“الخطير” في تصريحات مدبولي عن التضخم

أثارت مستهدفات الحكومة، بخفض نسبة التضخم لأقل من 20% بنهاية عام 2024 و10% بنهاية عام 2025، تساؤلات حول مدى اتساقها ومعدلات التضخم الحالية، فضلًا عن مساعي الحكومة للتخلص من دعم الكهرباء، ورفع أسعار الوقود، والذي ينعكس على تكاليف النقل والإنتاج والأسعار.

بلغ معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية 25.7% في يوليو، مقابل 27.5% في يونيو مسجلًا تباطؤ للشهر الخامس على التوالي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتخالف مستهدفات رئيس مجلس الوزراء توقعات مؤسسات مالية عالمية، مثل بنك الاستثمار الأمريكي “جولدمان ساكس” الذي توقع انخفاض معدل التضخم بمصر إلى نحو 22% على أساس سنوي بحلول نهاية العام الجاري.

(المصور: إسلام صفوت / بلومبرج)
(المصور: إسلام صفوت / بلومبرج)

وقد رجحت “بي. إم. آي”، وهي شركة أبحاث تابعة لـ”فيتش سولويشنز”، أن يبلغ معدل التضخم بمصر قرابة 30% في 2024 ونحو 18% في 2025 مع ارتفاعات محتملة إلى 32% و20% على الترتيب، إذا ارتفعت أسعار الكهرباء.

ورفعت “الحكومة” أسعار شرائح الكهرباء بنسب تراوح بين 17 و50%، لتزيد سعر الشريحة الأولى (0 ـ 50 كيلو وات) بنسبة 17%، والثانية (51 ـ 100 كيلو وات) بنسبة 15%، والثالثة (100 ــ 200 كيلو وات) بنسبة 14%، والرابعة (201 ــ 350 كيلو وات) بنسبة 24%، والخامسة (350ـ 650 كيلو وات) بنسبة 39%، والسادسة (650 ــ 1000 كيلو وات) بزيادة 50%، والسابعة (أكثر من 1000 كيلو وات) بنسبة 35%.

اقرأ أيضًا: التضخم يدخل “الدائرة الجهنمية”.. خبراء يحذرون من “السقوط الحر”

تصريحات “مدبولي” عن التضخم “خطيرة”

عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق (وكالات)
عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق (وكالات)

تقول عالية المهدي، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة، إن إعلان رئيس الوزراء استمرار زيادات أسعار الكهرباء حتي نهاية 2025 يعني توقعات بزيادات في مستويات التضخم، على الأقل حتى نهاية العام المقبل، متوقعة أن ينعكس ارتفاع التضخم الفترة المقبلة على الأسواق.

وتنظر عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة إلى تصريحات رئيس الحكومة باعتبارها “خطرة” تؤجج نار التضخم وتوقعاته؛ فالتجار والصناع ومقدمي الخدمات سيخططون لها وسيرفعون الأسعار مقدمًا.

انخفاض التضخم حسابي وليس واقعي

ويفسر رئيس شركة الأوائل للأوراق المالية، وائل عنبة، التضخم في مصر بأنه يتأثر بعدة عوامل في مقدمتها سعر صرف الدولار أمام الجنيه، إلى جانب القرارات الحكومية بتخفيض الدعم، وزيادة أسعار بعض السلع مع طباعة النقود، مضيفًا أن انخفاضه هو انخفاض حسابي وليس واقعي.

خلال العام الحالي، تم تحريك سعر البنزين بأنواعه والسولار مرتين، آخرها زيادة سعر لتر بنزين 80 من 11 جنيهًا إلى 12.25 جنيه، بزيادة 1.25 جنيه. كما تقرر رفع سعر لتر بنزين 92 من 12.50 جنيه إلى 13.75 جنيه، بزيادة 1.25 جنيه.

وائل عنبة رئيس شركة الأوائل للأوراق المالية (وكالات)
وائل عنبة رئيس شركة الأوائل للأوراق المالية (وكالات)

كما رفعت وزارة النقل، أخيرًا، أسعار تذاكر مترو الأنفاق بقيم تتراوح بين 2 و5 جنيهات على حسب طول الرحلة، وكذلك تذاكر قطارات السكك الحديدية، لتزيد درجات الإسباني والفرنساوي بنسبة 12.5%، وقطارات الضواحي وتحيا مصر “درجات عادية” بنسبة زيادة 25% والتقريب لأقرب خمس جنيهات.

وارتفع المعروض النقدي M1 إلى 2.701 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2024 مقابل 2.57 تريليون جنيه بنهاية مايو الماضي، كما ارتفعت أشباه النقود إلى 7.92 تريليون جنيه مقابل 7.78 تريليون جنيه والسيولة المحلية M2 إلى 10.62 تريليون جنيه مقابل 10.35 تريليون جنيه في الفترة المقارنة ذاتها، بحسب تقرير حديث صادر عن البنك المركزي.

ويشير تسارع نمو المعروض النقدي إلى تحديات في الاقتصاد المصري وتعرض المالية العامة للدولة لضغوط بسبب عجز مستمر في العملة الأجنبية والديون المتزايدة، فتضطر للاقتراض بفائدة مترفعة من البنوك.

تخفيض سعر الفائدة “ضرورة”

ويقول “عنبة” إن تخفيض سعر الفائدة أصبح أمرًا واجبًا بعدما تحولت الفائدة الحقيقية (الفرق بين الفائدة البنكية والتضخم) في مصر للنطاق الموجب لأول مرة منذ نحو 3 سنوات، مضيفًا أن سعر الصرف المرن يقتضي أن يتحرك الدولار صعودًا وهبوطًا طبقًا للأحداث.

