"إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله"، هتفت مظاهرات القوى الوطنية والسياسية لدعم نادي قضاة مصر في عام 2006، الذي هدّد حينها بعدم الإشراف على الانتخابات البرلمانية احتجاجًا على تغوّل السلطة التنفيذية على استقلال القضاة. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت مسألة الإشراف القضائي على الانتخابات في مصر مثار نقاش واسع.
كذلك، تتزايد المطالبات مع قرب عام الانتخابات بدعم استقلال الهيئة الوطنية للانتخابات، وإصلاح القوانين المنظمة لها، سبيلًا وحيدًا إلى انتخابات نزيهة ترتقي إلى إنتاج برلمان حقيقي يمثل ناخبيه، وفقًا لسياسيين وحقوقيين تحدثوا لمنصة "فكر تاني".
اقرأ أيضًا: النظام الانتخابي.. الأفضل أم الأنسب؟
تعديل القانون ضرورة لحماية استقلالية الهيئة
يُعرّف ناصر أمين، رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء، الهيئة الوطنية للانتخابات بأنها استحقاق دستوري هام، وأنها الجهة الوحيدة المخولة بتنظيم والإشراف على العمليات الانتخابية في مصر.
ولهذا، يدعو -في تصريحاته لـ"فكر تاني"- إلى ضرورة تعديل القانون الذي أُسست الهيئة بموجبه؛ ضمانًا لاستقلاليتها المالية والإدارية.

هذا القانون الذي تحدث عنه "أمين" حصل على تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي في العام 2017، تحت رقم 198 لسنة 2017.
وقد نصت مادته الثالثة على أن الهيئة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، والمعنية بتنظيم والإشراف على جميع العمليات الانتخابية باستقلالية وحيادية تامة، دون تدخل في اختصاصاتها.
ومع ذلك، فإنه بحاجة إلى "تعديلات شاملة" بمواد أخرى تتيح تدخل السلطة التنفيذية، خاصة في ما يتعلق بتعيين رئيس الهيئة وأمينها العام، وفق "أمين"، الذي ييربط بين هذه التعديلات والاستقلالية التامة التي يجب أن تُمنح للهيئة. وهو في سبيل ذلك يدعو إلى حوار مجتمعي بغرض تطوير القانون بما يتوافق مع الدستور المصري والمعايير الدولية.
دعوة لحوار بين الهيئة والأحزاب
لدى أكرم إسماعيل، القيادي بحزب العيش والحرية والحركة المدنية الديمقراطية، تحفظات كبيرة على نزاهة الانتخابات السابقة، بما شهدته من رصد لانتهاكات وتدخلات عديدة في العملية الانتخابية. ومع ذلك، يبدي أمله في أن تكون انتخابات 2025 أكثر شفافية وعدلًا، إن توفرت الإرادة السياسية الحقيقية وانفتاح الهيئة الوطنية على الحوار مع الأحزاب والمجتمع المدني.

ويرى "إسماعيل" -في حديثه لـ "فكر تاني"- أن الهيئة الوطنية للانتخابات بحاجة الآن إلى اتخاذ خطوات جدية لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
ويضيف أن هذه الخطوات تبدأ بعقد اجتماعات موسعة تضم الأحزاب السياسية، سواء المعارضة أو المؤيدة، وأيضًا المجتمع المدني المحلي والدولي، لمناقشة خطط مراقبة الانتخابات والتوافق على التوقعات المشتركة.
كما يشدد على أهمية أن تخرج هذه الاجتماعات بتوصيات علنية وواضحة، تساهم في بناء خطة شاملة لتنظيم الانتخابات، بما يضمن مراقبة دقيقة ويحد من أي تجاوزات محتملة.
الصرف الانتخابي بحاجة لمراقبة جادة
يشير أحمد ماهر، مؤسس حركة 6 أبريل، أيضًا إلى ما شهدته الانتخابات السابقة من تجاوزات خطيرة، خاصة في ما يتعلق بالصرف الانتخابي غير المنضبط، حيث أنفق بعض المرشحين مبالغ ضخمة على حملاتهم الدعائية دون أي محاسبة.
اقرأ أيضًا: النظام الانتخابي.. ماذا نريد منه؟

ومع ذلك، يرى مؤسس "6 أبريل"، أن الانتخابات المقبلة تتطلب إجراءات صارمة لضمان الشفافية والعدالة بين جميع المرشحين، بغض النظر عن الانتماءات الحزبية.
وفي تصريحاته لـ "فكر تاني"، يؤكد "ماهر" على ضرورة عدم التمييز بين المرشحين، مشيرًا إلى أن النظام الانتخابي يجب أن يكون عادلًا بما يضمن فرصًا متساوية لجميع المرشحين، سواء من الأحزاب الكبرى أو الصغيرة.
كما يحذر من "استغلال الفقر" كوسيلة لتوجيه الناخبين عبر توزيع المواد الغذائية والأموال، معتبرًا أن هذا السلوك يمثل انتهاكًا صارخًا يجب مواجهته بحزم. ويدعو إلى مراقبة دقيقة للصرف الانتخابي واتخاذ إجراءات صارمة لمنع أي تجاوزات في هذا المجال.
مشكلتان تعيقان عمل الهيئة

يقول أحمد فوزي، المحامي الحقوقي، إن الهيئة الوطنية للانتخابات تواجه مشكلتين رئيسيتين؛ تتمثل الأولى في التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية، والتي هي بحاجة إلى تعديلات تمنح الهيئة صلاحيات كاملة لإدارة العملية الانتخابية بجميع مراحلها، وليس فقط في يوم التصويت.
أما المشكلة الثانية، وفقًا لفوزي، فتتمثل في غياب الجهاز الإداري والمالي المستقل، وهو أمر يحد من قدرة الهيئة على تنفيذ مهامها بفعالية.
ويؤكد "فوزي"، في حديثه لـ"فكر تاني"، أن "الهيئة لابد لها من ميزانية مستقلة وجهاز إداري دائم يتولى تحديث قوائم الناخبين والإشراف على العملية الانتخابية بشكل مستمر، بما يضمن استقلالها عن الوزارات المختلفة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمخالفات المحتملة. ويعتبر أن هذا الأمر حيوي لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
الانتخابات المقبلة حاسمة وتحتاج لتعامل مختلف
تنظر نيفين إسكندر، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين والقيادية بحزب المحافظين، إلى الانتخابات المقبلة باعتبارها حاسمة في تحديد مستقبل المشهد السياسي في مصر.

وتؤكد في تصريحاته لـ "فكر تاني"، أن الهيئة الوطنية للانتخابات تتحمل مسؤولية كبيرة في ضمان نزاهة العملية الانتخابية في جميع مراحلها.
اقرأ أيضًا: مراقبون: الاستعدادات لانتخابات برلمان 2025 تبدأ من "الناخبين"
وبينما تلفت عضو تنسيقية شباب الأحزاب إلى ما تضعه الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة من أعباء إضافية على الهيئة، حيث يتطلع المواطنون إلى وجود ممثلين حقيقيين يعبرون عن احتياجاتهم وطموحاتهم، فإنها تشدد على أن ضبط المال السياسي يبقى التحدي الأكبر في سياسة وتعامل الهيئة خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل ارتفاع المنافسة في انتخابات مجلس النواب القادم.
ولذا، تطالب نيفين إسكندر بـ"ضرورة تعزيز دور المجتمع المدني، خاصة فيما يتعلق بمراقبة سير العملية الانتخابية بشكل مستقل لضمان الشفافية والحيادية". وتؤكد أن "المجتمع المدني يجب أن يتحول إلى شريك رئيسي فعلي للهيئة الوطنية للانتخابات وليس عائقًا، لأن مراقبته الذاتية للعملية الانتخابية تساهم في كشف المخالفات وضمان النزاهة".
تطورات عديدة
منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، مرت الهيئة المشرفة على الانتخابات المصرية بتطورات عديدة؛ إذ تولى المستشار عبد المعز إبراهيم رئاسة اللجنة المشرفة على أول انتخابات برلمانية حرة في مصر، تحت مسمى "اللجنة العليا للانتخابات".
بدأت هذه الانتخابات في أواخر نوفمبر 2011، وتم تنظيمها على ثلاث مراحل لاختيار 498 عضوًا في مجلس الشعب. كما أُجريت أيضًا انتخابات مجلس الشورى على ثلاث مراحل بين يناير ومارس 2012.

وفي أغسطس 2015، نشرت الجريدة الرسمية قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، حيث جاء اسم المستشار أيمن عباس على رأسها.
وأُجريت -عقب ذلك- انتخابات مجلس النواب لعام 2015 على مرحلتين في أكتوبر وديسمبر من ذات العام، وكانت هذه الانتخابات الأولى بعد إقرار دستور 2014 الذي دمج البرلمان في غرفة واحدة هي مجلس النواب، بدلاً من النظام السابق الذي كان يتألف من مجلس الشعب ومجلس الشورى.
وفي عام 2017، صدر قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، وتم إحياء مجلس الشيوخ بناءً على التعديلات الدستورية لعام 2019. وفي سبتمبر 2020، أعلنت الهيئة برئاسة المستشار لاشين إبراهيم، نائب رئيس محكمة النقض وقتها، عن إجراء انتخابات جديدة لمجلس النواب في أكتوبر، بنظام انتخابي يخصص 50% من المقاعد للقوائم المغلقة.