعمل على روايات جديدة لليافعين، وأحب أن أستمر في هذا الاتجاه. أفكر أيضًا في الكتابة للكبار، لكنني لم أجرؤ بعد على نشرها، حيث ما زلت أقدم بعض القصص القصيرة في المنصات المختلفة، وأركز حاليًا على عالم اليافعين.
الكتابة لليافعين تتطلب جهدًا إضافيًا في دراسة علم النفس والاطلاع على الأدب الكلاسيكي والمعاصر، وكم هائل من البحث لتقديم عمل دقيق ومناسب. وأثناء الكتابة لهم، أشعر بأن الطفل الذي بداخلي يشارك هذا الشغف، وهذا ما يدفعني للاستمرار.