انتصارًا للحرية.. نجون من العنف والخيانة بـ "قرار الطلاق"

"كان عندي إحساس دائم بأني محاصرة داخل دائرة مغلقة، وكلما حاولت الخروج منها، وجدت نفسي عاجزة تمامًا"؛ تقول "مروة" خبيرة تجميل، عن السنوات التي سبقت طلاقها، حين ظلت حبيسة دائرة من الابتزاز العاطفي والعنف بمختلف أشكاله. "كان يرسم صورة جيدة ومثالية أمام الناس حتى اكتشفت خيانته.. فقسمت القشة ظهر البعير".

حاولت "مروة"، التي التقتها منصة "فكر تاني"، الحفاظ على زواجها، تجاوزًا للصعوبات من أجل ابنتها. تحملت العنف والقسوة والإنفاق على بيت الزوجية وحدها: "كان يشتكي دائمًا من ديونه والتزاماته تجاه والده، وكنت أتحمل مصاريفنا اليومية بالكامل، ورغم ذلك وفي وقت احتياجاتنا المادية التي لا يشاركني فيها.. التمست له الأعذار.. كان يسرق أدوات تجميلي ومجوهراتي".

أخبرت عائلتها فورًا بعد أن قررت الطلاق. دعمها والدها في البداية لكن بعد وصول الطلاق إلى قاعات المحكمة، تراجع. بينما بدأت عائلة الزوج في إلقاء الاتهامات وافتعال المشكلات حتى لا يتم الطلاق، حتى أن شقيق زوجها "تهجم" على بيتها هي وابنتها، في محاولة سرقته.

"رفعت دعوى خلع. كنت قد تخرجت في كلية الحقوق، وأعرف كيف أتصرف في مثل هذه الأمور، خاصة أن فكرة الطلاق ظلت تراودني لسنوات".

مع ضغطها قضائيًا توصلت العائلتان إلى اتفاق على الطلاق بشكل ودي، وتم تحديد موعدًا لتنفيذه. 

في نفس يوم الطلاق، وجدت "مروة" عائلة زوجها يهجمون على منزلها مرة أخرى. "كسروا الباب وسرقوا محتويات الشقة.. توجهت فورًا إلى الشرطة وحررت محضرًا ضدهم، استرددت جزءًا من ممتلكاتي فقط، ومن بعدها بدأت تهديداتهم بملاحقتي".

كانت رحلة "مروة" إلى الطلاق شديدة التعقيد. تقول: "تعرضت للابتزاز من بعض الموظفين، طلبوا مني مبالغ مالية لتسريع الإجراءات، واختبرت معاملات سيئة كثيرة في المصالح الحكومية، فاستغرقت العملية وقتًا طويلًا وأثرت عليّ نفسيًا وماليًا".

عدد حالات الطلاق حتى 2024 -التعبئة والإحصاء
عدد حالات الطلاق حتى 2024 -التعبئة والإحصاء

اكتشفت "مروة" في مرحلة متأخرة جدًا من إجراءات الطلاق، أن زوجها كان كاذبًا حول عمله ومؤهله الدراسي.

حصلت مروة على نفقة لطفلتها بمبلغ 750 جنيه شهريًا لمدة عام، بالإضافة إلى أجر مسكن بقيمة 600 جنيه وأجر حضانة 200 جنيه، لكن مع ارتفاع التكاليف، لم تعد هذه المبالغ كافية لتغطية الالتزامات المالية.

الآن، لا يغطي معاش مروة من والدتها نفقاتها. تقول: "كنت أدفع إيجارًا بقيمة 1000 جنيه، ارتفع لاحقًا إلى 3000 جنيه. وفي ظل تزايد الأعباء، أخبرني المالك مؤخرًا أنه سيتم تعديل الإيجار إلى 6000 جنيه شهريًا بداية من العام القادم، وفقًا لأسعار الإيجارات في المنطقة".

تواجه النساء اليوم تحديات كبيرة داخل مؤسسة الزواج، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية التي تُثقل كاهل الأسر، برزت قصص لنساء واجهن هذه الظروف بشجاعة. 

لم يقف نضالهن على مواجهة العنف والإساءة الزوجية، بل امتد ليشمل التصدي للضغوط الاقتصادية التي زادت حياتهن تعقيدًا. وتمكنّ من التحرر من علاقات سامة، وتحدين الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي حاول عرقلة حريتهن، ليصبحن رمزًا للصمود والإرادة القوية في مواجهة العقبات المتعددة.

عدد حالات الطلاق في اكبر خمس محافظات في 2023 -التعبئة والإحصاء
عدد حالات الطلاق في اكبر خمس محافظات في 2023 -التعبئة والإحصاء

"شعرت بالخوف الشديد في أول مرة قلت فيها لزوجي -لا- لكن رددت سرًا: لا أحد يمكنه إجباري على شيء.. كل شيء في يدي".

رغم أن المعاناة لازمتها سنوات وتعرضت للعنف الجسدي والتهديد بالحرمان من الحياة أمام أطفالها إلا أن "ابتسام" ظلت تُردد هذه الجملة في سرها حتى أصبحت حقيقة.

تحكي لـ فكّر تاني، أنها تحملت الكثير من أجل أطفالها الثلاث، وأنها تغاضت لسنوات عن العنف وما يُسببه من ألم نفسي وجسدي: "لم أُخطط للطلاق في حقيقة الأمر، لكن في أحد الصباحات بعد شجار عنيف، قرر أن يترك لي المنزل -كالعادة- ويختفي.. فقررت الطلاق".

لم يكن الطلاق بترتيب مسبق، ما جعلها تصطدم بإجراءات كثيرة وأعبائه مالية صعبة، خاصة أنها كانت في ذلك الوقت بلا عمل. "كانت الكتابة هي العلاج وأفرغت مشاعري وأفكاري على الورق. كتبت عن العنف وآثاره النفسية عليّ، وعن الألم الجسدي، كتبت عن زوجي -الملول والغضوب- فقد كان يمل من الحياة الهادئة ويغضب لأبسط الأمور". 

تقول ابتسام إن زوجها السابق كان يشعر بالخوف من الهدوء والراحة، وإنه كلما شعر بالاستقرار والهدوء في حياتهما، كسر هذا "الروتين الجميل" بشجار لا داعي له "ثم يغادر المنزل عدة أيام ويختفي في بيت أحد أخوته".

تتذكر أنها ذات مرة جلست إلى جوار شقيقتها الكبرى وبكت. "بكيت كثيرًا بين يديها حتى احتضنتني، وقالت: الأمر كله بين يدكِ، كوني ثابتة، ولا تخافي أو تضعفي. بعد ذلك، قررت الذهاب إلى قسم الشرطة لتقديم بلاغ ضده".

سيطرت الأفكار والهواجس على عقل ابتسام، خوفًا أن يتعرض أحد أبنائها للقتل على يد والدهم. بدأ هذا الخوف عندما عاد زوجها إلى المنزل بعد أن تركه مدة شهرين، مُهددًا بأنه يحمل سكينًا لإنهاء حياتها، بينما ترتجف ابنتهما بين ذراعيها. 

تكرر هذا الفعل لسنوات، كلما تشاجرا أمسك سكينًا على رقبتها وهددها بالقتل. "هددني مرة أمام ابني، تماسك  في البداية ثم نام في سريره لثلاثة أيام لا يُغادره، وفي المرة الأخيرة قبل أن يترك البيت للأبد، سمعته يتحدث هاتفيًا مع أخيه عن رغبته في قتلي كما فعل أحد جيرانهم".

حين بدأت في إجراءات الطلاق، زاد خوفها على أولادها، وفي محاولة منها للحد من هذه المشاعر، تحدثت معهم لتجدهم أيضًا يخافون من عودته إلى البيت مرة أخرى. "كنت أنظر إلى باب الشقة باستمرار، فربما يأتي مرة أخرى ويقتلني، كنت لا أنام جيدًا ولا أترك البيت إلا للضرورة، -فقط- أجلس في صمت وترقب، كنت أراقب البيت حتى لا يعود إليه وإلينا".

"الدعم الوحيد الذي حصلت عليه من عائلتي هو موافقتهم على الطلاق والاستعانة بمحامٍ من أقربائي، بينما خُضت جميع الخطوات وحدي".

مع قرب مالها من النفاد، بدأت ابتسام في بيع الأثاث. "كنت أختلق الأعذار في كل مرة يسألني أطفالي عن أسباب تخلصي من محتويات البيت.. أصبح بائع الروبابيكيا يمر عليّ كل يوم، كل يوم كنت أعطيه قطعة مختلفة من بيتي في مقابل ثمن بخس، ومع كل غرض يسألني أولادي: هتبيعي ده؟ هنرمي ده؟! أتصنع الابتسام وأقول: البيت مكركب".

بعد أن أصبح بيتها عاريًا تمامًا من الأثاث، جاء أحد أفراد عائلتها ليوبخها على ما وصلت إليه الأمور بعيدًا عن أعينهم وكيف وصل بها الحال إلى هذا الحد. تقول: "جاء يلومني على خطواتي نحو حريتي وسلامي وسلام أولادي رغم تخليهم عنا منذ البداية".

جاء في دراسة "السكان بحوث ودراسات" الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 71.9% من الأزواج في الأسر المصرية هم الأكثر ممارسة للعنف ضد زوجاتهم، يليهم الآباء بنسبة 42.6%، ثم الإخوة بنسبة 37%. 

والغريب هو أن 92% من النساء المشاركات في الدراسة يعتقدن أن للزوج الحق في معاقبة زوجته، دون اعتبار ذلك شكلًا من أشكال العنف ضد المرأة. 

يعكس هذا التصور تحديًا كبيرًا في الوعي المجتمعي بشأن حقوق المرأة، ويُبرز الحاجة إلى تكثيف الجهود التوعوية لتغيير هذه المعتقدات.

عدد اشهادات الطلاق وفقًا لسن المطلقة -التعبئة والإحصاء
عدد اشهادات الطلاق وفقًا لسن المطلقة -التعبئة والإحصاء

وفي حديثه مع فكّر تاني، عن تكاليف الرسوم القضائية، يقول المحامي بيتر النجار، أن وزارة العدل تحدد رسوم قيد الدعاوى، والتي تتراوح بين 300 و500 جنيه لرفع القضية. 

"تخص هذه الرسوم الدرجة الأولى فقط، وعند تقديم الاستئناف، تُضاف رسوم إضافية، ما قد يرفع التكاليف الإجمالية إلى حوالي 1000 جنيه، بالإضافة إلى مصاريف المحامي التي تختلف من محامي إلى آخر".

ويوضح النجار أن  عادة ما تستغرق قضايا الخلع حوالي خمسة أشهر كحد أقصى، أما فيما يتعلق بقضايا الطلاق -خاصة تلك المتعلقة بالضرر أو الطلاق للحاكم أو سوء السلوك- فقد تتراوح مدة الفصل فيها من ثمانية إلى خمسة عشر شهرًا.

وفي تقرير صدر أغسطس الماضي بعنوان "طلاق" عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن حالات الطلاق 265,606 حالة طلاق في 2023 مقابل 269,834 حالة في  2022 بنسبة إنخفاض 1.6%.

"تبدأ الإجراءات بتقديم طلب إلى مكتب التسوية، حيث يُحاول المكتب حل النزاع خلال خمسة عشر يومًا، وفي حال عدم نجاح المكتب، تُقام الدعوى أمام المحكمة، وتتناول القضية حتى الوصول إلى حكم".. ويضيف النجار، أنه إذا كان الحُكم مُرضيًا للزوجة، فلن تحتاج إلى الاستئناف، لكن إذا لم تكن راضية، فإن الزوج هو من يقوم بذلك.

بينما في الوقت الحالي.."ووفقًا لتعليمات رئيس الجمهورية ووزير العدل، يتم تسريع الإجراءات في المحاكم، ما يسهم في تقليل مدة التقاضي، ومع ذلك، فإن هناك بعض العقبات التي قد تواجهها الزوجة أثناء إجراءات الخُلع، حيث قد تطلب المحكمة تحقيقًا، ما يُعتبر تحديًا إضافيًا لها". 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة