حقوق المرأة في “استراتيجية حقوق الإنسان”.. كلام نظري يفتقد التطبيق

دخلت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026) عامها الرابع، ولا تزال التحديات التي تواجه النساء في على تعقيدها، تنتظر الحلول الشاملة والفعّالة بدلًا من الاكتفاء بالخطط النظرية.

في هذا الإطار، استطلعت منصة “فكر تاني” آراء مجموعة من المعنيات بهذا الملف، تحدثن عن مآلات قضايا المرأة والأزمات التي تقف أمام تمكينها من حقوقها، بعد انقضاء 3 سنوات على الاستراتيجية الوطنية.

الاستراتيجية غير فعّالة

“الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تبدو من الخارج براقة وتهدف إلى تحسين وضع المرأة وتمكينها من الوصول إلى حقوقها، بينما يؤكد الواقع المعاش استمرار المشكلات الجوهرية التي تعانيها النساء وتحول دون تحقيق أي من أهداف هذا الملف”؛ تقول إيمان عوف، الكاتبة الصحفية والناشطة النسوية.

تُقيّم إيمان عوف محور المرأة في الاستراتيجية عبر عدة نقاط:

أولًا: ما يتعلق بعدم فعالية الاستراتيجية في معالجة قضايا حقوق المرأة على أرض الواقع. وهنا، تضرب مثلًا بشركات مثل “وبريات سمنود”، التي لا تُطبق حقوق العاملات كما يجب، رغم وجود قوانين تنص على حقوق مثل ساعات الرضاعة وإجازة الوضع.

إيمان عوف
إيمان عوف

هذا فضلًا عن التفاوت في الأجور بين النساء والرجال، رغم أن نسبة العاملات في تلك الشركات تفوق ثلثي القوة العاملة. وهو ما يعكس مشكلة عميقة تتفاقم كلما هبطنا إلى الفئات الأكثر حاجة، وخاصة النساء العاملات من الطبقات الاجتماعية الدنيا.

وتؤكد إيمان عوف أن هناك غياب واضح لأي جهود من قبل الحكومة أو الجهات المسؤولة لمراقبة أو تحسين ظروف العمل داخل المصانع، أو لتقديم الدعم والتوعية للنساء العاملات بحقوقهن.

اقرأ أيضًا: باب الخروج.. يوميات صحفي خارج بلاط صاحبة الجلالة (4-4)

أيضًا، هناك أزمة في طبيعة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي تقول عنها إيمان عوف، إنها “وهمية”، ترتبط بتحركات سطحية دون معالجة جذرية للقضايا. والدليل على ذلك -حسب وجهة نظرها، انتشار موجات العنف ضد النساء، الذي وصل إلى حد التعدي الجسدي والقتل في الأماكن العامة، مثل واقعة مقتل نيرة أشرف.

وتضيف الكاتبة الصحفية والناشطة النسوية: “هنا، يمكن التساؤل عن دور الاستراتيجية في التصدي لهذا النوع من العنف. لم نرَ أي تحركات حقيقية من الاستراتيجية لنشر التوعية بين الشباب في الجامعات أو المجتمع الأوسع حول معنى التحرش وأهمية احترام حقوق المرأة ومواجهة صور العنف الممارس ضدها، وهذا واضح من ردود فعل الطلبة والمجتمع تجاه مثل هذه الجرائم”.

وتشير إيمان عوف أيضًا إلى ما يتعلق بالحماية القانونية للنساء الناجيات من العنف، فتوضح أنه رغم ما نصت على الاستراتيجية من ضرورة حماية الشهود والناجيات من العنف، يبقى هذا مجرد كلام على ورق، لا يُترجم إلى إجراءات فعلية تُسهل على النساء تقديم بلاغات والحصول على حقوقهن القانونية.

“النظام البيروقراطي المعقد يعيق بشكل كبير أي محاولة من النساء للحصول على حقوقهن القانونية، ما يجعل من الصعب على الضحايا الوصول إلى العدالة”؛ كما تقول.

الاستراتيجية نظرية فقط

ترى كريمة أبو النور، عضوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين والباحثة في علم النفس السياسي، أن محور المرأة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان مثله مثل استراتيجيات وقوانين أخرى بمصر، تهدف إلى حماية حقوق النساء ومواجهة التحرش والعنف نظريًا، بينما التطبيق العملي الكامل غالبًا ما يكون تحديًا.

وتشير عضوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، في حديثها لـ”فكر تاني”، إلى أنه في العديد من الدول توجد قوانين تستهدف حماية بيانات المجني عليهن/هم في قضايا التحرش والعنف، بما في ذلك التعديلات على قوانين الإجراءات الجنائية لضمان سرية المعلومات الشخصية للمعتدى عليهن/هم، لكنها تري أن الواقع يُظهر أن هذه التدابير قد تكون غير فعّالة بالكامل في بعض الأحيان، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، كانتشار بيانات المجني عليهن/هم، مثلما حدث في قضية “سفاح التجمع”، وهو أمر يُبرز إشكالية أن تطبيق القوانين وحمايتها لا يزال يواجه عقبات كبيرة.

ومن الضروري، وفق كريمة أبو النور، تحسين وتطبيق استراتيجيات فعّالة لضمان حماية بيانات الأفراد، وتعزيز الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي للتصدي لانتهاكات الخصوصية والتشهير.

ورغم أن هناك جهود واضحة على مستوى الشق الاجتماعي لدعم المرأة، مثل برامج “تكافل وكرامة”، وما تهدف إليه من تقديم الدعم للفئات الضعيفة وتخفيف الضغوط الاقتصادية، وكذلك بعض التحسينات مع بدء تعيين القاضيات في المناصب العليا، لا تزال هذه التحسينات دون المستوى المطلوب من حيث التوازن والتمثيل الفعّال، وفق كريمة أبو النور.

كريمة أبو النور
كريمة أبو النور

وتضيف الباحثة في علم النفس السياسي أنه فيما يتعلق بالتمكين السياسي للنساء، تظل الفرص والتمثيل أقل مما هو مستحق، حيث تحتاج السياسات إلى دعم أكبر لضمان تمثيل متساوٍ للنساء في جميع المستويات السياسية والإدارية، وتعزيز مشاركتهن الفعّالة في صنع القرار، وهو ما يتطلب جهودًا مستمرة لتطوير القوانين والتشريعات التي تدعم تمكين النساء، بالإضافة إلى تحسين الوعي الاجتماعي وتقديم الدعم اللازم لتحقيق تغييرات ملموسة.

وتستنكر الباحثة السياسية استمرار التمثيل النسائي بشكل أقل بكثير مما ينبغي سواء على مستوى الوزيرات أو النائبات أو المحافظين، مؤكدةً أن النسب الفعلية تكون ضئيلة مقارنة بالرجال، ما يجعل هذه الفجوة تحتاج إلى معالجة جادة من أجل توفير فرص متساوية وتمكين النساء من المشاركة بفعالية في الحياة السياسية.

كيف نُفعّل حقوق المرأة في الاستراتيجية؟

وتقترح عضوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين بعض الحلول لتفعيل حقوق المرأة على أرض الواقع وإنجاح الاستراتيجية الوطنية في محور النساء، مثل:

– تحسين إجراءات الرقابة على المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي.

– تعزيز قدرة المنصات على التعامل مع المحتوى المسيء.

– العمل على تطبيق القوانين بشكل فعّال، بما في ذلك متابعة الشكاوى وتقديم الدعم اللازم للمتضررين.

– تعزيز برامج التوعية حول خطورة التحرش والتنمر وأهمية احترام القوانين.

– تعزيز التعاون بين الجهات القضائية ومنصات التواصل الاجتماعي لتحسين آليات التصدي للانتهاكات.

وتؤكد كريمة أبو النور أن هذا الموضوع لا ينتهي بمجرد وضع القوانين والاستراتيجيات، إذ أن هناك عادات وتقاليد متجذرة في المجتمع، خاصة في الصعيد، وهنا، فإن التذكير بأن دور الدولة لا يقتصر على إصدار القوانين، وإنما يجب أن يتطور إلى المشاركة والمبادرة بتطوير الوعي الثقافي والمجتمعي بحقوق الأمر هو أمر جاد وضروري.

مجرد التواجد نجاح

نيفين عبيد
نيفين عبيد

في المقابل، ترى نيفين عبيد، الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي والتنمية وعضوة مؤسسة “المرأة الجديدة”، في حديثها لـ”فكر تاني” أن مجرد تواجد محور المرأة في الاستراتيجية يعد نجاحًا، موضحةً أن ما جاء في الاستراتيجية هو نجاح مبدئي للمرأة يتطلب التفعيل لرؤية نتائج النصوص الجيدة المكتوبة في الاستراتيجية.

وتشير إلى أن مصر حققت نسبة جيدة من تمثيل النساء في البرلمان، وهذا ما تؤكده التقارير الدولية، ولكن الإشكالية ليست في عدد النساء الممثلات بقدر ما هي في فاعلية هذا التمثيل في التنفيذ، موضحةً أن هذا الكم من النساء في البرلمان يمثل كتلة سياسية واحدة ولم يعكس أجندة نسوية واضحة داخل البرلمان.

وتؤكد نيفين عبيد أنه فيما يخص تمثيل المرأة في المواقع الإدارية، فقد حققت مصر تقدمًا جيدًا في تصعيد النساء إلى المناصب القيادية، مثل مناصب المديرين وأعضاء مجالس الإدارة والوزيرات، لكنها أيضًا تتوقف عند تأثير هؤلاء النساء في تلك المناصب، ومدى قدرتهن على تحقيق تأثير فعلي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة