حذّر محللون من احتمالية تصاعد الصراع القائم بين إيران وإسرائيل ليصل إلى مواجهة مباشرة. لكن، وفق تقرير نشرته مجلة “فورين آفيرز“، فإن الحرب قد بدأت بالفعل، والسؤال المطروح الآن هو: إلى أي مدى يمكن أن يتسع نطاقها؟
يستعرض التقرير تطورات المواجهة بين الطرفين، متناولًا احتمالات التصعيد إلى مستوى أكثر شدة، والقيود الاستراتيجية التي قد تحول دون اندلاع حرب شاملة.
التباعد الجغرافي يحد من التصعيد
تقول “فورين آفيرز” إن المسافة الجغرافية بين إيران وإسرائيل تُعتبر العائق الأكبر أمام توسع الحرب الحالية إلى أخرى شاملة بين الطرفين؛ إذ لا تشترك الدولتان في حدود مباشرة، وتبعد المسافة بينهما أكثر من 1200 كيلومتر، بينما تفصل نحو 1600 كيلومتر بين العاصمة الإيرانية طهران ومركز إسرائيل، وتقع بينهما دول مثل سوريا والعراق والأردن والسعودية، ما يجعل حركة القوات عبر هذه الأراضي تحديًا لوجستيًا.
اقرأ أيضًا: إسرائيل وإيران.. ماذا لو اندلعت الحرب؟
كذلك، فإنه رغم اختلاف مواقف تلك الدول البينية، فإنها غالبًا لا تمنح دعمًا كاملًا لأي من الطرفين (إسرائيل وإيران). الأردن مثال على هذه المعادلة، إذ يُعد حليفًا ضمنيًا لإسرائيل، لكنّه يواجه معارضة شعبية داخلية بسبب الأغلبية الفلسطينية في البلاد. ورغم مشاركته في اعتراض هجمات إيرانية عبر أجوائه في أبريل الماضي وفي هجمات الأول من أكتوبر أيضًا، فقد أكد الأردن أنّ هذا التحرك كان لحماية سيادته الجوية، وليس لدعم إسرائيل.
الحرب الشاملة والقيود العسكرية
أيضًا الظروف الجغرافية والسياسية تجعل أي عملية غزو بري غير واردة. إذ لا يمكن للقوات الإسرائيلية اجتياز العراق وسوريا وصولًا إلى إيران، نظرًا لصعوبة تأمين خطوط الإمداد عبر هذه الأراضي.
ورغم قدرات إسرائيل على تنفيذ عمليات خاصة في عمق الأراضي الإيرانية، فإنّ الاحتلال الكامل غير ممكن دون خطوط إمداد مستدامة. كما لا تملك إسرائيل أسطولًا بحريًا كبيرًا يمكنه دعم غزو عبر البحر، خاصة في ظل المخاطر التي يشكلها مضيق هرمز وباب المندب.
ومن جانبها، تواجه إيران قيودًا أكبر في هذا الشأن؛ فلا يمكنها شنّ هجوم بري على إسرائيل عبر سوريا بسبب ضعف قواتها البرية مقارنةً بإسرائيل. ولذلك تعتمد طهران على محور المقاومة ممثلًا أولًا في حزب الله، ثم أنصار الله في اليمن وحماس في غزة.

إلا أن هذه الجماعات تعرضت في الحرب الراهنة لخسائر كبيرة، ما يحد من فاعليتها في أي تصعيد قادم محتمل بحجم غزو بري لإسرائيل، كما تشير “فورين آفيرز”.
الحرب الشاملة.. قدرات جوية محدودة
يتركّز الصراع بين إيران وإسرائيل إذن على الضربات الجوية والصاروخية.
هنا، تشير “فورين آفيرز” إلى أن قدرات الطرفين في هذا المجال تواجه أيضًا قيودًا كبيرة؛ فإسرائيل تمتلك صواريخ وطائرات من دون طيار بعيدة المدى، لكنها غير قادرة على تنفيذ غارات واسعة النطاق باستمرار.
كما تواجه قواتها الجوية تحديات في عمليات التزود بالوقود جوًا لضرب أهداف في عمق إيران، ما يُجبرها على اختيار أهدافها بعناية.
