"مصنع كُهنة"، و"عمال من سيء إلى أسوأ".. مشهدان لا يفرقان عيني "محمد أمين" رئيس قسم النسيج بشركة النصر للغزل والنسيج والتريكو "الشوربجي" سابقًا، والذي تحدث بمرارة شديدة، لـ"فكر تاني"، عن حلمه بالنجاح الذي يحتضر على أبواب شركة كانت واحدة من قلاع الغزل والنسيج، وأصبحت واحدة من شهود اغتيال الصناعة.
تأسست الشركة في عام 1947 على مساحة 66 ألفًا و809 أمتار مربعة، في منطقة إمبابة شمالي محافظة الجيزة. وخضعت لقرار تأميم عام 1962 طبقًا للقانون رقم 117 لسنة 1961 الخاص بتأميم الشركات والمنشآت.
امتلكت "الشوربجي" 12 معرضًا لمنتجاتها، منها معارض دائمة ومؤقتة، مثل: حدائق القبة - مصر الجديدة - الزماك - عدلي وسط البلد - الجيزة - الكيت كات - إمبابة - العصافرة بالإسكندرية - أرض المعارض.
كما قادت حركة تصدير كبيرة لعدد من الدول العربية والأوروبية منها: لبنان والسعودية وألمانيا. لكنها، مع انخفاض الإنتاج، أغلقت أغلب معارضها، خاصة مع تسجيل خسائر مالية متتالية.
الشوربجي.. دمج حوّل صرحًا إلى كُهنة

"المصنع كان من أكبر مصانع الغزل والنسيج حتى نهاية السبعينيات، وكان شغال في إنتاج الملابس الداخلية القطنية والبيجامات، بس دلوقتي انخفضت القدرة الإنتاجية للمصنع لأقل من الربع بعد الخساير الكتير اللي حققتها الشركة في السنين اللي فاتت".
يعمل "محمد أمين" رئيسًا بقسم النسيج منذ 35 عامًا، ويحصل على راتب لا يتجاوز الآلاف الخمسة من الجنيهات، حتى مع وصول التضخم في مصر إلى أعلى مستوياته.
يصف "أمين" أوضاع العمال في المصنع بأنها من سيء لأسوأ، موضحًا أن العمال لم يستفيدوا من خطوة دمجهم في مجمع مصر حلوان.
يعود قرار الدمج الصادر عن شركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس إلى تاريخ 21 يونيو 2021، وقد تضمن الموافقة على قرار الجمعية العمومية غير العادية لشركة مصر حلوان للغزل والنسيج بدمج شركات (المصرية لغزل ونسج الصوف والقطن "ولتكس"، والنصر للغزل والنسيج والتريكو "الشوربجي" سابقا، مصر لصناعة معدات الغزل والنسيج) في شركة مصر حلوان للغزل والنسيج.
يقيّم "أمين" أوضاعهم بعد أربعة أعوام من قرار الدمج، فيقول إن شيئًا لم يتغير، إذ يتحصل عمال الشركات التابعة على أجور وبدلات وأرباح أعلى منهم، رغم أن شركاتهم متوقفة عن العمل. ولذا فهو من الرافضين لهذا القرار الذي يراه غير مراعي لضخ أموال في إعادة هيكلة المصنع وتطوير المكن التالف، أو ضخ مزيد من الخامات للتشغيل، أو حتى تحسين أجور العاملين.
القرار نشرته الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية" في عددها رقم (218) الصادر اليوم 29 سبتمبر لسنة 2021، وكان يتضمن الموافقة على زيادة رأس مال الشركة المصرح به إلى 2 مليار جنيه.

11 مطلبًا.. عمال "الشوربجي" ينشدون النجاة
حتى منتصف العام 2011، ضمت الشركة حوالي 2166 عاملًا، لكنها وصلت في الفترة الأخيرة إلى 650 عاملًا فقط، يشعرون بالقلق، والخوف، والغضب، والحزن أيضًا على صرح يرونه آيل للضياع.
"الكيل طفح ولم يعد بمقدورنا الاستمرار بهذا الشكل، لابد من تنفيذ الدمج المالي للشركة أو سنتوجه إلى مقر النقابة العامة ومجلس الوزراء من أجل المطالبة بحقوقنا"؛ يقول أحدهم، لـ"فكر تاني"، بينما يطلب عدم ذكر اسمه خوفًا من عقاب على غضبه المبرر.
عماد وهبة، واحد من هؤلاء العمال المتبقين، يقول: "مطالبنا مشروعة وقدمناها للجنة اللي جت مقر المصنع يوم الخميس الماضي، ووعدتنا بإعلان قرارها يوم 4 أغسطس، بس ما فيش حاجة اتغيرت".
اقرأ أيضًا: "نور الشمس" كاذب.. يوميات صحفي خارج بلاط صاحبة الجلالة (1 – 4)
تتوزع مطالب العمال بين 11 بندًا:
- تطبيق التناوب بين جميع العمال كل مجموعة ثلاثة أيام.
- صرف البدلات "المخاطر، العدوى، والانتقال"
- صرف الحافز بسبة 100% على أساسي الأجر.
- زيادة الأرباح السنوية من 5 أشهر لتصل إلى 12 شهر.
- تطبيق الحد الأدنى للأجور 6 آلاف جنيه أسوة بالشركات التابعة.
- صرف المنح والأعياد والمناسبات أسوة بالشركات التابعة.
- تعيين العقود المؤقتة.
- الترقيات في معادها بشكل دائم.
- تسوية المؤهلات.
- توفير اللائحة لجميع العمال للاطلاع عليها والحصول على نسخة منها.
- تركيب شفاطات لتهوية المكان، وتوفير وسائل حماية للعمال، مع صرف حصة حليب يومية في عنابر الغزل.
يشير "وهبة" إلى أن ضعف المرتبات وظروف العمل السيئة دفعت الكثير من العمال لتقديم طلبات نقل إلى مجمع حلوان للغزل والنسيج، أملًا منهم في تحسين أوضاعهم المالية، أو العمل بطاقة أقل.
ويعاني عمال المصنع نقصًا في المواد الخام التي يتم توريدها للمصنع مرة أو مرتين في السنة فقط، ما يؤدي إلى توقف المصنع أغلب شهور السنة، هذا بخلاف أزمة ضعف قدرة الماكينات على العمل، دون عمليات إحلال أو تجديد وتطوير لخطوط الإنتاج منذ سنوات طويلة.
معاناة مضاعفة
وفق مصادرنا يضم مصنع الشوربجي 140 عاملة بعقود مؤقتة، تتراوح أعمارهن ما بين 14 إلى 20 سنة، حتى الآن لم يتم تثبيتهن، رغم خطابات الشركة القابضة لصناعة الغزل والنسيج خطابات التي طالبت بتعيين العمالة المؤقتة لديها، مرتين في عامي 2013 و2017، في وقت رفضت إدارة الشركة تعيينهن بحجة صعوبة الوضع المالي.
"مروة"، التي تحدثت لـ"فكر تاني" تحت اسم مستعار، تعمل بالمصنع منذ العام 2012، بعقد مؤقت (محدد المدة بـ 6 أشهر)، واحدة من هؤلاء النساء، كانت تحصل على أجر يومي 15 جنيهًا في وردية 8 ساعات في العام 2012، بينما زادت هذه النسبة إلى 65 جنيهًا الآن وبعد 12 عامًا متواصلة من العمل الذي بالكاد يوفر لها راتبًا لا يتعدى 2500 جنيه، تفقد جزءًا منها في إجازات من دون راتب، إذا ما أرادت الحصول على أجبرها المرض على الراحة، لأن الشركة تفرض منحهن حقوقهن في الراحات.
تعنت ضد العمالة المؤقتة
"الستات بيشتغلوا في المصنع من وهما في عمر 35 سنة والآن عندهم 51 سنة، وما يقدروش يدوروا على شغل تاني بفلوس أحسن ولا مرتباتهم بتتحسن وصحتهم راحت في الشغل ومش عارفين الحل إيه"؛ تشتكي إحدى العاملات المؤقتات، ممن حفر الإرهاق على وجههن علامات الشقاء والتعب.

تقول العاملة، التي تحفظت على ذكر اسمها، أنها تعمل في قطاع الغزل منذ عامين كنوع من النقل التعسفي، بعد أن كانت تعمل في قطاع التجهيز.
وتؤكد أنها تعمل في الشركة منذ 14 عامًا، بينما تحصل على أجر لا يتعدى 2500 جنيه، في ظروف عمل سيئة للغاية، حيث تتعرض للغبار الناتج عن الماكينات المتهالكة، التي لم تخضع لأي عملية تجديد، وهذا فضلًا عن العمل بشكل متواصل لمدة 8 ساعات، بالرغم من أنها تعاني من خشونة في المفاصل.
المعاناة شديدة، وفق تعبير العاملة، التي تضيف: "أنا و9 من زميلاتي بنقف على المكن يوميًا لمدة خمسة أيام في الأسبوع. مش من حقنا الغياب لأي سبب وإلا هيتخصم من مرتباتنا أو هنخسر حافز الحضور الـ 350 جنيهًا في الشهر، ده في وقت منا المعيلات والمطلقات، واللي بيضطروا يشتغلوا عشان يصرفوا على البيت لو الزوج مريض ومش قادر يشتغل".
وتحصل العاملات في خطوط الغزل على الرواتب ذاتها التي كن يحصلن عليها في خطوط التجهيز، الأقل جهدًا ومشقة، بينما تتجاهل الشركة مطالبهن بتبعيتهن ماليًا وليس إداريًا فقط لمجمع مصر حلوان بعد قرارات الدمج.
ووفق مصادرنا زارت لجنة خاصة الشركة، في الأيام الأخيرة، بعد إرسال القطاع الهندسي بالشركة كاملًا، طلبات بنقلهم من الشوربجي إلى مجمع مصر حلوان، من أجل الحصول على التناوب ـ وهو حضور العمال ثلاثة أيام فقط في الأسبوع، ويومين في الأسبوع التالي، بالإضافة إلى مساواتهم في الأجور والبدلات والحوافز.
وتشكلت اللجنة من رئيس اللجنة النقابية للعاملين بمجمع حلوان، ومحمد سعداوي ممثل العاملين في مجلس الإدارة بالمجمع، وعدد من المسؤولين للحضور إلى المصنع لسماع شكوى العاملين.
أزمة نقابية ممتدة
اللجنة النقابية للعمال تواجه أيضًا التعسف بالرغم من أنها لجنة تابعة للنقابة العامة للغزل والنسيج، وانتخبها العمال بشكل رسمي بعد قرار ضم الشركة لمجمع حلوان في الدورة الانتخابية السابقة في مايو العام 2022.

"فوجئ أعضاء اللجنة بطلب من إدارة الشركة بترك مهامها النقابية والعودة للعمل بالمصنع، زعم أن أفرادها لم تعد لهم صفة نقابية بعد قرار الدمج، والمهام النقابية أوكلت للجنة النقابية الموجودة في المجمع التابعين له"؛ يقول مصطفى عرفة رئيس اللجنة النقابية.
ويضيف لـ"فكر تاني" أن هذا الأمر رفضه مجلس النقابة والعمال أيضًا، ما أدى إلى اتخاذ إدارة الشركة قرارًا بمنعهم من أداء مهام عملهم النقابية بالمخالفة لقانون النقابات، مشيرًا إلى أن القرار تضمن قيام مجلس النقابة المكون من 11 عضوًا بمهمة عمل مفتوحة، بالإضافة إلى منعهم من دخول الشركة منذ بداية شهر مايو الماضي.
ويشير "عرفة" إلى أن المجلس الموقوف اتخذ عدة إجراءات لمواجهة ذلك التعنت، من بينها: تقديم عدد من الشكاوى لوزارة العمل، والاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والاتحاد المحلي لنقابات عمال الجيزة، ومكتب العمل بإمبابة التابع له المصنع، والذي بدوره نصحهم بتصعيد الشكوى لمديرية القوى العاملة بالجيزة، وحتى الآن لم يبحث أحد في شكواهم، ولم يتم إلغاء القرار.
ويوضح رئيس اللجنة النقابية أن هناك خلاف بين اللجنة النقابية والنقابة العامة التي تحصل اشتراكات العمال بنسبة 100% من الشركة، مع رفضها توريد حصة اللجنة النقابية لمدة تجاوزت العام، وذلك بالمخالفة للقانون، الذي يمنح اللجنة النقابية حق تحصيل الاشتراكات وتوريد حصة النقابة العامة 30%، بالإضافة إلى 10% حصة الاتحاد العام من قيمة الاشتراكات.
ويشير "عرفة" إلى أن استمرارهم في المطالبة بحقوق العمال، والمطالبة بالدمج المالي، يدفع الإدارة للتصعيد ضدهم، وفق قوله.
إجراءات قانونية
ومن جانبه، يقول أشرف الشربيني، المحامي بدار الخدمات النقابية والممثل القانوني للجنة النقابية، إن "ما يحدث من إدارة مصنع الشوربجي مخالف للقانون، لأنه دمج شكلي فقط، بينما على أرض الواقع لا توجد علاقة بين الشوربجي ومجمع حلوان"، مضيفًا أن النقابة المنتخبة تمارس عملها طبقًا للقانون ومن حق عمال المصنع وجود نقابة تمثلهم وتدافع عن حقوقهم.
وقد تقدم "الشربيني" ببلاغ يتهم فيه إدارة الشركة بالاستيلاء على مقر النقابة ومحتوياته الخاصة بالأعضاء من أوراق وأختام وغيرها، وأرسل إنذارًا على يد محضر لإدارة الشركة.
وأوضح أنهم بصدد إرسال شكوى لوزارة القوى العاملة لمطالبتهم بتمكين اللجنة النقابية من ممارسة مهام عملها.