اقرأ أيضًا: التضخم وقياسه.. وكيف يمكن مواجهته؟

عبد الفتاح الجبالي عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (وكالات)
عبد الفتاح الجبالي عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (وكالات)

وتوقعت إدارة البحوث الاقتصادية في بنك الكويت الوطني حدوث خفض لسعر الجنيه المصري مقابل الدولار بين 5 إلى 8% خلال العام المقبل مقارنة بالعام الحالي، مضيفةً أن الاقتصاد المصري دائمًا سيحتاج إلى سعر جنيه منخفض على مدى السنين القادمة، وأنه من الأفضل اتباع الدولة المصرية والبنك المركزي سياسة خفض بنسبة بسيطة سنويًا لتجنب الانخفاضات الكبيرة والتي كانت تحدث كل 5 أو 6 سنوات، بينما تحدث في فترات قصيرة حاليًا.

ويقول عبد الفتاح الجبالي، عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن علاج التضخم والحد من ارتفاع الأسعار يتطلب اتخاذ حزمة متكاملة من الإجراءات والسياسات تعمل علي رفع الطاقة الاستثمارية ومعدلات استخدام الطاقة العاطلة، وإصلاح الهياكل التنظيمية والمؤسسية للاقتصاد المصري، ذلك لأن سياسات إدارة الطلب هي بطبيعتها سياسات قصيرة الآجل، ويكون نجاحها على حساب مستويات التشغيل والإنتاج.

تقليل الطلب.. هل يكفي لاستهداف التضخم؟

يركز البنك المركزي جهوده على تقليل الطلب عبر إبقاء الفائدة مرتفعة، وأبقت لجنة السياسة النقديـة في اجتماعهـا الأخير على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.2 % و27.75% على الترتيب. كما قررت الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%”.

وحدّد “المركزى” مستهدف للتضخم عند 7% (زائد أو ناقص 2) لكنه لم يحقق هذا المستهدف إلا خلال فترة التباطؤ الاقتصادي التي نشأت عن جائحة كورونا بين يونيو 2020 ويونيو 2021، بما يعنى أن السياسة النقدية لم تكن صاحبة أي فضل في تحقيق ذلك المستهدف، بدليل أن السيولة المحلية قد ارتفعت خلال العامين المذكورين بمتوسط سنوي اقترب من 18%.

ويقول “الجبالي” إن الهدف النهائي من العملية الإنتاجية هو رفع معدل النمو، لكي ينعكس على مستويات معيشة ورفاهية الأفراد، ما يتطلب إصلاح نظام السوق والحد من الاحتكارات وتشجيع المنافسة، فالتضخم وارتفاع الاسعار هما العدو الرئيسي لأصحاب الدخول الثابتة من مكتسبي الأجور وأصحاب المعاشات لأنه يخفض القوى الشرائية لهم ما يزيد من الشعور بعدم التحسن في مستوى المعيشة.

مخبز للعيش الحر في مصر (الصورة - جيتي)
مخبز للعيش الحر في مصر (الصورة – جيتي)

وقد رصدت آخر بحوث الدخل والإنفاق الرسمية في أكتوبر 2022 انخفاض نسبة الفقر في مصر إلى 29.7% عن السنة المالية 2019-2020، لكن الشكاوى تتزايد من عدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية بعد تخفيض الجنيه أكثر من مرة أمام الدولار في ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي.

ويضيف “الجبالي” إن التضخم يؤثر سلبيًا على السياستين النقدية والمالية ويحد من الكفاءة الاقتصادية حيث يؤدى الى سوء تخصيص الموارد مما يضر بالاقتصاد القومي ككل، فزيادة أسعار الفائدة يقوض سياسات التعافي الحالية ويؤدى الى ارتفاع مستويات الدين العام، مما ينذر بمخاطر الانهاء المبكر للسياسات الاجتماعية الحمائية وارتفاع معدلات البطالة.

رفع الأجور = زيادة التضخم

وقال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، خلال اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي الأخير، إن هناك إمكانية لزيادة الأجور والمرتبات في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وارتفاع الأسعار، لتحسين مستوى معيشة المواطنين ومساعدتهم على التكيف مع التحديات الاقتصادية.

ومن شأن رفع المرتبات أن يزيد الطلب على السلع، فيرفع التضخم أو تزيد أسعار السلع، فيضطر البنك المركزي لرفع الفائدة، الأمر الذي ينعكس على قدرة القطاع الخاص على الاقتراض والتوظيف، فندور في دائرة مفرغة من التضخم.

ويشير “الجبالي” إلى أن موجة التضخم الحالية تحولت من تضخم ذي علاقة بالأجل القصير إلى طبيعة طويلة الأجل، مضيفًا أن تراجع معدل التضخم لا يعنى بالضرورة انخفاض الأسعار، لكنه يشير ببساطة إلى أن الزيادة في الأسعار تم احتواؤها أو على الأقل لم تزد إلا بمعدلات أقل من المعدلات السابقة، وبعبارة أخرى فقد ترتفع الأسعار بنسب معينة وفى الوقت نفسه ينخفض معدل التضخم.

ويضرب “الجبالي” مثلًا بسلعة بقيمة 100 جنيه ترتفع بالشهر التالي إلى 110 جنيهات وفي الشهر الذي يليه إلى 115 جنيهًا، ما يشير إلى أن معدل التغير بالأسعار على أساس شهري يميل للانخفاض بينما الأسعار في ارتفاع، أي أن المؤشر يقيس الاتجاه العام للأسعار، وبالتالي يضع أمام صانع القرار الصورة كاملة للتحرك.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة