الضفة الغربية.. مخطط إسرائيلي قديم جددته حرب غزة

يعيد العدوان الذي تشهده الضفة الغربية حاليًا الحديث عن خطط إسرائيل لضم مزيد من الأراضي الفلسطينية. وهي تستغل في تحقيق هذا الموقف العالمي المتراخي رسميًا من الحكومات الغربية والعربية تجاه الحرب الشرسة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وقد تم توسيعها أخيرًا بفتح جبهة جديدة على الضفة، وبحجة اجتثاث بؤر مقاومة، تقول تل أبيب إنها تتلقى تمويلًا وتسليحًا من إيران.

في 28 أغسطس الماضي، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن التعامل مع التهديدات الأمنية في الضفة يجب أن يتم بنفس الحزم الذي اتبع في غزة. وأكد في تغريدة عبر حسابه بموقع "إكس"، أن الجيش الإسرائيلي في عمليته العسكرية المكثفة على مخيمي جنين وطولكرم، إنما يستهدف ما يسميها "البنى التحتية الإرهابية الإسلامية الإيرانية" التي نشأت هناك، والتي تشبه على حد قوله ما حدث في غزة ولبنان، حيث تضخ إيران التمويل والسلاح المهرب عبر الأردن.

وقد جاءت تصريحات كاتس تلك متسقة مع ما أعلنه جيش الاحتلال من أن الهدف الرئيسي من عملية "مخيمات الصيف" هو اقتلاع جذور المقاومة الفلسطينية من المخيمات، عبر تنفيذ حملات اعتقال ومداهمات واسعة، بالإضافة إلى استمرار تكتيك اغتيال قادة الكتائب، مثل قائد كتيبة طولكرم في سرايا القدس، محمد جابر "أبو شجاع"، الذي استشهد بعد اشتباكات في مخيم نور شمس.

جنود الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية (وكالات)
جنود الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية (وكالات)

ضم الضفة الغربية.. المخطط القديم

لم تدخل الضفة الغربية المخطط الإسرائيلي للسيطرة على الأراضي الفلسطينية فجأة، أو كرد فعل على مخاوف من اندلاع انتضافة جديدة، تتجاوب مع استمرار القتل الممنهج والإبادة الجماعية في غزة. وإنما هي موجودة دومًا في عقيدة الضم الاستيطاني التي تتبعها حكومات الاحتلال المختلفة.

في عام 2020، دعا 46 خبيرًا من الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى التصدي لخطط إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، لكن هذا النداء لم يلقَ استجابة في حينه.

وفي فبراير 2023، منحت الحكومة الإسرائيلية سلطات واسعة في الضفة الغربية للوزير بتسلئيل سموتريتش، ليصبح الحاكم الفعلي للمنطقة المحتلة، حيث اعتبر الخبراء أن هذه الخطوة تعزز مساعي إسرائيل لضم الأراضي المحتلة، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي.

أوضح الخبراء -وقتها- أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة يشكل جريمة عدوانية تندرج تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتهديدًا للسلم والأمن الدوليين.

خلال عقود، واصلت إسرائيل مصادرة الأراضي الفلسطينية، وبنت أكثر من 270 مستوطنة تضم 750 ألف مستوطن، يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية في الأراضي المحتلة، بينما يخضع الفلسطينيون للحكم العسكري، الذي وصفه الخبراء بأنه يؤدي بشكل حتمي إلى ترسيخ الفصل العنصري.

وأشار الخبراء إلى أن الغالبية العظمى من الدول أدانت غزو روسيا لأوكرانيا وضم أراضيها، بينما يُتعامل مع ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية بمعايير مزدوجة، مما يقوض القانون الدولي وحقوق الإنسان، وطالبوا المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لوقف هذه الانتهاكات وضمان احترام القانون الدولي لتحقيق سلام عادل ودائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ضم الضفة الغربية.. استغلال حرب غزة

ومع اندلاع حرب غزة، كثفت إسرائيل من عمليات الاعتقال والمداهمة وأخيرًا القصف والعدوان الشامل على الضفة. وفي مؤتمر صحفي أوائل سبتمبر الجاري، أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جدلًا واسعًا بظهوره يشرح أهمية السيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، الشريط الحدودي بين مصر وغزة الذي تسيطر عليه قواته حاليًا،  مستخدمًا خريطة تشير إلى الضفة الغربية باعتبارها جزءًا من إسرائيل.

اقرأ أيضًا: تريد محور صلاح الدين.. إسرائيل تعرقل مفاوضات غزة مجددًا

هذا التطور الخطير، والذي يثبت النوايا الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية المتبقية، تفاعلت معه وزارة خارجية السلطة الفلسطينية ببيان اعتبر خريطة نتنياهو التي تضم الضفة "استخفاف بالشرعية الدولية"، يستوجب "أن ينظر إليه بخطورة بالغة بما يمثله من انتهاك صارخ للقانون الدولي"، خاصة وأن الاحتلال يمارس أبشع أشكال الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، في تجسيد عملي لمحاولة نفي الوجود الفلسطيني وحقوقه الوطنية العادلة والمشروعة على طريق تهجيره من أرض وطنه، كما جاء بالبيان الفلسطيني.

وقد وصف بيان الخارجية الفلسطينية ما عرضه نتنياهو بأنه "سياسة استعمارية عنصرية توسعية يمارسها الاحتلال على الأرض على سمع وبصر العالم، بما يحتم على المجتمع الدولي احترام التزاماته وتنفيذ الرأي الاستشاري الذي صدر عن محكمة العدل الدولية فورًا وقبل فوات الأوان".

أما حركة حماس التي تواجه الاحتلال في غزة، فاعتبرت خريطة نتنياهو "محاولة لتنفيذ مخططات حكومة المتطرفين بضمّ أراضي فلسطينية جديدة"، معتبرة أن ما يحدث نتيجة طبيعية للصمت الدولي والدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي.

آلية إسرائيلية تُجرف في الضفة الغربية (وكالات)
آلية إسرائيلية تُجرف في الضفة الغربية (وكالات)

الضفة الغربية.. هذا ما ينتظرها مع ترامب

منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة، تقدم الولايات المتحدة -التي يحكم بيتها الأبيض الديمقراطية الأقل حدة من الجمهوريين تجاه فلسطين- أقصى أشكال الدعم الدبلوماسي والعسكري الذي يؤثر على القرار الدولي العالمي تجاه المجاعة والإبادة وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو دعم جلب لواشنطن نفسها ردود فعل غاضبة وصلت حد اندلاع المظاهرات الأمريكية التي قادها طلاب الجامعات وتفاعل معها الشعب الأمريكي بشكل واسع ضد السياسة الأمريكية الخارجية مزدوجة المعايير في التعاطي مع حقوق الفلسطينيين.

ومع ذلك، فإن ما ينتظر القضية الفلسطينية ربما يكون أسوأ في المرحلة المقبلة - على المستوى الأمريكي - إذا ما وصل الرئيس السابق المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل دونالد ترامب.

اقرأ أيضًا: رغم آلاف الضحايا.. كيف هزمت غزة إسرائيل؟

فبينما التزم الرئيس السابق الصمت إلى حد كبير بشأن ما قد يفعله في فترة ولاية ثانية محتملة فيما يتعلق بالقضايا التي تتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، قدم مستشاره المقرب رؤية لما قد يحدث في حال تولي ترامب تجاه فلسطين، داعيًا الولايات المتحدة إلى تمويل خطة إسرائيلية كانت قد وضعت على الرف سابقًا لضم الضفة الغربية المحتلة، وفق ما تنقله صحيفة The Forward اليهودية.

ففي كتاب جديد بعنوان "دولة يهودية واحدة: الأمل الأخير والأفضل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، صدر الثلاثاء الماضي، كتب السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، إن إسرائيل بحاجة إلى مساعدة مالية كبيرة "لتأكيد سيادتها على (الضفة الغربية) يهودا والسامرة والحفاظ عليها"، وإن الإدارة الجمهورية المقبلة والكونجرس يمكنهما إعادة توجيه 1 مليار دولار من المساعدات الحالية للفلسطينيين، بما في ذلك الأموال المخصصة لقوات الأمن الفلسطينية، لتمويل خطة الضم، التي يدعي أنها ستساعد في تحسين حياة الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية.

الضفة التي يريدونها بورتوريكو جديدة

ويخصص "فريدمان"، المقرب من ترامب، في كتابه فصلًا كاملًا لمقارنة مصير الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيادة الإسرائيلية بمواطني بورتوريكو، التي تم تصنيفها كأرض أمريكية. ويقول: "الفلسطينيون، مثل البورتوريكيين، ولكن لن يصوتوا في الانتخابات الوطنية.. سيكون الفلسطينيون أحرارًا في سن وثائق الحكم الخاصة بهم طالما أنها لا تتعارض مع وثائق إسرائيل". ففي حين يعتبر البورتوريكيون مواطنين أمريكيين ولهم الحق في التصويت إذا انتقلوا إلى ولاية أخرى، لا يدعو فريدمان إلى تطبيق ذلك على الفلسطينيين في الضفة الغربية.

كانت خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط لعام 2020 تشمل اعترافًا أمريكيًا محتملًا ببعض المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. لكن تم تأجيل مثل هذه التحركات لأن الإدارة أعطت الأولوية لاتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وثلاث دول عربية أخرى.

يقول "فريدمان"، الذي شغل منصب مستشار حملة ترامب في عام 2016 ولا يزال على اتصال وثيق بالرئيس السابق، للصحيفة اليهودية إنه لم يناقش بعد خطته للضم مع ترامب. لكنه، يخطط لمشاركتها معه في الوقت المناسب، على حد قوله.

ويشير الجمهوريون - الذين يدافعون عن ترامب - للناخبين اليهود إلى سجله في الشرق الأوسط كرئيس؛ نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعترف بسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وانسحب من الصفقة النووية الإيرانية، وتوسط في اتفاقيات إبراهيم.

بالنسبة لفريدمان وحلفاء ترامب، فإن مشروع الضم - الذي تعارضه إدارة بايدن-هاريس والعديد من الأمريكيين اليهود - هو عمل غير مكتمل منذ ولاية ترامب الأولى. بينما "الفرصة الآن كبيرة لتوسيع اتفاقيات إبراهيم حول مفهوم" دولة يهودية واحدة، كما كتب فريدمان.

وتشير ميريام أديلسون، أرملة المتبرع الضخم للحزب الجمهوري شيلدون أديلسون والداعمة الرئيسية لترامب، إلى أن دعم ضم إسرائيل على قائمة مطالبها الرئيسية من رئاسة ترامب الثانية.

في المناظرة الرئاسية الأولى في يونيو، رفض ترامب القول ما إذا كان يفضل إقامة دولة فلسطينية مستقلة كخطة لما بعد حرب غزة. وقال: "يجب أن أرى".

"لقد قال الرئيس ترامب في كثير من الأحيان إنه غير مبال بدولة واحدة أو دولتين – مهما كان ما قد يتفق عليه الطرفان"؛ كتب فريدمان في الكتاب. وأضاف: "كانت أهدافه دائمًا عملية وموجهة نحو تحسينات ملموسة في نوعية الحياة. أعتقد أنه إذا دعمت إسرائيل هذه الخطة، فستفعل ذلك أيضًا".

الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وكالات)
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وكالات)

مشروع 2025 المثير للجدل

تقول الصحيفة اليهودية إن خطة فريدمان للضم تعكس مخطط مشروع 2025 المثير للجدل من قبل مجموعة متحالفة مع ترامب لإصلاح الحكومة الفيدرالية، وتبني المُثل القومية المسيحية.

اقرأ أيضًا: على الديمقراطية والأمن الآسيوي والعالمي.. أي خطر قادم مع ترامب؟

وكانت الوثيقة، التي كتبت بمساعدة مسؤولين سابقين في إدارة ترامب، تدافع عن اتفاقيات إبراهيم والمزيد من الدعم المالي لإسرائيل. ولكن، ردًا على رد الفعل العنيف والهجمات من حملة هاريس، نأى ترامب بنفسه عن هذه المجموعة.

ويستند دعم الولايات المتحدة للضم "أولًا وقبل كل شيء إلى نبوءات وقيم الكتاب المقدس"، كما كتب فريدمان. ومع ذلك، يتعارض دفع فريدمان لخفض المساعدات الفلسطينية مع جهود ترامب لكسب أصوات العرب الأمريكيين في ميشيجان. ولذا، لم ترد حملة ترامب على الفور على طلب للتعليق أرسلته الصحيفة اليهودية.

إسرائيل لا تكف عن إحراج حليفتها العظمى

منذ اندلاع العدوان على الأراضي الفلسطينية، لم تكف إسرائيل عن إحراج حليفتها العظمى (الولايات المتحدة)؛ تارة بغارات دموية تستهدف الأطفال، وتارة بقصف يقتل صحفيين، وأخيرًا بقتل المتضامنة الأمريكية من أصول تركية، أيسينور إزجي إيجي، برصاص قوات الاحتلال أثناء احتجاجها ضد عمليات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة.

أصيبت أيسينور إزجي إيجي (26 عامًا) برصاصة في الرأس سددها أحد جنود الاحتلال التي كانت تتعامل مع مظاهرة سلمية بالقرب من مدينة نابلس يوم الجمعة. وقد ألقت عائلتها باللوم على إسرائيل في مقتلها، ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل، قائلة - في بيان - إن التحقيق الذي تقوده إسرائيل لن يكون كافيًا.

وقد قال محافظ نابلس غسان دغلس، لشبكة CNN يوم أمس السبت، إن تشريح الجثة الذي أجري في جامعة النجاح في نابلس "أكد أن إيجي قتلت برصاصة قناص الاحتلال الإسرائيلي في رأسها". بينما اعترف جيش الاحتلال، في وقت سابق، بإطلاق النار على المتظاهرين، وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي إن الولايات المتحدة اتصلت بمسؤولين إسرائيليين "لطلب التحقيق في الحادث".

ودعت أسرة الناشطة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته المرشحة حاليًا لانتخابات الرئاسة الأمريكية إلى "إصدار أمر بإجراء تحقيق مستقل في القتل غير القانوني لمواطن أمريكي وضمان المساءلة الكاملة للأطراف المذنبة". وأضاف بيان الأسرة: "قتلت ابنتنا برصاصة يظهر الفيديو أنها جاءت من مطلق نار عسكري إسرائيلي".

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة تعمل على "جمع حقائق" في مقتل إيجي وقدم تعازيه لعائلتها - لكنه لم يشر إلى أي تغييرات فورية في السياسة المتعلقة بوفاتها. ذلك فيما علقت "سي إن إن"، بأن حتى الاعتراف الإسرائيلي بمسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل الناشطة الأمريكية لم يغير في الأمر شيئًا، وأنه سيمر كما مر مقتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، خاصة في رد الفعل الأمريكي الذي سيواصل الدعم لإسرائيل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة