مع تخفيض الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، يتوقع الخبراء تدفق المزيد من الأموال الساخنة على الاقتصاد المصري، في تحرك من شأنه تعزيز الموارد الدولارية المحلية، لكنه -في الوقت نفسه- يثير المخاوف حال الخروج السريع لتلك الأموال، مثلما حدث إبان رفع الفائدة الأمريكية والحرب الروسية - الأوكرانية، خاصة وأن المنطقة العربية تشهد تصاعدًا في الأعمال العسكرية على عدة أصعدة، كما تنتظر تطورات قد تأول بالأوضاع إلى حرب شاملة.
عالميًا، تحتل مصر المرتبة الخامسة في نسبة الفائدة، بعد كل من تركيا وإيران والأرجنتين وفنزويلا. وقد تراوحت أسعار الفائدة على أذون الخزانة التي طرحها البنك المركزي أخيرًا، بين 28.99% و29.24%، بمتوسط بلغ 29.17%.
اقرأ أيضًا: 17.2 ألف جنيه حصته من الديون.. كيف تأثر المواطن بأقساط القروض؟
الأموال الساخنة.. ليست كلها شرًا
مخاوف الخبراء من الأموال الساخنة، جاءت بعد تكرار الأزمات التي تسببها للاقتصاد المصري على مدار السنوات العشر الأخيرة، والتي اعترف بها وزير المالية د. أحمد كجوك، حينما قال إن مصر تأثرت بخروج بعض الأموال الساخنة، وقبله سبقه إلى ذلك سلفه د. محمد معيط حينما قال: "لن نعتمد على المال الساخن مجددا لقد تعلمنا الدرس".
يرى رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقًا، هاني توفيق، أن الأموال الساخنة تمثل ظاهرة عالمية وليست كلها سلبية. ويوضح أن استخدامها في تمويل مصانع تستورد خامات وتنتج وتصدر يمكن أن يكون مفيدًا للجميع؛ إذ يحقق المصنع أرباحًا، وتزيد الدولة من التشغيل وحصتها الضريبية، بينما يحقق مستثمرو الأموال الساخنة أرباحًا من الفوائد، مما يحسن الميزان التجاري عبر زيادة التصدير.
ومع ذلك، يؤكد خبراء أن المشكلة الحقيقية تتعلق بسرعة دخول وخروج هذه الأموال، مما يسبب حالة من الإرباك في السوق نتيجة الضغط على النقد الأجنبي، ويؤدي إلى انخفاض العملة المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، يستثمر جزء من هذه الأموال في سد عجز الموازنة في مصر، بدلًا من توجيهها لأغراض إنتاجية. لذا، يجب أن يكون الاعتماد عليها مؤقتًا، مثل استخدام حبوب مسكنة حتى يتم التشخيص الصحيح.
ويبلغ العجز الكلي بالموازنة 1.2 تريليون جنيه، بنسبة 7.3% من الناتج المحلي، بينما تم تخفيض معدل دين أجهزة الموازنة العامة للدولة لأقل من 80% من الناتج المحلي بحلول يونيو 2027.
اقرأ أيضًا: المال الساخن.. استثمارات على طريقة "انتش واجري"
يقول توفيق إن عجز الميزان التجاري، وانهيار ايرادات قناة السويس، وارتفاع التضخم، لا يتماشى مع تثبيت سعر الصرف، مطالبًا بالحرص في استخدام الأموال الساخنة وتوجيهها للغرض الذي أنشات من أجله، لاحتمال الأثر السلبي على سعر الصرف.
وبحسب البيانات الحكومية، فقدت قناة السويس أكثر من 50 إلى 60% من إيراداتها خلال نحو 8 أشهر الماضية، وتُقدر الخسائر بأكثر من 6 مليارات دولار، بينما بلغ العجز بالميزان التجاري خلال شهر مايو 3.57 مليار دولار، مقابل 3.98 مليار دولار للشهر ذاته مـن عام 2023، وتتوقع العديد من مؤسسات الاستثمار العالمية وصول أرصدة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة لما يتراوح بين 40 و50 مليار دولار على الأقل، في نهاية العام الجاري.
وارتفعت الأموال الساخنة الوافدة لمصر لـ 24 مليار دولار في أذون الخزانة المحلية خلال أول 3 أشهر من تحرير سعر الصرف (مارس ـ مايو) مسجلة رقما تاريخيًا، وذلك بعد خروج 22 مليار دولار في النصف الأول من 2022، في أعقاب رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة.
كيف نخرج من أزمة هروب الأموال الساخنة؟
يقدم توفيق اقتراحًا لمواجهة الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد عند الخروج المفاجئ للأموال الساخنة، وتم تطبيقه بالفعل بالبرازيل بفرض ضرائب إضافية 20% على أرباح الأموال الساخنة التي تغادر البلد بأرباح فوق العادية، قبل مرور 3 سنوات من دخولها.
قدمت الحكومة مشروع قانون في مايو 2023 بخصوص إلغاء الإعفاءات الضريبية المقررة على عوائد أذون الخزانة لكن لم يتم إقرارها، رغم أن فرض الضرائب على الأرباح الرأسمالية نتيجة التعامل بالعطاءات قصيرة الأجل من أهم أدوات ضبط رؤوس الأموال المضاربة.
ويقول الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب سابقًا، إن أصحاب الأموال الساخنة كانوا يتوقعون تخفيض الفائدة في الفيدرالي الأمريكي ويرون أن مصر تتضمن فرصًا استثمارية واعدة، ما زاد من صافي الأصول الأجنبية في البنوك 40 مليار دولار بالإضافة إلى 11 مليار دولار زيادة في الاحتياطي النقدي الذي ارتفع من 35.5 مليار دولار الى 46.5 مليار دولار.
كما صرفت الدولة 43 مليار دولار في الاستيراد وسداد الديون.
ويشير فؤاد إلى أن قرار الفيدرالي الأمريكي بتخفيض الفائدة قوبل بسعادة عارمة في جميع الدول النامية باعتباره يوفر لها قدرًا كبيرًا من الأموال الساخنة، مضيفًا أن الحكومة المصرية تركز على جذب الأموال الساخنة.
ومنذ تحرير سعر الصرف في شهر مارس الماضي، دخل مصر 94 مليار دولار من بينها 39 مليار دولار أموال ساخنة و24 مليار دولار المقابل النقدي لصفقة رأس الحكمة، إضافة إلى تحسن تدفقات المصريين في الخارج إلى 7%"، بحسب فؤاد.
ويضيف أنه خلال تلك الفترة حصلت مصر على 1.6 مليار دولار من صندوق النقد الدولي و3 ملايين دولار قروض أخرى، بالإضافة إلى الموارد الدولارية الطبيعية للدولة المصرية، وتقدر بـ 20 مليار دولار من قناة السويس والسياحة والتصدير ليصبح الإجمالي 94 مليار دولار.
اقرأ أيضًا: انخفض مجددًا بـ"العقود الآجلة".. ما مستقبل سعر صرف الجنيه أمام الدولار؟
تعظيم موارد النقد الأجنبي ضرورة
ويرى خبراء أن الحل الجوهري لمعالجة مخاطر المال الساخن، يكمن في تعظيم موارد النقد الأجنبي المستدامة عن طريق خلق بيئة استثمارية مشجعة للتصنيع والتصدير، يكون من شأنها جعل الاقتصاد أكثر استقرارًا وأقل عرضة للهزات الخارجية وفقاعات "الأموال الساخنة" والأزمات المالية المترتبة عليها.
ويقول أحمد أنور، مؤسس مركز الرؤية للاستشارات، إن الأموال الساخنة في مصر تتخذ شكل الدورات، إذ تدخل إلى قطاع استثماري ثم تخرج لتتحول إلى آخر في كل دورة زمنية.
وفي عام 2000 دخلت الأموال الساخنة بسوق الصرف، وبعدها انتقلت للبورصة وارتفع المؤشر من 500 نقطة عام 2003 لتصل إلى قمة تاريخية عند 12000 نقطة عام 2008.
ويضيف أنور: "مع انهيارات البورصة لمستوى 5000 نقطة خلال 2009 بعد خروج الأموال الساخنة انتقلت للقطاع العقاري بمصر وارتفعت أسعار الأراضي والعقارات بصورة مبالغ فيها، ثم تحركت إلى الدولار والذهب، وبعد التعويم الرسمي انتقلت إلى البورصة عام 2016 لترفع المؤشر من 9000 نقطة لـ 18000 نقطة ثم خرجت من البورصة، وفقد المؤشر 50% من قيمته خلال عام".
ويقول إن الأموال الساخنة انتقلت بكل سلاسة عام 2019 تدريجيًا للدولار والذهب وخلال 4 سنوات ارتفع الدولار أمام الجنيه من 15.5 إلى 65 جنيهًا (السوق السوداء) وارتفع جرام الذهب من 600 جنيه إلى 3850 جنيهًا.