"واحد من بين كل أربعة أشخاص مصاب بمرض نفسي"؛ وفق دارسة حديثة صادرة عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي أكدت أن 25% من المصريين مصابون بمرض نفسي.
أرجعت الدراسة التي أعدها الباحث في الشأن العمالي حسن البربري، تفسير أرقامها إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي كعاملين بارزين لإصابة نسب كبيرة من المصريين بالاضطرابات النفسية، وهي أكثر انتشارًا في فئة العمال.
مجموعة ضغوط نفسية
وأوضحت الدراسة التي جاءت تحت عنوان "الصحة النفسية والعقلية للعامل: الحق المهدر من معايير الصحة والسلامة المهنية" أن العامل يتعرض لمجموعة من الضغوط النفسية التي يمكن أن تتحول إلى اضطرابات نفسية خطيرة تؤثر على صحته النفسية، وبالتالي تؤثر على بيئة العمل، خصوصًا في ظل إهمال الرعاية النفسية للعامل. تكمن أهمية الصحة النفسية في بيئة العمل في ارتباطها الوثيق مع الصحة الجسدية؛ فلا توجد صحة جسدية بدون صحة نفسية.
ووفقًا لما جاء بالدراسة، فإن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن 60% من سكان العالم عمال، وأن واحدًا من كل ثمانية أشخاص تقريبًا في العالم يعاني من اضطرابات نفسية، وأن 15% من البالغين في سن العمل يعانون من اضطراب عقلي.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 12 مليار يوم عمل تُهدر سنويًا على مستوى العالم بسبب الاكتئاب والقلق، ما يكلف الاقتصاد تريليون دولار أمريكي سنويًا من الإنتاجية المهدرة.
وفي مصر، أجرت وزارة الصحة والسكان مسحًا قوميًّا للصحة النفسية عام 2017، خلص إلى أن واحدًا من كل أربعة أشخاص مصاب بمرض نفسي، أي أن 25% من المصريين مصابون بأمراض نفسية. وأوضح التقرير أن "الوضع الاجتماعي والاقتصادي هو أحد عوامل الخطر لحدوث الاضطرابات النفسية، وهي أكثر انتشارًا وظهورًا في فئة العمال".
المرأة الأكثر تعرضًا للأمراض النفسية
أكدت الدراسة أن المرأة العاملة تتعرض لعبء بدني ونفسي مزدوج، فهي ملتزمة بالموازنة بين العمل والالتزامات الأسرية، كما هو شائع في المجتمع المصري. فهي تقع بين شقي رحى ضغوط العمل بما يحمله من آثار على صحتها الجسدية والنفسية، وضغوط العمل الأسري ورعاية الأطفال أو الأقارب.
أشارت الدراسة إلى دراسة أخرى أجراها مركز التنمية العالمية تؤكد أن العبء النفسي المزدوج للعمل المأجور وغير المأجور يعرض بعض النساء لخطر متزايد نتيجة ما يؤدي إلى تدهور في الصحة العقلية دون الوصول إلى شفاء.
وتوضح الدراسة أن النساء العاملات مسؤولات بجانب عملهن عن الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، ما يفرض عليهن عبئًا نفسيًا كبيرًا، وفي المقابل، يكون حصولهن على الرعاية الصحية محدودًا.
ولفتت الدراسة إلى أن العنف النفسي الذي تتعرض له المرأة العاملة نتيجة العبء النفسي المزدوج، سواء كان من بيئة العمل (الإداريين والزملاء في العمل) أو من الزوج والأسرة، أدى إلى ارتفاع في مستويات الاكتئاب والقلق ومرض اضطراب ما بعد الصدمة.
واعتبرت الدراسة أن القلق والشعور بالذنب والتأرجح الانفعالي والعدواني من الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تصيب العامل في بيئة العمل، بالإضافة إلى الصراعات النفسية والانفعالية مثل الإحباط والشعور بالنقص، وتزيد تلك الاضطرابات بزيادة ضغوط العمل عن الحد الذي لا يستطيع فيه العامل التكيف والتعامل مع تلك الزيادة في الضغوط.
وتطرقت الدراسة إلى تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر بعنوان "حصة منصفة من الصحة والرعاية" والذي صدر في عام 2024، والذي يشير إلى أن النساء يشكلن نسبة 67٪ من القوى العاملة العالمية المدفوعة الأجر في مجالي الصحة والرعاية.
ويخلص التقرير إلى أنه إضافة إلى هذا العمل المدفوع الأجر، تشير التقديرات إلى أن النساء يؤدين نسبة تقدّر بنحو 76٪ من أنشطة الرعاية غير المدفوعة الأجر إجمالاً، وتتقاضى المرأة عن الأعمال التي تؤديها أساسًا أجورًا أقل وتعمل في ظل ظروف عمل سيئة، مما يعرضها لمزيد من الإجهاد النفسي.
الإنفاق الحكومي على الصحة النفسية في مصر
وأظهرت الدراسة أن بيانات منظمة الصحة العالمية تشير إلى تراجع إجمالي الإنفاق الجاري على الصحة في مصر من مختلف المصادر من 17 مليار دولار عام 2015 إلى نحو 15 مليار دولار عام 2019، مما أدى إلى تراجع نصيب الفرد من الإنفاق الجاري على الصحة من نحو 183 دولارًا عام 2015 إلى 150 دولارًا عام 2019.