هل كانت نتائج الأوليمبياد مفاجأة؟

في الأسابيع القليلة الماضية تابعت حدث رياضي يهم لاعبي وهواة رياضة الدراجات حول العالم، وهو طواف فرنسا أو سباق الدراجات بمراحل، الذي تشارك فيه فرق رياضية من معظم الدول، ويعتبر هو الحدث الأهم لتلك الرياضة وبه قدر كبير من المنافسة الحامية والتكنيك المتميز لكل فريق.

وبخلاف طواف فرنسا الشهير الذي بدأ تنظيمه عام ١٩٠٣ وتبلغ إجمالي المسافة السباق من ٣٠٠٠ إلى ٣٥٠٠ كيلومتر، هناك طوافات أخرى للدراجات مثل طواف إيطاليا الذي بدأ تنظيمه عام ١٩٠٩، وطواف إسبانيا ١٩٣٥، وفي العقود الأخيرة تم إدخال طوافات أخرى مثل طواف الإمارات وطواف قطر وطواف تركيا والتشيك وكلفورنيا، لكن يعتبر طواف فرنسا هو الأشهر والذي يتم فيه اكتشاف الأبطال الجدد.

يتم عقد تلك البطولات وسط الطبيعة، فالسباق بالدراجات يمتد لعدة أيام لعدة آلاف من الكيلومترات، ويتم استخدام شبكة طرق الدولة المضيفة، والتي تكون ممهدة طبقا للمواصفات بشكل معتاد سواء كان هناك بطولة خاصة بالدراجات أم لا، وفي تغطية تلك الأحداث الرياضية ترى الجماهير وسكان القرى المحيطة بتلك الطرق وهم يشجعون اللاعبين ويحتفون بهم ويعلقون لافتات الترحيب، وتكون تلك المناسبات ذات جدوى اقتصادية وسياحية ومفيدة بشكل كبير لسكان تلك القرى المحيطة بمسار السباق.

احتفظ الدنماركي يوناس فينيوغور بلقب طواف فرنسا للدراجات الهوائية- مواقع الكترونية
احتفظ الدنماركي يوناس فينيوغور بلقب طواف فرنسا للدراجات الهوائية- مواقع الكترونية

للأسف لا يوجد مصري واحد في مثل تلك البطولات، وسط مئات الفرق من معظم دول العالم، وهي ملاحظة يمكن استنتاج أسبابها بسهولة، فهي نفس الأسباب تقريبا التي تفسر قلة عدد اللاعبين المشاركين في بطولات الأوليمبياد ٢٠٢٤، وندرة الفائزين منهم بالميداليات في دولة يتعدى عدد سكانها ١٠٥ مليون مواطن.

تعريف الرياضة

هناك ملاحظة من وجهة نظري حول الثقافة العامة في مصر تجاه الرياضة، أو النظرة الشعبية تجاه الرياضة وأهميتها، أو نظرة المواطنين لضرورتها بشكل عام، فببساطة يمكن ملاحظة أن تعريف الرياضة لدى المصريين هو لعب كرة القدم، فالشخص الرياضي طبقا لنظرة معظم المصريين هو الذي يمارس رياضة كرة القدم أو المهتم بأخبار ومنافسات كرة القدم، أما باقي الرياضات ليس لها نفس الاهتمام.

وبالفعل تعتبر كرة القدم هي اللعبة الرياضية الأكثر شعبية في العالم، لكن أيضا الرياضات الأخرى يكون لها اهتمام كبير في دول العالم، فلاعب كرة اليد أو السلة أو السباحة أو الدراجات في دول كثرة يمكن وصفها بـ المتقدمة أو النامية يتم معاملتهم بنفس درجة الأهمية، وبطولات ومسابقات رياضات كثيرة غير كرة القدم يكون لها اهتمام كبير في الجامعات والمدارس والبطولات القومية لعدد كبير من الدول، أما في مصر يمكن ملاحظة أن لاعبي مثل تلك الرياضات الأخرى مجهولين بشكل كبير، لا يتم معرفة أسمائهم إلا بعد حدوث أزمة كبيرة ما كما حدث مثلا في أزمة لاعبة الدراجات التي دفعت زميلتها قبل خط النهاية، أو بعد فضائح متزامنة مع هزيمة كبرى في بطولات الأولمبياد.

النقطة الثانية هي نظرة الدولة للرياضة عموما وأهميتها سواء كرة القدم ذات الشعبية الأولى في مصر أو باقي الرياضات، هل ترى السلطة أن الرياضة هي حاجة أساسية لصحة المواطن المصري مثل الطعام النظيف والهواء والماء؟ اشك في ذلك صراحة، فالنتائج الأخيرة المخزية ليست هي الأولى من نوعها، بل قد يكون هذا الآداء هو السائد منذ عدة عقود أما الاستثناء فهو الفوز.

أثناء احدي مباريات المنتخب المصري لكرة القدم
أثناء احدي مباريات المنتخب المصري لكرة القدم

ولكن لماذا رغم العشق الشعبي المصري للساحرة المستديرة واعتبارها هي الرياضة الوحيدة وغيرها من الرياضات غير مهم أو غير موجود، إلا أن نتائج الفرق المصرية في كرة القدم أيضا ليست أحسن حالا، كما أن مسابقات الدوري في كرة القدم لا يمكن مقارنتها بمستويات الكرة الأوروبية أو أمريكا الجنوبية، فكل هذا التقديس لكرة القدم لا يفسر كم الإخفاقات المتوالية وتدهور حال اللعبة.

وهذا الموضوع قتل بحثا منذ عدة عقود، لماذا أصبح المتميزون في الرياضة من النوادر في مصر سواء في الألعاب الأولمبية أو في كرة القدم التي تحظى بشعبية كبيرة في مصر، فالدول التي تهتم بصحة مواطنيها وتشجعهم على الرياضة هي التي ترى بها ملاعب مجانية في كل مكان، وهي التي بها اهتمام بالرياضة في المدارس ومنذ النشأ، وهي التي بها دوري منتظم للمدارس في جميع الألعاب ومنافسات جادة لاكتشاف المواهب بين الطلبة الصغار لكي يتم تنميتها .

أتذكر رأي قرأته منذ ربع قرن لخبراء الرياضة يطالبون بزيادة أعداد مراكز الشباب وزيادة أعداد الساحات الرياضية التي تمكن الشباب من لعب كرة القدم في كل مكان، بالإضافة طبعا للاهتمام وتطوير دوري المدارس والجامعات وجعل الحافز الرياضي أكثر أهمية للطلبة، فعندما تكون هناك مساحات كثيرة وملاعب مجانية متاحة للجميع سيكون ذلك دافع هام للنشأ، وعندما يكون هناك حافز رياضي لطلبة الثانوية العامة والجامعات فسيقلل كثيرا من ذلك الماراثون حفظ المواد من أجل الحصول على أعلى الدرجات بدون فهم حقيقي.

حدثني عن الساحات والمساحات الخضراء -المحدودة- التي كان بعض الناس يتنزهون بها أو يمارسون بعض الرياضة، لكن تحولت لمحطات بنزين ومحلات وكافيهات، حدثني عن الرياضة في المدارس المصرية أو الأنشطة بشكل عام،؟ أو حتى الحضور وانتظام العملية الدراسية داخل المدارس؟ فالمدارس أصبحت مجرد مكان لتسجيل الطالب في سنة دراسية ثم مكان لعقد الامتحانات وإصدار النتائج آخر العام، أما التعليم (أو التلقين للدقة) فقد أصبح في مراكز الدروس الخصوصية أو (السناتر).

رياضة الدراجات

هل تتذكر فيلم سلامة في خير للعملاق نجيب الريحاني الذي تم عرضه عام ١٩٣٧؟ هل تتذكر مشهد خوفه من لص يسرق حقيبة النقود عن طريق الدراجة وحالة الهلع التي صاحبته عندما كان يري دراجة مقبلة؟ وقتها كان هناك مشهد كوميدي لبطولة رياضية للدراجات تقام في شوارع القاهرة وتصادف أن تواجد سلامة وسطها مع حقيبة النقود فظل يجري هربا منهم، هل لك أن تتخيل أن منذ أكثر من ٨٥ عاما كان هناك سباقات لدراجات الطريق في شوارع القاهرة.

كشخص مهتم وممارس بشكل ما لرياضة الدراجات أستطيع رصد نسبة ضئيلة من المشكلات التي يعانيها اللاعبون في تلك الرياضة، مثل ضعف مستوى المسابقات الرسمية التي يتم تنظيمها، وضعف مستوى التجهيز للاعبين في البطولات الإقليمية والدولية، وأن الخطط والأساليب التدريبية قد عفا عليها الزمن ، وعند البحث على مواقع التواصل الاجتماعي سنجد عدد كبير من الصفحات التي تتحدث عن شبهات فساد ومحاباة وعدم شفافية في أوجه صرف الميزانية المخصصة للبطولات والتدريبات، ولعل واقعة دفع لاعبة لزميلتها قد أعاد للسطح العديد من القصص حول المحاباة والفشل الإداري الذي يعاني منه اتحاد الدراجات، ولذلك ليس بغريب أو سر أن نلاحظ تردي مستوى الدراجين المصريين المحترفين وعدم.

الناشئة جنة عليوة أصيبت بكسر في الكتف وتعاني من فقدان مؤقت للذاكرة نظرا لتعرضها للدفع خلال سباق -مواقع التواصل الإجتماعي
الناشئة جنة عليوة أصيبت بكسر في الكتف وتعاني من فقدان مؤقت للذاكرة نظرا لتعرضها للدفع خلال سباق -مواقع التواصل الإجتماعي

أزمات اتحاد الدراجات ورياضة الدراجات في مصر هي تقريبا نفس مشكلات وأزمات الرياضات الأخرى والاتحادات الأخرى، نسمع كثيرا من لاعبين سابقين عن الوساطات والمحاباة وتغليب العلاقات الشخصية، وأيضا عن العشوائية وغياب أساليب الادارة السليمة والطرق الحديثة في التدريب، وعن اللوائح الحمقاء والبيروقراطية وعبارة البند لا يمسح، وطبعا عن ضعف الإمكانيات وقلة الموارد، وليس بخفايا على أحد ضعف المخصصات لرعاية المواهب لدرجة أن هناك كثيرون من الأبطال وعائلاتهم هم من يقوموا بتحمل التكلفة الباهظة للملابس والأدوات وأنظمة التغذية المتخصصة، في الايام القليلة الماضية سمعنا شكاوي كثيرة من لاعبين سابقين وحاليين، وسنظل نسمع شكاوى وقصص كثيرة عن الفشل والتخبط في أسلوب إدارة الرياضة المصرية.

وكهاوي وممارسي لرياضة الدراجات أستطيع رصد نوعية أخرى من المشكلات المتعلقة بالبنية التحتية وعن نظرة الحكومة لرياضة الدراجات، فالطرق في مصر غير مصممة لوجود دراجات، ولا حتى لسير المشاة، فقط لمركبات تجري بأقصى سرعة في الطرق الرئيسية وفي الشوارع الفرعية والرئيسية وبين المدن والمحافظات، ويتم الفخر بالكم وليس الكيف، بالأطوال التي يتم إضافتها وليس مطابقة تلك الطرق للمواصفات الهندسية السليمة ومعايير الجودة.

يتعرض مستخدم الدراجة لأخطار عديدة، من السيارات التي لا تلتزم بحارة مرورية ولا بحد السرعة، كما أن التقاطعات في مصر ليست مصممة لعبور الدراجات، ولا يتم عمل حساب مسارات الدراجات في الطرق الجديدة أو في توسعة الطرق القديمة، حتى الطرق التي كان بها مسارات للدراجات كثيرا ما يتم الغاؤها أو مسحها بدون مبرر هندسي، كما يتعرض الدراجين للعديد من المضايقات، ليس فقط مضايقات التكاتك والميكروباصات، بل هناك العديد من وقائع سابقة لمنع الشرطة للدراجين من السير أو التمرين أو السفر على الطرق بين المحافظات سواء لمصريين أو أجانب، ويكون الرد الأمني هو (ممنوع) بدون توضيح سبب المنع أو الجهة المنوط بها استصدار ترخيص للسفر بالدراجة على الطرق السريعة.

أحيانا يدافع البعض ويبدأ في سرد ما يعتبره انجازات ومؤشرات لاهتمام الحكومة برياضة الدراجات، مثل مشروع كايروبايك لإيجار الدراجات بسعر زهيد في وسط القاهرة أو مبادرة معدودة لبيع الدراجات بسعر مخفض نسبيا، أو إنشاء بعض مسارات الدراجات في بعض المدن الجديدة، ولكنها كلها تكون مبادرات لحظية يتم اهمالها ونسيانها بعد فترة وجيزة، لتكون طي النسيان، لأنها مجرد فرقعة إعلامية أو مرتبطة بحدث ما أو منحة دولية ما، وليست ضمن خطة شاملة أو جادة لتشجيع الرياضة أو تقليل استخدام السيارات.

خلاصة القول، أسباب الإخفاق في الأوليمبياد مؤخرًا أو تدهور مستوانا في الرياضة عموما يمكن رصده بسهولة وهناك العشرات والعشرات من المقالات والأبحاث العلمية والدراسات والتوصيات، لكن كباقي الأمور والقضايا الأخرى يتطلب الموضوع أولا إرادة سياسية ورغبة جادة في الحل، ثم خطة مدروسة طويلة المدى ضمن خطة تنموية شاملة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة