كيف تناولتهن الدراما؟

لطالما تناول النقاد مقولة أن صورة واحدة قد تعبر عن ألف كلمة! فمنذ آلاف السنين فجرت الحضارتان المصرية القديمة واليونانية الفنون التي عبرت عن مقومات الحياة في تلك العصور.

لم يُخلق المسرح والسينما والتلفزيون للتعبير الفني عن الأحداث الحقيقية أو الخيالية فحسب، بل كانت تلك الفنون جميعها وسيلة لإيصال الرسائل، وتغيير الواقع، والارتقاء أو الانحدار بالنفس الإنسانية التي تكون في النهاية الصورة الكلية لمجتمعاتها.

يقول أفلاطون إن الأحوال التي تثيرها الفنون في نفس الإنسان تتغلغل تدريجًا في داخله حتى تصبح طبيعة ثابتة، ويعترف أفلاطون في هذا الرأي بأن الفنون لها تأثير عظيم على الإنسان وعلى نشأته، إذا اعتبر الفن في فلسفته سلاحًا أخلاقيًا من الطراز الأول.

على خلاف نظرة أفلاطون للفن باعتباره رسالة محاكاة أخلاقية، وجد كثير من الفلاسفة المعاصرين أنه مهما بدا لنا أن العمل الفني يحمل معاني أخلاقية أو دينية أو عقلية، فإنه يكون شيئًا عارضًا فحسب، إذ أن الفنان خالق هذا العمل لم يكن يقصد شيئًا من ذلك، ولم يكن ليأبه بالنتائج أو التأويلات التي انبثقت عن فنه هذا، وإنما قصد الفنان التعبير عن نفسه فحسب، حيث يكون الفن للفن.

اقرأ أيضًا:شجرة الحياة

هكذا أصبحنا من زمن أفلاطون وحتى زمن الفلاسفة المعاصرين نقع في جدال السؤال المستمر: هل يحمل الفن رسالة؟ وهل للفن قدرة على تغيير المجتمعات؟

في رأيي، لو لم تكن للفن رسالة، لو لم يحمل العمل الفني أثرًا وفكرة في وجدان الناس، لم يكن ليحفل به.

في الدراما المصرية، حمل العديد من الفنانين مشروعهم الخاص الذي عبر من خلال أفلامهم ومسرحياتهم وأعمالهم الدرامية عن رسالة أخلاقية أو جدلية ما. وكانت هذه الرسائل نبضًا للتغيرات الاجتماعية والسياسية في وقتها.

في عام 1952، أنتج كل من فطين عبد الوهاب وعلي الزرقاني فيلمًا يدور في إطار كوميدي عن الأستاذة “فاطمة” -فاتن حمامة- فتاة مصرية من الطبقة المتوسطة، من القليلات اللاتي نجحن في اجتياز مراحل تعليمهن إلى فؤاد الأول وتحديدًا كلية الحقوق، في مجتمع لم تكن النسبة الغالبة من الفتيات ولا النساء فيه يتمتعن بأي قدر من التعليم.

تقف “فاطمة” أمام عائق رفض خطيبها المحامي (كمال الشناوي) لفكرة عملها بالمحاماة وعدم قدرة المرأة على اتخاذ مثل تلك المهنة عملًا لها في هذا المجتمع. هذه الفتاة “فاطمة” تنجح في النهاية في تجاوز السخرية وعدم الاعتماد التي واجهتها في المحاكم، وكذلك رفض خطيبها للعمل، بل وتنجح في نهاية الفيلم في إنقاذه أمام المحكمة، إلا أن النظرة المجتمعية الذكورية جعلت “فاطمة” تنهي الفيلم بانتصارها للبيت والأولاد.

اقرأ أيضًا:عن الحب… “بالراحة”!

عبر هذا الفيلم وغيره مثل “الأفوكاتو” (1950) و”مديحة” و”مراتي مدير عام” (1966)، عن مسألة خروج المرأة للعمل في المجتمع المصري بعد أحداث 23 يوليو 1952 بوصفها أحد مكتسبات الثورة من مساواة بين حقوق المرأة وحقوق الرجل ونتاجًا لنضال على الساحة السياسية استمر منذ هدى شعراوي وحتى حكمت أبو زيد، أول امرأة مصرية تعين في منصب الوزير.

وعلى الرغم من هذا، كانت هذه الأفلام تُلقي الموعظة على المرأة بين السطور بأن الست في النهاية “ملهاش غير بيتها وجوزها” كما يقال بالعامية.

في مرحلة تاريخية أخرى، ومع استقرار سياسي نسبي، وانفتاح السلطة المصرية على العالم، ومع زيادة الالتزامات والاتفاقيات الدولية التي تختص بالمساواة بين المواطنين وعدم التمييز بناءً على الجنس أو النوع، ظهرت أفلام أخرى مثل “أريد حلًا” إخراج سعيد مرزوق وبطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة، إذ تلجأ الزوجة إلى المحكمة للطلاق بعد أن رفض زوجها تطليقها، وتستمر القضية أربع سنوات، تخسر الزوجة بعدها قضيتها بمؤامرة من الزوج.

يرى كثيرون أن هذا الفيلم أثار جدلًا مجتمعيًا كبيرًا، وهذا الجدل هو الذي غير القوانين وأتاح للزوجة حق خلع نفسها من العلاقة الزوجية، إلا أن الحقيقة هي أن هذا الفيلم أثار حفيظة السلطة العليا، والكتّاب المثقفين الذين يجتمعون حولها، بمعنى أن التغيير في قانون الأحوال الشخصية حين جاء، جاء من الأعلى ولم يأتِ من مطالبات شعبية.

اقرأ أيضًا:هل يحمل قانون العقوبات تمييزا ضد المرأة؟

كانت الأزمة موجودة بالفعل، إلا أنه نظرًا لعدم وعي الناس وتجهيلهم وتهميشهم عن عمد، ظلت قضايا الخلع في نظر النساء البسيطات عيبًا لا يجب أن تأتي به المرأة، بل إن عليها اللجوء لواسطة الرجال من العائلتين لحل الموضوع.

والدليل على رأيي هذا هو أنه حين أخرج “محمد دياب” فيلم “678” الذي تناول ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء والمشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجهها المرأة نتيجة لذلك، تم إنتاج الفيلم عام 2010، وأثار جدلًا حول موضوع التحرش في حينه، إلى أن السلطة لم تكن تعبأ بذلك لتغيير القانون مثل ما حدث من قبل.

كانت فترة سياسية تحت عنوان “سيبوهم يتسلوا”، ولم يُنظر بعد ذلك إلى تغليظ العقوبة على جريمة التحرش نظرًا للأحداث السياسية التي ألمت بالبلاد إلا عام 2021، حين أظهر الرئيس المصري اهتمامًا خاصًا بالمشكلات التي تحيط بالنساء في المجتمع.

هكذا على الدوام كان الاهتمام بحال المرأة في الدراما أو السينما تعبيرًا حقيقيًا عن المشكلات الاجتماعية والنفسية التي تواجهها المرأة في المجتمع المصري.

كانت الأفلام والمسلسلات التلفزيونية تُجسد الألم بحق، لكن المشكلة هي استخدام هذا الألم لجني مكاسب سياسية على الدوام من النخبة الحاكمة وليس استماعًا حقيقيًا لهذه المشكلات وإيمانًا عميقًا بالحق في المساواة.

اقرأ أيضًا:لماذا تتمسك المرأة بحقها في العمل؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة