"ابنتي تُجبر على دفع مقابل خدمات للسجينات الجنائيات، مثل الطهي والتنظيف"، هكذا تحكي بتأثر شديد الأستاذة الجامعية وفاء حفني، والدة المحبوسة احتياطيًا مروة عرفة، معبرة عن قلقها الشديد على ابنتها، التي تجاوزت مدة الحبس الاحتياطي القانونية، في ظل عدم شعورها مثل آخرين بتأثير الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان خاصة في ملف السجناء.
منذ ثلاث سنوات، جاء إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026) كأمل كبير لسجناء الرأي وأسرهم، وللمعنيين بالشأن السياسي والحقوقي الذين تطلعوا إلى تحسين الأوضاع داخل السجون، لكن اتضح أن الواقع الحالي لا يعكس تلك الآمال، وفق أهالي سجناء رأي ومحامي حقوقي تحدثوا لـ"فكّر تاني".
يتحدث حقوقيون عن وجود عشرات الآلاف من سجناء الرأي في السجون، قدرهم البعض بحوالي 60 ألف سجين رأي، وفق إحصائيات غير رسمية، لكن السلطات المصرية تنفي ذلك عادة، لكنها لم تعلن بعد عن إحصائيات السجناء السياسيين بصورة رسمية.
غياب الحقوق
تشير الأكاديمية الجامعية وفاء حفني، إلى أن ابنتها مروة، تعمل مترجمة وناشطة حقوقية، وأنها أيضًا أم لطفلة مصابة بالتوحد، وتعيش في ظروف قاسية داخل السجن حيث تتعرض لسوء المعاملة والحرمان من رؤية ابنتها في ظروف مناسبة، بالإضافة إلى منعها من استكمال دراستها العليا، وفق تأكيدها.

في فجر 20 أبريل 2020، اقتحمت قوات الأمن منزل"مروة" وألقت القبض عليها، ثم ظهرت بعد أسبوعين، أمام نيابة أمن الدولة العليا مساء 4 مايو 2020، حيث وجهت إليها اتهامات في القضية رقم 570 لسنة 2020، تشمل: الانضمام لجماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر أخبار كاذبة.
وتوضح والدة مروة أن التحدي الأكبر الذي تواجهه ابنتها هو تواجد السجينات الجنائيات مع السجينات السياسيات، مما يجعلهن عرضة للابتزاز والمضايقات، مؤكدة أن هناك حاجة ملحة لفصل السجينات الجنائيات عن السياسيات لضمان حماية حقوق السجينات السياسيات والحفاظ على كرامتهن داخل السجون.
"الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان كلام حلو وكل حاجة بس أنا مش شايفة أي ترابط بينه وبين الواقع" تضيف ، والدة "مروة"، بنبرة يملؤها الحزن.
الأزمة أيضا بحسب "وفاء" أن ابنتها "لا تستطيع إكمال دراستها العليا داخل السجن، وهذا يزيد من مخاوفها على مستقبلها وحياتها المهنية" ، مؤكدة أن حرمان مروة من حقها في التعليم لا يؤثر فقط على طموحاتها الأكاديمية، بل يزيد من الضغوط النفسية التي تعاني منها، ما يجعل وضعها في السجن أكثر صعوبة وتعقيدًا.
"اللي مش معاه فلوس جوا السجن بيتفرم"، تقول والدة "مروة"، وهي تصف بمرارة كيف أن كل شيء داخل السجن يتم بمقابل مادي، مما يفرض معاناة إضافية على سجناء وسجينات الرأي والمحبوسين احتياطيًا، الذين لا يستطيعون تغطية هذه التكاليف.
وتشير إلى أن هذا الوضع قد أدى إلى استنزافها المالي بشكل كبير، ما يشكل عبئًا إضافيًا على عاتقها ويزيد من تعقيد معاناتها ومحنة ابنتها.
أوضاع غير مناسبة
الأكاديمية ندى مغيث، زوجة الصحفي ورسام الكاريكاتير بموقع المنصة، أشرف عمر، تشارك الأكاديمية الجامعية وفاء حفني، بعض معاناة السجون، بعدما انقلبت حياتها رأسًا على عقب فور القبض على "عمر" في 22 يوليو الماضي على ذمة القضية رقم 1968 لسنة 2024.

"ندى" انتقدت قلة الزيارات المسموح بها لزوجها، معتبرةً ذلك أمرًا غير إنساني، مشيرة إلى أن الزيارات كانت تُجرى أسبوعيًا قبل جائحة كورونا، ولكنها تقلصت إلى مرة واحدة شهريًا بسبب الإجراءات الاحترازية، وهو ما تراه انتهاكًا للوائح السجون التي تنص على زيارتين شهريًا؛ واحدة للزيارة العادية وأخرى لإدخال الطعام.
وتوضح ندى أن زوجها لم يرَ الشمس منذ 22 يوليو، ولا يحصل على حقه في "التريض" ما يُعد انتهاكًا لحقوق السجناء، فيما تنتقد أيضًا تجاوز مدة الحبس الاحتياطي لسجناء، للمدد القانونية المقررة بعامين، مشيرة إلى أن العديد من السجناء الاحتياطيين، وفق ما سمعت من ذويهم، لا تنطبق عليهم الشروط الأساسية لهذا النوع من الحبس، مثل حماية الشهود أو الحفاظ على الأدلة
وتؤكد ندى أن الحبس الاحتياطي يُستخدم حاليًا كعقوبة وليس كإجراء احترازي كما هو مفترض قانونًا، ما يعكس تجاوزات للقانون والدستور والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، معربة عن استيائها من استخدام الحبس الاحتياطي لمعاقبة الأفراد على التعبير عن آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو القيام بأفعال بسيطة مثل نشر رسوم أو تعليقات.
ترى "ندى" أن "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، تحتاج إلى أن تتحول إلى واقع في السجون، حتى يشعر جميع السجناء وذويهم بتطبيقها، فيما أكدت أن تطبيق قانون الإرهاب دون اعتبار للحريات الأساسية يعرض المواطنين للاحتجاز التعسفي.
لا يشعرون بالاستراتيجية
"أتمنى أن أشعر بتأثير الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ولن يحدث ذلك إلا بخروج زوجي الذي تخطى مدة الحبس الاحتياطي، ومنذ 10 سنوات يعيش في معاناة لكونه مصورًا صحفيًا"، تقول أماني زوجة الصحفي حمدي الزعيم لـ"فكر تاني".

يعاني الزعيم من انزلاق غضروفي، وأصيب سابقًا بجلطة، بالإضافة إلى أنه من مرضى السكري والضغط، وكل ذلك يتطلب خروجه للعلاج في مناخ صحي مناسب.
ألقي القبض على الزعيم في 26 سبتمبر 2016 أمام نقابة الصحفيين، واحتُجز على ذمة القضية رقم 15060 لسنة 2016 حتى أُفرج عنه بتدابير احترازية في 13 يونيو 2018، لكن لم ينعم بحريته طويلًا؛ إذ أُعيد القبض عليه في 5 يناير 2021 فور عودته من أداء تلك التدابير، على ذمة القضية رقم 955 لسنة 2020 حصر أمن دولة، ورغم تجاوزه المدة القانونية للحبس الاحتياطي، ما زال الزعيم خلف القضبان.
أماني، تشير إلى أن حالة زوجها الصحية والنفسية تدهورت بشكل كبير نتيجة استمرار حبسه لفترة طويلة، وتعيش على أمل خروجه من السجن في أقرب وقت، منتظرة بفارغ الصبر نهاية هذا الكابوس الذي يثقل كاهلها وكاهل أسرته.
نصوص جيدة لا تطبق
من جانبه، يؤكد المحامي الحقوقي نبيه الجنادي في حديثه لـ"فكر تاني" أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، شأنها شأن الدستور والقوانين في مصر، تتضمن نصوصًا جيدة، إلا أن المشكلة تكمن في عدم تطبيق هذه النصوص على أرض الواقع.

ويشير إلى أن الظروف في السجون لا تتماشى مع اللوائح القانونية، حيث إن لائحة السجون تنص على زيارة أسبوعية للمحتجزين، ولكنها أصبحت شهرية منذ جائحة كورونا، ورغم انتهاء الجائحة، لم تعد الزيارات إلى وضعها السابق.
كذلك، يوضح الجنادي أن عدد الزائرين المسموح به تقلص من ثلاثة أفراد إلى فرد واحد فقط، مما يعد مخالفة واضحة للائحة السجون والقانون.
ويضيف الجنادي أن الرعاية الصحية المنصوص عليها في الاستراتيجية الوطنية والقانون والدستور، التي تضمن حق المتهمين والمحبوسين في الحصول على رعاية صحية مناسبة، ليست متوفرة في السجون، مؤكدًا أن العديد من المحتجزين يحتاجون إلى تدخل جراحي أو أدوية، لكن هذه الخدمات غالبًا لا تُقدّم، ويُطلب منهم الانتظار حتى الإفراج عنهم للحصول على العلاج في ظل ظروف احتجاز غير إنسانية داخل السجون تتعارض مع نصوص القوانين.