لا يزال النقاش مستمرًا حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية "المعيب" الذي مررته اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، وسط رفض مجتمعي واسع، وهو ما دفع مؤسسة "القاهرة للتنمية والقانون" إلى مناقشة حقوق النساء في المشروع المنتظر، في ندوة بعنوان "أين النساء من قانون الإجراءات الجنائية؟".
شارك في الندوة التي عقدت الخميس الماضي، أحمد راغب المحامي ومقرر مساعد لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطني، ومها يوسف المحامية بالنقض، وأدارتها المحامية انتصار السعيد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية.
مرجع أساسي
أوضحت انتصار السعيد في بداية الندوة أن قانون الإجراءات الجنائية يُعتبر المرجع الرئيسي لتنظيم القواعد التي تحكم الدعوى الجنائية منذ وقوع الجريمة وحتى صدور الحكم.
وأضافت أن الهدف من الندوة هو تسليط الضوء على العقبات التي تواجه النساء في القانون المصري، خاصةً فيما يتعلق بالحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأكدت السعيد ضرورة إجراء تعديلات قانونية تراعي أوضاع النساء بشكل خاص، مشيرةً إلى أن مشروع القانون الحالي يحتاج إلى إضافة المزيد من الضمانات لضمان تحقيق العدالة.
وفي تصريح خاص لـ "فكّر تاني"، ذكرت السعيد أن القوانين وحدها لا تكفي لتحقيق العدالة الجندرية، مشددة على أهمية كيفية تنفيذ هذه القوانين وتطبيقها.
كما شددت على ضرورة تعزيز الوعي وتدريب العاملين في قطاع إنفاذ القانون لضمان التعامل العادل مع النساء، مؤكدةً أن التعديلات القانونية لن تكون كافية دون دعمها بتغيير واضح في الممارسات العملية.
ودعت السعيد إلى أهمية استمرار المنظمات النسوية في المطالبة بالتعديلات الضرورية التي تضمن حقوق النساء في الوصول إلى العدالة، مشيرةً إلى ضرورة الحوار المجتمعي والتعاون بين مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق هذا الهدف.
الحوار المجتمعي
أكدت المحامية مها يوسف على أهمية الحوار المجتمعي الشامل بشأن مشروع القانون الجديد، ودعت النقابات المهنية، وخاصةً نقابة المحامين، إلى المشاركة الفعالة في مناقشة هذه التعديلات.
وأوضحت يوسف أن بعض النصوص الجديدة في مشروع القانون قد توفر حماية مهمة للنساء، مثل النصوص المتعلقة بسرية التحقيقات وحماية المبلغين والشهود. ومع ذلك، أكدت أن هذه النصوص قد لا تكون كافية وتحتاج إلى تحسينات لضمان فاعليتها، خاصةً في قضايا العنف الجنسي وحماية النساء من العنف.
وأضافت يوسف أن القانون الجديد يحتوي على بعض النصوص الإيجابية، مثل تأجيل تنفيذ العقوبات في بعض الحالات، لكنها طالبت بتطوير هذه النصوص لتشمل مراعاة ظروف النساء الحوامل أو المرضعات عند إصدار قرارات الحبس الاحتياطي، خصوصًا في الجرائم الأقل خطورة.
اقرأ أيضًا:جندرة التشريع ودسترة نصوصه أولاً.. مطالب بتأجيل قانون الإجراءات الجنائية
لا يتصدى لحقوق النساء
قدم المحامي أحمد راغب لمحة تاريخية عن قانون الإجراءات الجنائية الحالي، الذي يعود إلى عام 1950، مشيرًا إلى أن القانون الجديد لا يختلف كثيرًا من حيث الهيكل الإجرائي، لكنه شهد بعض التعديلات التي عززت سلطات النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي، دون وجود آليات رقابية كافية.
ولفت راغب الانتباه إلى أن القانون الجديد لا يعالج بعض المعوقات التي تواجه النساء في قضاياهن، مثل حقهن في إقامة الدعوى الجنائية مباشرةً في حال الاعتداء على الحرية الشخصية أو الحياة الخاصة، وهو ما يعد مخالفًا لنصوص الدستور.
وأكد راغب أن مشروع القانون لا يأخذ بعين الاعتبار توصيات الحوار الوطني بشأن مراعاة ظروف النساء الحوامل أو المرضعات عند اتخاذ قرارات الحبس الاحتياطي. كما أشار إلى أن القانون يغفل أهمية وضع قواعد خاصة بقضايا هتك العرض والاغتصاب، خاصةً فيما يتعلق باستخدام الأدلة الجنائية.
وفي حديث خاص لـ "فكّر تاني"، قال راغب: "هناك فجوة بين النصوص القانونية وتطبيقها على أرض الواقع، وتعديل النصوص وحده لا يكفي لتحقيق العدالة الجندرية".
وأوضح أن الحل يكمن في وضع برامج تدريبية وتأهيلية لموظفي إنفاذ القانون، بالإضافة إلى تعزيز التوعية المجتمعية، حيث ستظل الفجوة بين النصوص والممارسة العملية قائمة ما لم يتم العمل على كسرها بشكل منهجي ومستدام.
وأشار إلى عدم وجود مواد قانونية محددة يمكن وصفها بـ "التمييزية" بشكل مباشر في مشروع القانون الجديد، لكنه أكد على وجود تجاهل للوضع الخاص بالنساء، مما يؤثر على قدرتهن في الوصول إلى العدالة.
وحول إمكانية إجراء البرلمان الحالي لتعديلات تأخذ في الاعتبار البعد الجندري، أكد راغب: "إن قضايا النساء لم تُطرح بجدية داخل البرلمان، وهو ما يستدعي اهتمامًا أكبر من المشرعين".
التوصيات
واختتمت الندوة بمجموعة من التوصيات الهامة التي دعت إليها منظمات المجتمع المدني، وبشكل خاص المنظمات النسوية، وشملت:
- الانخراط في مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية: التأكيد على ضرورة المشاركة الفعالة في مناقشة القانون مع تقديم رؤية إجرائية تأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تواجه النساء في القانون المصري.
- إنشاء نظام حكومي متكامل: المطالبة بإنشاء نظام يضمن حماية خصوصية النساء، وتوفير نظام إحالة شامل للنساء الناجيات من العنف، مع أهمية التنسيق بين الجهات المعنية والبيوت الآمنة.
- التوسع في الإعلان عن الخطوط الساخنة: التأكيد على أهمية زيادة الوعي حول الخطوط الساخنة الخاصة بوحدة مناهضة العنف ضد النساء بوزارة الداخلية، ووحدة مكافحة جرائم الإنترنت، وأرقام البيوت الآمنة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي.
اقرأ أيضًا:تعليقًا على تعديل قانون الإجراءات الجنائية