كان تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن وذراعه السياسي ممثلاً في حزب جبهة العمل الإسلامي هو حديث الساعة على مدار الفترة الماضية، ليس فقط في الداخل الأردني ولكن على المستوى الإقليمي وخصوصاً العربي، وذلك عقب تحقيق التنظيم في الأردن نتيجة غير مسبوقة في تاريخ مشاركته بالحياة السياسية والنيابية في الأردن.
حصد الإخوان 31 مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 10 سبتمبر الجاري، وبين حالة الاحتفاء من قبل الإخوان ومناصريهم، وفي المقابل حالة التهويل وابتذال الأمر من قبل مناوئي الجماعة، غابت الأطروحات الموضوعية والواقعية التي تحاول الوقوف على السياقات والعوامل التي دفعت بهذا الاتجاه، ككل الحالات التي يطغى على تناولها حالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجيفي عالمنا العربي.
حصد الإخوان في الأردن 31 مقعداً برلمانياً من أصل 138، 17 منها على مستوى القائمة الوطنية العامة (والتي يخصص لها إجمالاً 41 مقعداً)، و14 على مستوى القوائم المحلية (والتي يخصص لها 97 مقعداً على 18 دائرة انتخابية)، بما يشكل 22.5% من إجمالي مقاعد البرلمان الأردني.

وبعيداً عن مسألة عدم فاعلية هذه الكتلة النيابية، إما لأسباب مرتبطة بتقلص صلاحيات المجلس التشريعي في الأردن، أو لأسباب مرتبطة بعدم تشكيل هذه الكتلة لأغلبية قادرة على التأثير على السياسات العامة والاستراتيجية للأردن، إلا أن المعيار الأهم لقراءة نتائج الانتخابات الأردنية يتصل بشكل رئيسي بوجود كتلة تصويتية قاربت على النصف مليون شخص (460 ألف مواطن أردني وفق بيانات هيئة الانتخابات) أدلت بأصواتها لصالح الإخوان المسلمين، وهو أمر يرتبط بشكل عام بمجموعة من الأسباب، بعضها أيديولوجي وفكري وهو ينطبق على الحالة العربية عموماً تجاه التيارات التي تستخدم الدين وتوظفه، وبعضها الآخر مرتبط بالسياق السياسي المحلي في الأردن خصوصاً في سياق ما عُرف إعلامياً بـ “الإصلاح السياسي”، وبعضها الآخر مرتبط بالسياق الإقليمي الراهن وتداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي قاربت على العام.
الوضع الإقليمي الراهن وحرب غزة
كانت مسألة “أفول الإسلام السياسي” في المنطقة العربية مهيمنة على كافة السجالات الخاصة بالمعنيين بهذا الملف خلال السنوات الماضية، وذلك على وقع حالة التراجع الكبيرة التي شهدها الإسلام السياسي في المنطقة، خصوصاً في دول مصر والسودان وتونس وليبيا واليمن والمغرب بالإضافة للأردن، ويُضاف إلى ذلك الأزمات البنيوية العميقة التي تعيشها هذه التيارات، ما يتجسد بشكل واضح في حالة إخوان مصر المنقسمين بين جبهة لندن وإسطنبول والجبهة المعروفة بـ “الكماليين”، لكن جاءت الحرب الجارية على قطاع غزة لتتصاعد معها سردية مفادها أن هذه الحرب أعطت قبلة الحياة بالنسبة لتيارات الإسلام السياسي، من منظور وظيفية القضية الفلسطينية لدى الإسلام السياسي على مدار تاريخه.

واعتبرت العديد من التقارير والتقديرات أن الحرب الجارية في قطاع غزة وتداعياتها على المستوى الإقليمي والتي امتدت لتشمل الأردن، كانت أشبه بـ “المكافأة” للإخوان المسلمين، خصوصاً في إطار الانتخابات التشريعية التي جرت بالأردن، ولعل الربط الذي حدث بين الفوز التاريخي الذي حققه إخوان الأردن في الانتخابات والحرب في غزة، قد ارتبط بعدد من المشاهد الرئيسية، ومنها عمل الإخوان في الأردن منذ 7 أكتوبر 2023 على تجييش وحشد الشارع الأردني من أجل إظهار الدعم للفلسطينيين، خصوصاً بعد تأسيس ما عُرف بـ “الملتقى الوطني لدعم المقاومة”، وهو حشد كان ظاهره دعم الفلسطينيين، وباطنه المزايدة على الحكومة والاتجاهات السياسية الأخرى بالأردن، كذلك فإن حضور القضية الفلسطينية في الحملات الدعائية لحزب جبهة العمل الإسلامي كان لافتاً، وكان من دلالات ذلك رفع شعارات حماس في إطار حملات الإخوان وكذا تصدير عبارات من قبيل “إما أن تصوت للتطبيع أو تصوت ضده”، كذلك اعتبر المراقب العام لإخوان الأردن مراد العضايلة أن “نتائج الانتخابات وفوز الإخوان جاء كنتاج للحرب في غزة”.
بعيداً عن السرديات التقليدية فيما يتعلق بوظيفية القضية الفلسطينية لدى تنظيمات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين، إلا أن الأمر في حالة الانتخابات الأخيرة بالأردن تجاوز ذلك، إذ أن هناك مجموعة من المعطيات والمتغيرات المهمة، أولها أن بعض التقارير تتحدث عن أن الأردنيين من أصول فلسطينية يشكلون نحو 60% من تعداد سكان الأردن، وذكرت بعض التقديرات الخاصة بمراقبين للانتخابات أن هناك نسبة تصويت عالية حصل عليها حزب جبهة العمل الإسلامي في المدن والمخيمات الخاصة بالأردنيين من أصول فلسطينية، خصوصاً في عمان والزرقاء وإربد، وثانيها أن ارتدادات الحرب الجارية على قطاع غزة طالت الأردن بشكل غير مسبوق سواءً لجهة مخططات تهجير سكان الضفة إلى الأردن، فضلاً عن الاعتداءات المتكررة على الضفة والقدس التي تعد تحت الوصاية الهاشمية، أو لجهة تحفيز بعض التوترات الأمنية على الحدود الأردنية مع الأراضي المحتلة وعودة العمليات العسكرية الفردية، كما حدث عند جسر الملك حسين عندما أطلق المواطن الأردني ماهر الجازي النار على 3 إسرائيليين ما أدى إلى مقتلهم (أعرب الحزب عن تأييده للعملية وحصل في دائرة بدو الجنوب التي توجد بها عشيرة الجازي على المركز الأول)، وثالثها ما يتصل باستطلاعات رأي جرت في السنوات الأخيرة أفادت بأن قطاعاً عريضاً من الأردنيين غير راضي عن المواقف الرسمية المحلية والعربية تجاه القضية الفلسطينية، ورابعها العلاقات الارتباطية الكبيرة التي تربط بين إخوان الأردن وبين حركة حماس، إلى الحد الذي دفع باتجاه إجراء العديد من المباحثات بين الطرفين من 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، وحصيلة كل الاعتبارات السابقة أن هذا التصويت لصالح الإخوان كان في أحد أبعاده ارتباطاً بتطورات وتداعيات الحرب في غزة، وحضور هذا الملف بشكل قوى لدى الإخوان من جانب ولدى الأردنيين إجمالاً من جانب آخر، وليس تعبيراً عن قاعدة راسخة أو مستقرة للإسلاميين في الأردن.
تضاؤل التدخل الرسمي في مسار الانتخابات
أحد المتغيرات المهمة في المشهد الأردني، والتي زادت من خصوصية الانتخابات الأخيرة، ارتبط بما عُرف إعلامياً في الأردن بـ “الإصلاح السياسي”، إذ أن هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها التي تتم في الأردن وفق مخرجات اللجنة المَلكية لتحديث المنظومة السياسية، التي نشأت على خلفية عدد من الأزمات السياسية التي عصفت بالبلاد، مثل أزمة حل مجلس نقابة المعلمين، وما سمّيت في الأردن “أحداث الفتنة”، وقضية النائب المفصول أسامة العجارمة. وبموجب توصيات اللجنة، صدر قانون جديد للأحزاب السياسية، نقل مهمّة الإشراف عليها من وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية إلى الهيئة المستقلة للانتخابات، وسُنّ قانون انتخاب جديد لمجلس النواب منح القوائم الحزبية المغلقة على مستوى البلاد 41 مقعداً نيابياً أول مرة في تاريخ الأردن، و97 مقعداً محليّاً وفق القائمة النسبية المفتوحة.
وبعيداً عن تقييم هذه المخرجات ومدى انعكاسها على واقع الحياة السياسية في الأردن، إلا أن هناك بعض الاعتبارات المهمة التي يمكن في ضوئها فهم ارتباط صعود الإسلاميين في الأردن وتصدرهم لمشهد الانتخابات فيما يتصل بمسألة الإصلاح السياسي والسياق العام للانتخابات، وعلى رأس هذه الاعتبارات ما أكده العديد من المراقبين بالإضافة لبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات، من أن هناك تضاؤلاً كبيراً في تدخل السلطات الأردنية في مسار الانتخابات الأخيرة، جنباً إلى جنب مع رفض السلطات الأردنية لدعاوى تأجيل الانتخابات التشريعية على وقع التطورات الراهنة إقليمياً.
ولعل ذلك يرتبط ببعض التفسيرات الرئيسية، أولها أن التعديلات الدستورية الأخيرة في الأردن والتي تم إقرارها في 2022، قلصت كثيراً من صلاحيات المجلس التشريعي، وفرضت المزيد من الامتيازات في المقابل للقصر الملكي، وخصوصاً في الفقرة الثانية من المادة 40، والتي أعطت العاهل الأردني الصلاحية دون الرجوع لمجلس الوزراء في حل مجلس النواب أو قبول استقالته أو إعفاء أي من أعضائه من عضويتهم، وثانيها أن النظام الأردني لجأ في مواجهة الضغوط السياسية الكبيرة وكذا الأزمة الاقتصادية المتفاقمة إلى إتاحة المزيد من الديناميكية على المنظومة السياسية، بما يوفر متنفساً يحول دون الوصول إلى نقطة الانفجار، وثالثها يرتبط باعتبار قديم متجدد متمثل في أن العلاقات بين السلطات الأردنية والإخوان المسلمين تاريخياً تعد الأقل من حيث الصدامية بالمقارنة بتلك العلاقات في حالة الدول العربية الأخرى، وأن العلاقة بين الطرفين أقرب إلى نمط الحذر والحيطة وتجنب تجاوز الخطوط الحمراء من قبل الإخوان، ويُستدل على ذلك من أن الإخوان وفي ثنايا الحرب الجارية على غزة تجنبوا توجيه أي اتهامات رسمية أو انتقادات للنظام الأردني، وتاريخياً حتى في وقت الأزمة بين السلطات الأردنية والتيارات القومية في الخمسنيات أو مع بعض الفصائل الفلسطينية بعد العام 1967، كان موقف الإخوان أقرب إلى الحياد والتحفظ على الصدام مع السلطات الأردنية، ولعل العاهل الأردني عبر عن ذلك في أحد أحاديثه عندما قال: “جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تعمل في منطقة رمادية، وتُموضع نفسها بشكل مختلف وفقاً لمتطلبات الوضع”، ورابعها أن هناك تقديرات تذهب إلى أن سماح السلطات الأردنية بهذه النتائج وصعود الإخوان، كان على الأرجح رسالة للخارج وخصوصاً إلى الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، ويُقصد بهذه السردية أن “تصدير الإسلاميين كيمين متطرف في الأردن، جاء كرسالة إلى اليمين المتطرف الإسرائيلي، وإلى البيت الأبيض المقبل والشخص الذي سيقطنه بأن ترك مخططات اليمين المتطرف واستفزازاته في الداخل الإسرائيلي وتصدير ذلك لبعض دول المنطقة، سوف يساهم في صعود الإسلاميين”.
التحالف مع النقابات ومراعاة البعد العشائري
كان لافتاً في الحملات الدعائية للإخوان في الأردن، هو رفع جبهة العمل الإسلامي لشعار “استعادة نقابة المعلمين”، وهي نقابة لها رمزية كبيرة في الأردن خصوصاً في أعقاب أزمتها الأخيرة، ولم يكتفي الإخوان بذلك بل قاموا بترشيح بعض الشخصيات النقابية التي كانت موجودة في ثنايا الأزمة الأخيرة على قوائمهم، وقد جاء ذلك انطلاقاً من سعي الإخوان لتوظيف العنصر النقابي في الانتخابات، خصوصاً وأن نقابة كالمعلمين تمتلك قاعدة تصويتية تقارب على الـ 140 ألف صوت.
وجنباً إلى جنب مع ذلك يُدرك إخوان الأردن أن البعد العشائري في الأردن حاضر بقوة في المشهد السياسي وفي رسم مسار الانتخابات واتجاهات التصويت، وقد كان أحد المشاهد اللافتة المرتبطة بانتخابات الأردن التشريعية، ما ذكرته العديد من التقارير الأردنية من أن مرشحي حزب جبهة العمل الإسلامي كانوا يتعمدون إخفاء هوياتهم الحزبية في ثنايا الدعاية الانتخابية التي تتم في بعض المناطق والتجمعات العشائرية، ولفهم مدى حضور البعد العشائري في معادلة النتائج الأخيرة للإخوان المسلمين في انتخابات الأردن، يكفي الإشارة إلى بعض الاعتبارات الرئيسية، أولها أن تنظيم الإخوان في الأردن ومنذ تأسيسه عام 1945، اعتمد في بناء قواعده الجماهيرية بشكل رئيسي على جهود عشائرية، وثانيها أن التنظيم بات يتبنى استراتيجية في العديد من الانتخابات تقوم على تخصيص مقاعد على قوائمها لبعض العشائر، أو التحالف مع بعض الشخصيات العشائرية دونما الإعلان رسمياً عن ذلك، وثالثها أن هناك قيادات في الصف الأول للتنظيم تنتمي إلى عشائر أردنية كبيرة، ورابعها أن استطلاع رأي كانت أجرته “الرابطة العالمية لأبحاث الرأي العام” كان قد أشار إلى أن 71% من الأردنيين يعتقدون بأن علاقة الإخوان بالعشائر هي علاقة جيدة.
ضعف التيار المدني الأردني
أثبتت تجارب الربيع العربي في المنطقة، أن غياب الإصلاحات السياسية، وضعف التيار المدني في المنطقة العربية، هي عوامل تساهم على الأرجح في صعود تيارات الإسلام السياسي، خصوصاً في ظل بيئة مجتمعية تغيب فيها الثقافة السياسية، ويعلوا في المقابل حضور العامل الديني والاعتبارات المرتبطة بالمال السياسي والأبعاد القبلية والعشائرية، وقد كانت الانتخابات التشريعية التي جرت في مصر في 2011 عقب ثورة 25 يناير، تعبيراً عن ذلك، حيث استطاعت القوى الإسلامية بقيادة الإخوان المسلمين السيطرة على 70% من مقاعد مجلس النواب في هذه الانتخابات.

بالإسقاط على حالة الانتخابات الأردنية الأخيرة، فقد شهدت الانتخابات مشاركة 25 حزباً سياسياً من أصل 38، خصوصاً من الوسط واليسار، مثل حزب إرادة، والحزب الإسلامي الوطني، وحزب تقدّم، وحزب تيّار الاتحاد الوطني، وحزب عزم، وحزب الميثاق، وحزب العمال، وحزب العمل، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني، ولم يفز من كافة الأحزاب الأردنية التي شاركت في الانتخابات إلا عشرة أحزاب فقط تراوحت مقاعدها بين حد أقصى ممثلاُ في 3 مقاعد وحد أدنى ممثلاً في مقعد واحد، وعلى سبيل المثال لم تحصل كافة أحزاب اليسار حتى على مقعد واحد، كذلك كانت الدائرة الثانية بالعاصمة عمان توصف دائماً بأنها منقطة نشاط ودائرة نفوذ تقليدية للحزب الديمقراطي الاجتماعي، حيث تتركّز الشرائح العليا والمهنية والمثقفة، لكن الحزب الديمقراطي الاجتماعي حصل فيها على نسبة تصويت متدنية لم تتجاوز الـ 11%، ما عبر في جوهره عن حالة من الضعف الحزبي للتيار المدني في الأردن، وهي حالة ترتبط من جانب بأزمات بنيوية عميقة لهذا التيار، ومن جانب آخر بالمناخ السياسي العام في الأردن.
والحاصل أن ضعف التيار المدني في المنطقة العربية، جنباً إلى جنب مع غياب رؤى وتوجهات حقيقية للإصلاح السياسي، هي السياقات والأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى صعود الإسلام السياسي، إذ أن التجارب التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، تؤكد على حقيقة وافتراض مهم وهو أن وجود تيار مدني قوي ليس ضمانة فقط لتطور المسار السياسي في البلدان العربية، ولكنه ضمانة كذلك لمواجهة أي تهديدات خارجية، وتغول لتيارات العنف والتطرف.
التوظيف السياسي للدين
لا ينفصل إخوان الأردن عن الحركة الأم من حيث المرجعية الفكرية، وترجمتها على الأرض، خصوصاً فيما يتعلق بتبني مبادئ “الحاكمية” والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وربط التراجع الذي تشهده دول المنطقة بغياب الشريعية، إلى آخر هذه السرديات الهوياتية التي تتبناها كافة تنظيمات الإسلام السياسي، مع السعي لتوظيف هذه السرديات على المستوى السياسي والمجتمعي، للوصول إلى ما تصفه الجماعة بـ “التمكين”، متمثلاً في تحقيق المكاسب السياسية، ويُعد “سيد قطب” هو المنظر الأبرز لهذه الأفكار المتطرفة والمسيسة ويمثل مرجعاً لكافة التيارات الإخوانية وكذا الإرهابية التي نشأت لاحقاً على غرار تنظيمي القاعدة وداعش.
عملياً تدفع مسألة التوظيف السياسي للدين من قبل الإسلام السياسي، إلى صعود الاعتبارات الهوياتية والأيديولوجية على الاعتبارات البرامجية في الانتخابات، خصوصاً في ظل سياق مجتمعي عربي يغلب عليه التأثر بالدعاية الدينية، أو كما يُقال دائماً “شعوب متدينة بطبعها”، ويتم ترجمة ذلك على الأرض في شكل تصويت لصالح الأحزاب الهوياتية التي ترفع شعارات من قبيل “الإسلام هو الحل”، حتى وإن كانت هذه الأحزاب لا تملك عملياً إلا هذه الشعارات الشعبوية.
في السياق الأردني كان البعد الديني حاضراً وبقوة في الدعاية الانتخابية لحزب جبهة العمل الإسلامي، مع توظيف لبعض الشخصيات الدينية، وكذا المنظمات الخيرية التي تعمل تحت مظلة ودعم تنظيم الإخوان من أجل حشد الناخبين، فضلاً عن تركيز الخطاب الإعلامي للجماعة على توظيف الدين، والطعن في التيارات المدنية الأخرى، لا سيماً على مستوى الموقف من الدين أو الموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية.
وخلاصة القول أن الانتخابات الأردنية وبعيداً عن محدودية آثارها على المستوى الداخلي الأردني، وبعيداً عن طبيعة تداعياتها على المشهد السياسي ومدى ارتباطها بما يُعرف بـ “الإصلاح السياسي”، إلا أنها تُعبر عن إشكال ومتلازمة تواجه مسار التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، ممثلةً في كون مسألة الصعود الذي تحظى به تيارات الإسلام السياسي بأفكارها ومرجعياتها المتطرفة هي نتائج لمجموعة من الأسباب في القلب منها غياب أي رؤى جادة للإصلاح السياسي الذي في القلب منه توفير سياقات مناسبة لتقوية وتعزيز التيار المدني، والذي يعد حائط الصد الأول أمام هذه التيارات، ومن فضلاً عن كون هذه الإشكالية مرتبطة بضعف البنية والثقافة السياسية للمجتمعات العربية.
*كاتب المقال باحث في الشئون السياسية