(١)
كغيري من جموع المواطنين أعشق تعذيب ريموت التليفزيون، والمرور على كل القنوات في أقل من نصف الساعة أكون انتهيت من (فَرّ) قائمة القنوات، ولكني مللت البحث من أجل العثور على قناة تليفزيونية تخصص أقل القليل من دقائق بثها لأجل برنامج متخصص في المسرح، الذي يُقدم في مصر سنويًّا ما يصل إلى الخمسة آلاف عرض مسرحي، في مختلف أنحاء المحروسة، ستقول لي هناك برنامج أو اثنان على شاشتيِّ الأولى والثانية، وطبعًا الثقافية، أتحداك أن تعرف موعد عرض أي منهما، وأقول لك أتحدث عن الفضائيات المصرية التي سيطرت على اختيارات المتفرج أولًا بعد هجره لقنوات ماسبيرو، دون أن نسرد لذلك أسبابًا، ليس كافيًا أن تخصص ما يطلقون على برامج النشرات الفنية عبر هذه القنوات لفقرة يتيمة تغطي أحد العروض المسرحية.
المسرح – كغيره من الفنون ووسائل الإعلام – يحتاج إلى من يحنو عليه، ويوده إن غاب، ويحتفي به إن حقق إنجازًا أو فوزًا يستحق.
(٢)
صديقي الذي يعمل مسئولًا كبيرًا في قناة تليفزيونية بارزة، يتحدث معي كثيرًا عن عشقه للمسرح، وأمنياته وأحلامه من أجل المسرح، ولم يذكر ضمن كل هذه الخطط المؤجلة ما يتعلق من قريب أو بعيد بضرورة وجود برنامج حول المسرح.
سألته بكل هدوء: هل تحب المسرح حقا؟ وكانت إجابته دون تفكير: ياااه المسرح! إنت ما تعرفش أنا باموت في المسرح إزاي!
وأخذ ينظر للسماء وهو يفكر ويفكر في صمت، ثم صرخ فجأة: أنا أصلًا نفسي أنتج عرض وأطلع بيه موسم الرياض.
فكرتُ كثيرًا في سؤالي وإجابته، حتى من يحبون المسرح – إن صدقوا – لا يفعلون لأجله ما يستحقه، وهو أقل القليل مما تسرف فيه شاشات الفضائيات كامل وقت بثها في برامج الثرثرة الكلامية، لعل يأتي اليوم الذي يخصص فيه صديقي المسئول أقل ما تمنحه القنوات للشيف الشربيني وزملائه، الذين هم أكثر أهمية لربات البيوت، أما أرباب المسارح فيكيفهم أن لديهم مهرجانًا قوميًّا للمسرح لا يعجب سنويًّا أهل المسرح إلى ذلك الحد الذي جعل منه العيد السنوي لتزاوج البوستات، على الله لا يسامحه مارك (بتاع الفيس بوك)
اقرأ أيضًا:الشارع الثقافي.. احتفاء بالمرأة المصرية في المسرح القومي
(٣)
وبمناسبة الحديث عن برامج المسرح التي تربينا على مشاهدتها عبر شاشات قنوات التلفزيون المصري، المعروفة باسم قنوات ماسبيرو، مؤكد جميعنا يتذكر برنامج “تياترو” الذي كانت تقدمه الإعلامية ميرفت سلامة، و”رُفع الستار” للإعلامية نانو حمدي، وقبل سنوات برنامج “ساعة مسرح” الذي كان يقدمه الإعلامي أحمد مختار – مستمر للآن دون مذيع وأصبح خمس دقائق مسرح مثلًا – ولا يعرف أحدٌ موعدًا لعرضه، وغيرها من البرامج التي كانت مخصصة للمسرح، سواء تزامنت مع التي ذكرتها أو قبلها بسنوات طويلة، منذ أن كانت للتليفزيون فرقه المسرحية الشهيرة.
لماذا لا يفكر القائمون على مهرجاننا القومي للمسرح المصري في ضرورة تكريم مقدمي هذه البرامج في إحدى دوراته؟ ولماذا لا نكلف رواة السيرة بضرورة قص حكايات هذه البرامج، التي كنا نشاهدها جميعًا باهتمام، لعلنا نلفت الانتباه بضرورة تبني الفضائيات الحديثة للمسرح وعروضه وناسه، ماذا نفعل يا ناس حتى تهتموا؟! هل نسير في شوارع مدينة الإنتاج كالمسحراتي بتاع رمضان، ونردد: اصحِي يا قنوات.. مدفع المسرح آت؟! لكن منين نجيب مسحراتي؟!
(٤)
لا أحد يقرأ، ولا أحد يسمع، وغالبًا هم يحبون المسرح من منطلق (إن اللي ما وقفش على خشبته ماشافش حلاوته)، المسرح لا يجب أن يعامل معاملة أقل مما يقدمه للمجتمعات، المسرح ليس رفاهية، ويحتاج إلى قدر من الاهتمام يفوق اهتمامهم بطريقة صناعة أطباق مكرونة البشاميل بالصوص الأحمر، أو الأبيض، (مش هتفرق!)