قصة الفتاة المصرية مريم عادل، قدمت لنا نموذج واضح وصارخ للتمييز بسبب الإعاقة، ناضلت مريم وواجهت كل الحواجز التي تعيق ذوي الإعاقة البصرية في التعليم حتي حصلت علي كل المؤهلات والمهارات التي تمكنها من شغل وظيفة أحلامها.
كانت ومازالت مريم تحلم بالعمل كدبلوماسية مصرية، وكي تضمن الحصول علي الوظيفة لم تكتف بالشهادة الجامعية المناسبة والتحقت بدورات تدريبية لتزيد خبرتها وتثقل مهاراتها كما تعلمت لغتين، لكن وزارة الخارجية لم تقبل تعيينها رغم خوضها اختبارات الوظيفة بنجاح والسبب بالطبع أنها من ذوي الإعاقة البصرية.
ما حدث مع مريم هو بالتحديد ” التمييز بسبب الإعاقة ” الذي حظره الدستور.
فالتميز كاتجاه اجتماعي هو نقيض لمبدأ تكافؤ الفرص أي نقيض للعدل في الاختيار. التمييز في جوهره ظلم شخص لأنه مختلف عن غيره، وهو موجع نفسيًا ومؤلم لدرجة لا يدركها سوى من تعرض له، وكثيرا ما دمر التمييز مواهب رائعة وألقى بأصحابها في غياهب الاكتئاب، وخطورة التمييز كجريمة اجتماعية أنه يبدو في أحيان كثيرة أمرا طبيعيا ومقبولا، وينطبق ذلك بشكل خاص علي التمييز بسبب الإعاقة.
اقرأ أيضًا:أهل الكهف.. “أسلمة” الشخصية المسيحية في السينما المصرية
يرتبط التمييز بسبب الإعاقة بالرؤية السائدة للإعاقة، والرؤية السائدة في مصر هي الرؤية الطبية أي “العجز”، فالشخص ذو الإعاقة هو شخص عاجز بالضرورة، وبالتالي يصبح التمييز مقبولًا اجتماعيًا، فالشخص العاجز غير قادر علي القيام بمهام شخص طبيعي.
ورغم تراجع تلك الرؤية لصالح الرؤية الاجتماعية التي ترى الإعاقة كاختلاف طبيعي بين البشر، وتربط بين الإصابة الجسدية والحواجز البيئية والمجتمعية إلا أن الطريق أمام الرؤية الحقوقية لتسود مجتمعيا مازال طويل جدا خاصة في مصر حتي علي المستوى الرسمي.
فالدولة التي اعترفت رسميًا بالرؤية الاجتماعية والحقوقية للإعاقة، وصدقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وضمنت دستور 2014. مواد خاصة بحقوقهم وأصدرت قانون ينظم مجال الإعاقة ويقر بالمساواة والحقوق الخاصة، هي نفسها التي تنشر رؤية العجز عبر إعلامها الرجعي، والدليل الواضح هو قصة مريم عادل التي تعرضت للتمييز من وزارة يفترض أن يكون مسؤوليها أكثر وعيًا ومعرفة بحقوق الإنسان وحقوق ذوي الإعاقة.
إن مواجهة الاتجاهات السلبية السائدة ضد الأشخاص ذوي الإعاقة لن تتقدم بالقانون رغم أهميته، والتمييز بسبب الإعاقة سيظل موجود رغم نصوص الدستور التي تقر بالمساواة. يجب على المسؤولين أن يروا التمييز كجريمة ويجب معاقبة مرتكبها وجبر الضرر الذي وقع علي الضحية، أليس دور الدولة الأساسي هو الحرص علي تطبيق القانون علي الجميع؟ فلماذا لم يحقق أحد في قضية مريم عادل؟ أليست الدولة مسؤولة عن تمكين ذوي الإعاقة؟ فلماذا لم تمكن مريم من الوصول لحقها؟
تذكرنا قصة مريم التي أتمنى أن ينتبه مسؤول ما لخطورتها، بقضية الشاب عبد الحميد شتا الذي انتحر عام 2002. بسبب رفض تعينه في وزارة الخارجية لأنه غير لائق اجتماعيا، فقد الشاب النابه حياته ولم يحقق أحد أو يحاسب أحد، فهل ننتظر كارثة جديدة بسبب التمييز؟