“استراتيجية حقوق الإنسان” بعد 3 سنوات.. حرية الدين والمعتقد “لا حس ولا خبر”

“ينص الدستور على جملة المبادئ الأساسية للدولة والمجتمع، ومنها المواطنة، وأن حرية الاعتقاد مطلقة، ويكفل الحق في حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، ويضمن لهم الاحتكام لشرائعهم الخاصة في مسائل الأحوال الشخصية، والشؤون الدينية، واختيار قياداتهم الروحية. ويعترف بتعدد تراث مصر الحضاري والثقافي والديني”.

هكذا تصيغ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان البند الأول من محورها لحرية الدين والمعتقد. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه المبادئ، وبعد 3 سنوات من إطلاق الاستراتيجية، دخل في مرحلة “لا حس ولا خبر” وبات مجرد حبر على الورق، دون أي أثر ملموس على أرض الواقع، يعكس هذا الالتزام الدستوري، وفق مختصون تحدثوا لـ”فكر تاني”. بينما على الجانب المقابل، تدافع اللجنة العليا الدائمة المسئولة عن الاستراتيجية، بأن هناك جهود متعددة استهدفت تعزيز حرية الدين والمعتقد، وأسفرت عن ارتفاع عدد الكنائس والمباني التابعة لها، التي تم تقنين أوضاعها، إلى جانب الانتهاء من ترميم عدد من المواقع المسيحية واليهودية، وفق رصدها.

استراتيجية تنفي الآخرين

اسحاق ابراهيم
إسحاق إبراهيم

في حديثه لـ “فكر تاني”، يقول إسحاق إبراهيم مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “هناك فارق بين التعامل مع الأسباب الهيكلية للمشاكل وبين تنظيم أنشطة لتحسين الوضع، وهو بالضبط الفارق بين المسكن لتخفيف الألم والمضاد الحيوي لمعالجة المرض من جذوره”.

ويضيف “إبراهيم” أن الاستراتيجية في حالتنا هى المسكن وليس العلاج، وعلينا أولًا تحديد المشاكل، ثم الانتقال لطريقة التعامل معها”، إذ تعاملت مع حرية الدين والمعتقد على أساس تحسين العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وهذا مدخل مختلف تمامًا عن مسار حرية الدين والمعتقد.

وينتقد “إبراهيم” استبعاد جميع المواطنين المصريين غير المسلمين والمسيحيين أو اليهود من الاستراتيجية بسياسة تعاملها مع المسلمين والمسيحيين فقط، وهو أمر يعني استبعاد كل من هو خارج الأديان السماوية الثلاثة، مثل البهائيين والبوذيين وغيرهم.

ويتفق معه محمد عبد السلام، مدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، الذي يرى في حديثه لـ”فكر تاني”، أن الأزمة تمتد إلى انتهاك الحق في التعبير على كل المستويات، سواء مستوى الحقوق السياسية والاجتماعية أو الدينية، وهو ما يظهر في حبس النشطاء وأصحاب الآراء المختلفة في قضايا نشر وتعبير عن الآراء الدينية والسياسية.

موجودة في أذهان واضعيها فقط

محمد عبد السلام
محمد عبد السلام

“هذه الاستراتيجية موجودة فقط في رؤوس من وضعوها ورؤوس المثقفين والحكومة، أما الغوغاء الذين يهاجمون الكنائس فلا يعلمون عنها شيئًا، والدليل على ذلك عدد من الأزمات مثل أزمة كنيسة الأمير تادرس في جاردينيا على طريق السويس، التي تسببت في غضب قطاع كبير من الأقباط، بالإضافة إلى أحداث قرية الفواخر والكوم الأحمر بمحافظة المنيا وغيرها الكثير”؛ تقول حنان فكري، عضوة مجلس نقابة الصحفيين الأسبق لـ”فكر تاني”.

ويؤيدها “عبد السلام” الذي يشير إلى خلو الاستراتيجية من أي تحديثات وعدم صدور أي تقارير بشأن ما تم تنفيذه من محاورها وبنودها، رغم مرور 3 أعوام على إطلاقها.

وينتقد المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الفكر والتعبير عدم اكتراث الجهات المسؤولة في الدولة بسماع آراء منظمات المجتمع المدني المستقلة بشأن الاستراتيجية وأساليب تفعيلها، لدرجة أنه بعد مرور ثلاث سنوات، لم يعد هناك حديث عن الاستراتيجية ومسألة تفعيلها وبالتالي غابت النتائج.

استراتيجية “حبوا بعض”

في أبريل 2022، انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التقرير الصادر عن اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، والذي تضمن استعراضًا لأنشطة المؤسسات الرسمية والدينية خلال الفترة من يناير 2021 إلى يناير 2022، حيث أكدت أن التقرير الحكومي وإن تضمن عددًا من النقاط الإيجابية التي تسرد أنشطة ومهام بعض الجهات الرسمية والدينية في مصر في ملف مواجهة الفكر المتطرف والتمييزي، لكنه في الوقت نفسه لم يتناول الملامح التمييزية الصريحة التي يتم بها مجمل البناء التشريعي والتنفيذي الحاكم لممارسة الحريات الدينية في مصر.

كما جاء في تعليق المبادرة أن الإغفال لإصلاح هذه الملامح أدى بالتقرير إلى الصمت عن جملة من الانتهاكات للحريات الدينية في مصر، خصوصًا فيما يتعلق بحرية التعبير في الشأن الديني، وحقوق الأقليات غير المعترف بها، وملاحقة المدافعين عن الحريات الدينية، علاوة على استمرار معاناة قطاع من المسيحيين في المدن والقرى “القديمة” بسبب تعنت الجهات المسؤولة في منح التراخيص اللازمة لبناء كنائس يمارسون فيها شعائرهم الدينية.

وتتبعًا لتلك الممارسات، نشرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية خريطة للحريات الدينية، التي ترصد الانتهاكات بحق الأقليات الدينية في مصر خلال الأعوام الماضية وكيف تعاملت معها الدولة.

فعالية لبيت العائلة المصرية (وكالات)
فعالية لبيت العائلة المصرية (وكالات)

يقول “إبراهيم”: “لابد أن نعرف ما هي الخطوات التي اتخذت لتنفيذ الاستراتيجية فيما يخص حرية المعتقد حتى نتمكن من التقييم، وهذا ما يعيب الوثيقة والتقرير السابق والوحيد الصادر عن اللجنة العليا عن حرية الدين والمعتقد، بينما لم يعلن إلى الآن عما تم إنجازه فيما يخص تغيير المناهج الدراسية، وتدريب وتطوير مفاهيم المعلمين عن حرية الدين والمعتقد وفقًا للمواثيق الدولية”.

ويضيف: “علينا أن نسأل هل تم تدريبهم حقًا أم ما حدث كان مجرد كلام إنشائي تحت شعار: احترموا بعض واتعاملوا كويس مع بعض.. وحبوا بعض؟”.

ووفق “إبراهيم”، فإن من عيوب الاستراتيجية أنها في تعاملها مع مسألة تحسين العلاقة بين الجميع جاءت متسقة مع تعاليم ومباديء وقيم دين الأغلبية وهو الدين الإسلامي، وليس وفقًا للدستور وحقوق المواطنة، وأن هذا يظهر بشكل جلي في الصياغات الواردة في بنودها، التي اهتمت بتنظيم أنشطة تحسين الوضع وتسكينه لا معالجته.

الفضل للقبضة الأمنية لا للاستراتيجية

وتأكيدًا على غياب تفعيل الاستراتيجية، تقول حنان فكري: “ليس باستطاعتنا الحكم على ما أحدثته من تغيير بانخفاض الهجمات الطائفية في الفترة الأخيرة مثلًا، لأننا ببساطة نشهد إحكام للقبضة الأمنية أشد من ذي قبل، وهذه القبضة فعّالة في تقييد حركة الغوغاء المتسببين في تلك الهجمات”.

حنان فكري
حنان فكري

وتضيف عضوة مجلس نقابة الصحفيين السابقة، أن هناك تناقض صارخ بين المحافظات الرئيسية ومحافظات الصعيد من حيث إحكام القبضة الأمنية في مواجهة أحداث التوتر، وظهر هذا في عدد من الأحداث التي شهدت اعتداءات على منازل أقباط، بالرغم من الإبلاغ في بعض الحالات عن احتمالية وقوع أحداث”.

وتصف “حنان” مسألة التعامل في حالات الاعتداءات على الأقباط، بالقول: “مازلنا أمام غياب للإجراءات القانونية العادلة، حيث جرت العادة على إنهاء الاحتقان في حالات  الاعتداءات الطائفية على الصلح. كيف لنا أن نعتبر حرق منازل الغير وتهجيرهم والاعتداء عليهم، مثلها مثل خلاف عادي بين طرفين؟ أين الاستراتيجية من هذا بعد مرور ثلاث سنوات على إطلاقها؟”.

وترى “حنان” أن هناك ترسانة كاملة من التشريعات التي لا تتوافق مع أهداف الاستراتيجية الوطنية، ومثال على ذلك المادة 98 من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937، والتي تنص على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية”.

وتضيف أن هذه المادة – على سبيل المثال – تفتح بابًا واسعًا للقبض على الكثير من الشباب، وهي ضمن تشريعات أخرى معيبة تُشرعن للتمييز وتقوض حرية المعتقد، تعوق تفعيل الاستراتيجية وتمنع تطبيقها بشكل جاد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة