تتسارع حركة الاستعداد لانتخابات مصر القادمة شيئًا فشيئًا بين فريقين أساسيين: معسكر معارضة يحشد في اتجاه الضغط للوصول إلى القائمة النسبية كأفضل نظام يقي برلمان 2025 إخفاقات نسخه السابقة، تتجه الترتيبات في معسكر الموالاة نحو إعداد تحالف جديد بين أحزاب "مستقبل وطن"، و"الشعب الجمهوري"، و"حماة وطن"، بهدف الحفاظ على الأغلبية البرلمانية المقبلة، ولكن بمعالجة للهشاشة التشريعية التي صنعها حزب "مستقبل وطن" في الدورة الماضية.
وبين هذا وذاك، يبرز فريق ثالث يرى أن حل أزمات الحياة التشريعية في مصر يبدأ من صناعة "الناخب الواعي"، حتى يتحول المواطن بنفسه إلى مراقب، ومتابع، ومُقيّم للعملية الانتخابية؛ إذ يرى هذا الفريق أنه من دون ذلك لن تنجح متابعة مؤسسات المجتمع المدني وحدها العملية الانتخابية في مصر، ما دام مفهوم الناخب لم يتغير نحو الوعي الكامل بالعملية الانتخابية.
ما هي ضوابط متابعة الانتخابات؟
ضمن فريق يرى ضرورة توعية الناخبين بالعملية الانتخابية ودورهم في إنجاحها، يفرّق أيمن عقيل، مدير عام مؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان"، بين أدوار المتابع والمراقب والملاحظ في العملية الانتخابية. ويوضح في حديثه لـ "فكر تاني" أنه في السابق كانت المنظمات تلعب دور المراقب، لكن وفقًا لقواعد الهيئة الوطنية للانتخابات أصبحت الآن تؤدي دور المتابعة.

وبناءً على ذلك، فإن المجتمع المدني يتابع العملية الانتخابية وفق معايير دولية محددة تضمن حرية ونزاهة الانتخابات، وهذه المتابعة هي التي تساهم في إصدار مؤشرات، مثل مؤشر الحرية ومؤشر النتائج. والتي يتم تحديد مدى نزاهة وحرية الانتخابات بإعمالها من خلال استمارات تحتوي على أسئلة، ومن ثم الوصول إلى تقييم نهائي للعملية الانتخابية.
ويضيف "عقيل" الذي شارك في متابعة العديد من العمليات الانتخابية داخل وخارج مصر، أن المتابعة لا تبدأ مع عملية التصويت أو يوم الاقتراع فقط، بل تشمل مجموعة من الإجراءات تشمل البيئة التشريعية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تتم فيها الانتخابات.
وهكذا تمر المتابعة بمراحل التسجيل، والترشح، والدعاية، والتصويت، والفرز، ثم إعلان النتائج، والطعون المتعلقة بالعملية الانتخابية، إلى جانب جميع جوانب التوعية الانتخابية في الفترة المقبلة.
ويشير "عقيل" إلى أهمية وجود هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، مؤكدًا أن ذلك كان أحد مطالب الثورة، وأن مصر تعد من الدول القليلة التي تمتلك هيئات مستقلة تشرف على الانتخابات وتقوم بدورها التوعوي.
ويضيف خبير متابعة الانتخابات أن مشاركة الشباب في الانتخابات لها تأثير كبير على صناديق الاقتراع، سواء على مستوى المجالس التشريعية النيابية أو المجالس المحلية. لكنه يلفت إلى أن هناك عزوفًا من الشباب عن المشاركة، ما يستدعي الحاجة إلى تحفيزهم للانخراط في العملية الانتخابية.
وفيما يتعلق بمشاركة الناخبين، يذكر "عقيل" أن بعض الدول تجعل التصويت اختياريًا، بينما تفرض دول أخرى التصويت إجباريًا، ومنها مصر التي قررت منذ عدة سنوات فرض غرامة على من يتخلفون عن التصويت. ويرى "عقيل" أن زيادة نسبة المشاركة تعزز من اختيار الأصلح، فيما ينتقد عدم تفعيل تطبيق الغرامة.
الرشاوى وغياب الناخب والمجتمع المدني
تعتبر أزمة عزوف الناخبين عن المشاركة وقبولهم الرشاوى الانتخابية وغياب منظمات المجتمع المدني من أبرز سلبيات الانتخابات في مصر، وفق اللبناني رياض عيسى الخبير في شؤون مراقبة الانتخابات وعضو مجموعة "مراقبون بلا حدود".
ويلاحظ عيسى، الذي يتابع العديد من الاستفتاءات والانتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر منذ 2012 وحتى 2023، أن هذه الظواهر تتكرر في انتخابات برلماني 2015 و2020.

ويقول عيسى في حديثه لـ "فكر تاني": "منذ انتخابات 2015، الملاحظات لا تتغير؛ أبرزها غياب متابعة حقيقية من المجتمع المدني الفاعل، بالإضافة إلى العزوف الواضح للناخبين عن المشاركة".
ويؤكد أن المجتمع المدني يقصّر في تعزيز الوعي الانتخابي لدى المواطنين، مشيرًا إلى أن مفهوم المشاركة السياسية يغيب عن ذهن العديد من المصريين، مما يتطلب جهودًا مبكرة للتوعية.
ويشير "عيسى" إلى أن المصريين يرون الانتخابات كاحتفال اجتماعي وليس كفرصة للمحاسبة والمساءلة، مرجعًا ذلك إلى تأثير المال السياسي والمساعدات التي تُقدم خلال فترة الانتخابات، ما قد يؤثر على إرادة الناخبين.
كما يوضح أن بعض الناخبين لا يعرفون أماكن لجان الاقتراع، مما يمنعهم من التصويت، بجانب عزوف الشباب عن المشاركة لاعتقادهم أن النتائج محسومة مسبقًا.
ويؤكد عيسى أن التنظيم وإدارة العملية الانتخابية والحفاظ على صناديق الاقتراع دون تلاعب تعد أمورًا ضرورية. وينتقد دور الإعلام الانتخابي، مشيرًا إلى غياب مفهوم الصمت الانتخابي وضغط الإعلام على الناخبين خلال أيام الاقتراع.
كما ينتقد وجود العناصر الأمنية داخل لجان القيد، معتبرًا ذلك مخالفًا للقواعد الانتخابية، ويطالب بوقف هذه الممارسة في الانتخابات المقبلة.
ويتفق أيمن عقيل، مدير مؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان"، مع عيسى في خطورة الرشاوى الانتخابية التي تُقدم للناخبين، مؤكدًا أن هذه الممارسات تتم بشكل علني وتؤثر بشكل كبير على إرادة الناخبين.
وفي هذا السياق، يوضح عقيل أن مؤسسة "ماعت" أطلقت حملة بعنوان "علشان صوتك ما يبطلش"، تهدف إلى توعية المواطنين بالحالات التي تبطل فيها الصوت الانتخابي مثل الشطب على الاسم أو التعليم بالقلم الرصاص.
ويشدد عقيل على أن دور المجتمع المدني لا يقتصر على متابعة وتقييم نزاهة الانتخابات، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى مساعدة الناخبين في اتخاذ قراراتهم وتحفيزهم على المشاركة في العملية الانتخابية، باعتبارها الوسيلة لتحقيق تغييرات في القوانين والتشريعات.
ديمقراطية الانتخابات وضرورياتها
يحدد مجدي عبد الحميد، رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، أربعة محاور أساسية في العملية الانتخابية القادمة، يقول إن توافرها يجنبنا العوار الذي شاب الانتخابات السابقة في 2015 و2020.

ويوضح رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، في حديثه لـ "فكر تاني"، أن أول هذه المحاور المطلوبة هو المناخ السياسي المحيط بالعملية الانتخابية، مشددًا على أنه لا يمكن الحديث عن انتخابات شبه ديمقراطية، بل يجب أن تكون ديمقراطية بالكامل. ويتطلب ذلك توافر بيئة سياسية حاضنة، تشمل حرية إنشاء الأحزاب، وحرية الرأي والتعبير، وحرية حق التجمع، مع وجود إعلام يحظى بدرجة من الاستقلالية.
ويؤكد على ضرورة أن يكون هناك نظام انتخابي شبيه بالديمقراطية، مشيرًا إلى أن النظام الحالي بعيد عن النظم الديمقراطية، ويجب اتخاذ خيارات محددة بديلة عن النظام المتبع سابقًا، والذي يعتمد على انتخابات القائمة الموحدة المطلقة، وهو نوع من الانتخابات يعتبر كارثيًا ويبتعد كثيرًا عن المفاهيم الأساسية للديمقراطية.
ويقول عبد الحميد: "نحتاج إلى نظام انتخابي يتجه نحو وجود قانون يراعي حرية الرأي والتعبير"، مؤكدًا أن نزاهة العملية الانتخابية تتطلب أن يراعي القانون جميع الضوابط لجميع المرشحين وحقوقهم المتساوية في ممارسة دعايتهم والوصول إلى الجماهير، واستخدام الأدوات الإعلامية المملوكة للدولة، كما يجب أن يتيح الحرية للمواطنين في الإدلاء بأصواتهم دون تدخلات أو تهديدات أو ترغيب.
ويطالب بأن يكون الأساس الحاكم للعملية الانتخابية هو الأساس البرنامجي، حيث يجب على جميع القوى السياسية، سواء كانت موالية أو معارضة، أن تقدم برامجها السياسية للناخبين، مما يسهم في تدريب الناخبين على أن تكون اختياراتهم محددة بالبرنامج السياسي المقدم، حتى يمكن محاسبتهم ومراجعتهم لاحقًا.
ملاحظات يجب تلافيها
رصدت المؤسسات الحقوقية العاملة في مجال المتابعة الانتخابية العديد من الملاحظات في تقاريرها حول الانتخابات الماضية، والتي يرى المراقبون أهمية تلافيها في الانتخابات المقبلة.

ووفقًا لتقرير مؤسسة ماعت للسلام في متابعتها للانتخابات عام 2015، عانت الأحزاب في هذه الانتخابات من الفقر السياسي وعدم القدرة على إعداد الكوادر، وعدم استغلال الطموحات السياسية لقطاعات الشباب. مما دفعهم إلى الاعتماد على المرشحين السابقين للحزب الوطني أو على الجيل الثاني من أبناء أعضاء قدامى للحزب.
وأوضح التقرير، الذي حمل عنوان "الكرة في ملعب الشعب"، أن الأحزاب غير قادرة على إعداد كوادر حزبية تستطيع نشر أفكار الحزب وحشد أكبر عدد من المؤيدين على أساس أولويات أجندته التشريعية من خلال هيئته البرلمانية.
وفي انتخابات مجلس النواب 2020، أصدرت مؤسسة ماعت تقريرًا مشتركًا مع غرفة عمليات البعثة الدولية لمتابعة انتخابات مجلس النواب، مؤكدة أهمية تحرك الهيئة الوطنية للانتخابات لتكثيف جهودها في تدريب الموظفين المنخرطين في العملية الانتخابية، وتعزيز التعاون مع المجتمع المدني والأحزاب السياسية لرفع وعي الناخبين.
ورصدت البعثة الدولية مخالفات واسعة في تلك الانتخابات تتعلق بمدة الدعاية الانتخابية، حيث خالف العديد من المرشحين الجدول الذي وضعته الهيئة الوطنية للانتخابات، وبدؤوا حملاتهم الدعائية قبل الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين، من خلال تعليق اللافتات في الشوارع، وعبر وسائل الإعلام المخالفة.
وأوضحت البعثة الدولية أن المرحلة الثانية من الانتخابات شهدت مخالفات واسعة تتعلق بقيام المرشحين بكافة أشكال الدعاية الانتخابية بشكل مبكر، وفي غير الوقت المخصص لدعاية محافظات المرحلة الأولى، حيث قام المرشحون بتعليق لافتاتهم وعقد مؤتمرات انتخابية حاشدة.