أما إيران، فتعاني من تقادم أسطولها الجوي وعدم امتلاكها لطائرات تزود بالوقود. لذلك تعتمد بشكل كبير على الصواريخ والطائرات من دون طيار.
الهجمات السيبرانية والعمليات السرية
تشير “فورين آفيرز” إلى أنه بعيدًا عن المواجهات التقليدية، تعتمد إسرائيل وإيران في هذه المواجهة على الحرب السيبرانية والعمليات السرية.
اقرأ أيضًا: فقدت قناع غطرستها على حدود لبنان.. أي جديد قادم بين إسرائيل ومحور إيران؟
تتمتع إسرائيل بتفوق كبير في هذا المجال، وقد نفّذت عمليات اغتيال وتخريب دقيقة جدًا داخل إيران، كان آخرها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية داخل العاصمة طهران. بينما بالمقابل، لم تنجح إيران في تنفيذ هجمات مشابهة بنفس المستوى، رغم محاولاتها اغتيال مسؤولين إسرائيليين وتنفيذ عمليات أخرى محدودة داخل دولة الاحتلال.
ولكن في المجال السيبراني، أظهرت إيران بعض القدرات، حيث عطّلت منشآت صحية في إسرائيل عام 2023.
ومع ذلك، كان الرد الإسرائيلي أقوى، إذ استهدف محطات الوقود في إيران وأوقف عملها.
هذا التفوق يعكس قدرة إسرائيل على التكيف بسرعة مع التهديدات الإلكترونية، بينما لا تزال إيران تواجه صعوبات في تحقيق تأثير دائم، وإن كانت قدراتها الصاروخية وقدرات محور المقاومة الموالي لها لا تزال تشكل مصدر قلق وتخوف أمريكي إسرائيلي مشترك.

الحسابات الاستراتيجية تمنع الحرب الشاملة
وفق مجلة “فورين آفيرز”، تُدرك إيران أنها تواجه تفوقًا إسرائيليًا في الحرب التقليدية وغير التقليدية، إلى جانب اعتقادها بأن إسرائيل تمتلك أسلحة دمار شامل، ما يجعل طهران حذرة من اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى رد إسرائيلي واسع.
كذلك، تضع إسرائيل في حسبانها أن ضرب المنشآت النووية الإيرانية بشكل كبير قد يدفع طهران إلى حرب بقاء أو موت، وفي أكثر السيناريوهات تفاؤلًا إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي والسعي لامتلاك أسلحة نووية، وهو سيناريو تسعى إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة لتجنّبه.
وبالإضافة إلى ذلك، يتجنّب الطرفان استهداف صادرات النفط الإيرانية.
تعتمد طهران بشكل كبير على عائدات النفط، بينما تدرك إسرائيل أن استهداف هذه الصادرات قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، ما قد يثير استياء الولايات المتحدة ودول أخرى، وهو أمر لا ترغب فيه إسرائيل نظرًا لاعتمادها الرئيسي على الدعم الأمريكي.
ما الذي قد يؤدي إلى تفاقم الصراع؟
وفق “فورين آفيرز” من غير المرجح أن يتحول الصراع الحالي إلى حرب شاملة. ومع ذلك، يمكن لبعض الأحداث غير المتوقعة، مثل هجوم كبير ينفذه حلفاء إيران في إسرائيل، أن يدفع أحد الطرفين إلى تصعيد أكبر.
لكن حتى في هذه الحالة، من المحتمل أن يظل الصراع محصورًا في ضربات جوية وهجمات سيبرانية وعمليات سرية، مع تجنّب أي تصعيد يؤدي إلى حرب شاملة.
وتقول المجلة الأمريكية أن القيود العسكرية والجغرافية، إلى جانب الحسابات السياسية والاستراتيجية، على الأغلب، ستبقي الصراع بين إيران وإسرائيل ضمن نطاق محدود.
وأنه رغم أن الجانبين سيواصلان تبادل الهجمات في المستقبل القريب، إلا أن احتمالية تحول هذا الصراع إلى حرب شاملة تظل ضعيفة في ظل العوائق الحالية.
