"تصفير عمر مصر".. استمرار هدم المقابر الأثرية يثير غضبًا واسعًا

"تابعت بكل أسى وقلق ما حدث لقبة حليم باشا التاريخية، وما يتوالى من عمليات هدم للمقابر الأثرية"؛ تقول النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، مستنكرةً ما يحدث في القاهرة التاريخية، بعد انتشار صور هدم قباب ومقابر تراثية في منطقة الإمام الشافعي بالقاهرة التاريخية.

جاء ذلك وسط غضب واسع بين المعمارين والأثريين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، معتبرين ما يحدث محاولة لـ"تصفير عمر مصر"، التي يبلغ عمر حضارتها آلاف السنين، بحسب تعبير الفنان المصري خالد النبوي.

تلزم المادة 49 من الدستور الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه. ويحظر إهداء أو مبادلة أي شيء منها. والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم.

إلا أن الواقع وما يشهده بطريقة ممنهجة أحيانًا، كما يقول شهود من المعنيين بالتراث المصري، يؤكد استمرار سياسة هدم القباب والمباني التراثية للحجة الأكبر (توسعة الطرق وتطوير القاهرة القديمة)، والتي لم تقنع أيًا من المنشغلين بتاريخ وحضارة مصر.

تشويه الذاكرة الجماعية للمصريين

مها عبد الناصر
مها عبد الناصر

وفي بيانها الذي وصلت منصة "فكر تاني" نسخة منه، وصفت النائبة مها عبد الناصر عمليات هدم المقابر التاريخية بأنها "تجاهل للقيمة التاريخية والتراثية لهذه المواقع بما يشكل خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها"؛ فتراثنا المعماري هو جزء لا يتجزأ من هويتنا وتاريخنا، وهدم مثل هذه المعالم يشوه الذاكرة الجماعية للمصريين، كما تقول ويتفق معها كثيرون.

وطالبت عضوة مجلس النواب بوقف أعمال الهدم كلها وإجراء مراجعة شاملة من كل الجهات المعنية لكل الأعمال التي جرت وتُجرى حاليًا لحماية ما تبقى من هذه الثروات الحضارية التي تمثل رابطًا بين ماضينا وحاضرنا.

وتقدم النائب عبدالمنعم إمام، عضو مجلس النواب ورئيس حزب العدل، بطلب إحاطة لمعرفة أسباب هدم قبة مستولدة محمد علي باشا، والإجراءات المتخذة لحماية التراث المعماري والتاريخي.

عبد المنعم إمام
عبد المنعم إمام

طلب الإحاطة الذي وجهه "إمام" إلى وزير السياحة والآثار، تضمن سؤالًا عن خطة الوزارة لحماية المواقع التراثية والأثرية وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث، علاوة على الاستفسار عن مدى التنسيق بين وزاراتي الآثار والثقافة وبين الهيئات المعنية بحماية التراث لضمان الحفاظ على هذا التراث للأجيال القادمة.

وأوضح النائب في طلب الإحاطة أن قبة مستولدة محمد علي باشا هي جزء من التراث الثقافي والتاريخي لمصر، وتحمل قيمة معمارية وأثرية لا تقدر بثمن، لافتًا إلى التقارير الصحفية بشأن تعرضها لأضرار جسيمة، الأمر الذي يثير القلق حول مدى اهتمام الدولة بالحفاظ على هذا المعلم التاريخي.

ويرى "إمام" هذا التصرف يمثل تهديدًا للمواقع الأثرية والتراثية التي تشكل جزءًا مهمًا من الهوية المصرية"، بينما يشدد على ضرورة الحفاظ على هذه المواقع بما يتطلبه ذلك من جهود مكثفة وتعاون بين الوزارات المختصة، خاصة مع ازدياد التحديات المتعلقة بالترميم والصيانة.

ويضيف أن الحفاظ على هذه المواقع الأثرية مسؤولية مشتركة بين وزارة السياحة والآثار والجهات المختصة، نظرًا لأهمية هذه المعالم في تعزيز السياحة الثقافية وجذب الزوار من داخل مصر وخارجها، محذرًا من أن هدمها أو إهمالها يشكل تهديدًا كبيرًا لتراثنا وتاريخنا.

هدم المقابر التراثية.. انتهاك صارخ ومخالفة للقوانين

وأعربت جمعية المعماريين المصريين عن بالغ استيائها وقلقها الشديدين إزاء التعدي الواضح على التراث المعماري الحضاري والتاريخي الفريد الذي تمثله قرافة الإمام الشافعي والمقابر الأثرية المتصلة بها.

وقالت الجمعية، في بيان اطلعت عليه "فكر تاني": "إن هذه المواقع ليست مجرد مقابر، بل هي شاهدة على تاريخنا المعماري والحضاري الذي يمتد لقرون، وتعد جزءًا لا يتجزأ من هوية القاهرة القديمة".

ووصفت هدم هذه المواقع بـ "الانتهاك الصارخ للقوانين المصرية والدولية التي تحمي التراث المعماري والثقافي، وخاصة لقانون المصري رقم 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار الذي يُنظم كيفية التعامل مع المواقع الأثرية ويمنع بشكل صارم أي هدم أو تعديل في المباني المسجلة كأثر تاريخي، ويُلزم الحكومة المصرية بحماية هذه المواقع والحفاظ عليها للأجيال القادمة".

وأشارت الجمعية إلى اتفاقية اليونسكو لعام 1972 بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، حيث التزمت مصر كدولة موقعة على هذه الاتفاقية بالحفاظ على مواقع التراث ذات القيمة العالمية الاستثنائية، ومنع أي تهديد أو تدمير لها.

وأكدت أن القانون المصري رقم 144 لسنة 2006 الخاص بحماية المباني ذات الطراز المعماري المميز يُشدد على ضرورة الحفاظ على المباني ذات القيمة المعمارية والتراثية المميزة، حيث يمنع أي تعديل أو هدم إلا بإجراءات قانونية محددة تضمن حماية الطراز المعماري والتراثي.

وطالبت الجمعية الجهات المعنية بوقف فوري لأي أعمال هدم أو تخريب لقرافة الإمام الشافعي والمواقع الأثرية المتصلة بها. كما أكدت أهمية اتخاذ خطوات سريعة لحمايتها وفقًا للقوانين المحلية والدولية التي تضمن حماية هذا التراث الفريد، مع ضرورة إشراك الخبراء والمعماريين لضمان الحفاظ على هوية هذه المواقع التاريخية بشكل مستدام.

المسار القضائي معلق

في 23 سبتمبر من العام الماضي، قضت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى المقامة من المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي طالبت بوقف أعمال هدم مقابر منطقة الإمام بالقاهرة، بدعوى "انتفاء المصلحة"، حيث اعتبرت المحكمة أن مقيمي الدعوى لا يملكون مقابر في هذه المنطقة.

وأقام المركز الدعوى بصفة وكيل عن د. جليلة القاضي، ود. مونيكا حنا، والمهندس طارق المري، والسيدة سالي سليمان، ود. داليا حسين، وهم مجموعة من أساتذة واستشاريي الحفاظ على التراث العمراني والمهتمين بمجالي الآثار والتراث المصريين.

وطالبت الدعوى، التي تحمل رقم 54318 لسنة 77 ق، بإلزام السلطات بتوفير الحماية اللازمة للمقابر والمباني الأثرية ذات التراث المعماري المتميز بمنطقة جبانات القاهرة التاريخية.

كما دعت الدعوى إلى تحديد حرم لهذه الآثار، بما يترتب على ذلك من آثار، أبرزها وقف أعمال الإزالة والهدم لجميع هذه المقابر والمباني.

وأعلن محامو المركز أنهم سيقومون بالطعن على الحكم، مشيرين إلى أنه يتعارض مع مبادئ المحكمة الإدارية العليا بشأن قواعد الصفة والمصلحة، بالإضافة إلى مخالفته نصوص قانون مجلس الدولة.

كما أوضحوا أنه لم يتم إخطار المدعين بتقرير هيئة مفوضي الدولة أو تحديد جلسة أمام المحكمة، مما حال دون تمكينهم من الاطلاع على الملف، وذلك بالمخالفة لقانون مجلس الدولة، خاصة المادة 30 التي تنص على إلزام قلم كتاب المحكمة بإبلاغ ذوي الشأن بتاريخ الجلسة، وهو ما لم يحدث في هذه القضية.

وفي سياق متصل، أشار المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى حكم مجلس الدولة التاريخي في الدعوى القضائية رقم 21272 لسنة 67 قضائية، التي أقامها المركز، حيث أُلغِي القرار السلبي بالامتناع عن إجراء الصيانة اللازمة لحماية قصر الأمير سعيد حليم المعروف بقصر “شامبليون”، ووقف التعديات عليه، وذلك بناءً على الدعوى المرفوعة من المرشدة السياحية سالي صلاح الدين، المهتمة بالتراث.

وتنص المادة 97 على أن التقاضي حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة