توعدت إيران بشن هجوم غير مسبوق على إسرائيل، مهددة بزوال الكيان الصهيوني، وذلك بعد سلسلة من العمليات الإسرائيلية التي أشعلت المنطقة. إذ لم تكتف إسرائيل بعدوانها المستمر على غزة منذ نحو عشرة أشهر، بل صعدت من وتيرة الصراع باغتيالها القائد العسكري البارز في حزب الله، فؤاد شكر (الحاج محسن)، في الضاحية الجنوبية لبيروت. وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أثناء وجوده في طهران، بعيد ساعات من حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
هذا الأمر زاد الأوضاع تصعيدًا يكاد يكون الأخطر طوال الأشهر العشر الماضية، حتى باتت المنطقة على شفا حرب قد تكون غير مسبوقة في حجمها وآثارها. فما هي السيناريوهات المحتملة لهذه الحرب؟ وكيف يمكن أن تتطور الأحداث في ظل هذه المعطيات الخطيرة؟
وهدد الرئيس الإيراني الجديد، الذي شارك هنية في مراسم تنصيبه قبيل مقتله، مسعود بزشكيان، بأن منفذي الاغتيال “سيرون قريبًا عواقب عملهم الجبان”، ولم تتوقف هذه التصريحات عند كبار المسؤولين السياسيين، بل شملت أيضًا دوائر دبلوماسية. ففي تغريدة على منصة إكس، حذرت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك من أن طهران ستنفذ “عمليات خاصة ردًا على هذا الاغتيال الذي سيثير ندمًا عميقًا لدى منفذه”. بينما كتب المرشد الإيراني علي خامنئي، أعلى رأس في الجمهورية الإسلامية، عبر منصة “إكس” مساء الخميس، وباللغة العبرية: “إننا نشهد بداية النهاية للكيان الصهيوني، هذا الكيان يذوب تدريجيًا أمام أعين العالم”.
إيران وإسرائيل.. أي رد قادم؟
بينما يدرس النظام الإيراني نطاق وحجم خططه للانتقام لمقتل هنية، قال أمير حسين وزيريان، المحلل المقيم في طهران، لمجلة “نيوزويك” إن إيران لديها “ثلاثة خيارات” للرد على الهجوم.
ووفقًا لهذه التصريحات، فإن الخيار الأول يتطلب ما يسميه وزيريان “العمليات المباشرة”، على غرار الهجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على إسرائيل في أبريل الماضي.
في هذا الوقت، تم تنفيذ عملية تُعرف باسم “الوعد الصادق” ضد إسرائيل، التي صدرت الأوامر بها ردًا على مقتل مسؤولي فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في هجوم على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق.
وترجح أنيسة بصيري التبريزي، الباحثة في الشؤون الإيرانية بمعهد “تشاتام هاوس” البحثي في لندن، أن يكون الرد الإيراني على شكل “هجوم مباشر ضد إسرائيل، لكنه سيكون هجومًا محسوبًا”. وفي مقابلة مع “دويتشه فيله“، وتقول إن الرد الإيراني سيكون “محسوبًا بهدف عدم إثارة التصعيد وخروجه عن نطاق السيطرة”، ومن المرجح أن تعمل طهران مع وكلائها لإظهار وحدتهم وقدراتهم المستمرة.
اقرأ أيضًا: بعد اغتيال هنية.. إلى أي مدى باتت “الحرب الشاملة” قريبة؟
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية“، أنه “لن يكون هناك رد عنيف ولا حتى بالمسيرات التي أطلقت بالسابق، التي تم اعتبارها مسيرات إعلامية أكثر منها مسيرات تفجيرية”، وأنه في حال الرد الإيراني سيكون ذلك عبر تحريك الأذرع لإطلاق بعض الصواريخ ولن يتجاوز الأمر ذلك، رغم المسؤولية المباشرة لإيران والتراخي الأمني الذي أدى لاغتيال هنية.
وع ذلك، فقد أشار رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق اللواء عاموس يدلين، في مقابلة مع إذاعة “103 FM” العبرية، إلى القلق بشأن استعداد إسرائيل لهجوم من قبل إيران بعد اغتيال هنية، قائلًا: “إذا صعدوا لدرجة 13 أبريل، فلا أعتقد أنهم ينزلون منها، لقد عبروا نوعًا ما من الحاجز النفسي لإطلاق النار مباشرة على إسرائيل.. في الماضي لم يكونوا يرغبون في التورط مباشرة، لقد فعلوا ذلك إما من خلال وكيلهم أو من خلال نشاط سري من الأرجنتين إلى أوروبا”.
وأردف اللواء الإسرائيلي: “بعد فشل الهجوم في أبريل، تقوم (إيران) بإجراء تحقيق وتحاول تصحيح نوع الهجوم، والصواريخ التي تستخدمها، وربما الكميات، وربما لا تعطينا تحذيرًا ولا تستخدم طائرات بدون طيار تطير لمدة ثماني ساعات، ولكن فقط الصواريخ الباليستية التي تطير لمدة تتراوح بين 10 و12 دقيقة.. لديهم الكثير من العمل للقيام به، لذلك أعتقد أن الاستجابة لن تكون فورية، فهم سيأخذون بعض الوقت للتخطيط”.
الخيارات غير المباشرة
أما الخيار الثاني، الذي يتحدث عنه “وزيريان”، فهو “عملية غير مباشرة”، فهو استخدام “القوات الوكيلة، وخاصة حزب الله والحوثيين”.
نفذت هاتان المجموعتان، بدعم من إيران، هجمات منتظمة ضد إسرائيل في الأشهر الأخيرة. وأثار تبادل إطلاق النار شبه اليومي بين الدولة العبرية وحزب الله مخاوف من نشوب حرب أوسع نطاقًا، كما أدت هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية في البحر الأحمر إلى تعطيل الشحن في هذا الممر المائي الحيوي.
وقالت خمسة مصادر لرويترز إن مسؤولين إيرانيين كبارًا اجتمعوا مع ممثلين لمجموعات موالية للجمهورية الإسلامية من لبنان والعراق واليمن وناقشوا الرد المحتمل على إسرائيل وفق ما أفاد مصدر مقرّب من التنظيم اللبناني مطلّع على مضمون المباحثات. وناقش المجتمعون، وفق المصدر، “إمكان أن يحصل الرد بالتوازي، بمعنى أن تقصف إيران وحزب الله والحوثيون أهدافًا إسرائيلية في الوقت ذاته، أو أن يرد كلّ طرف بمفرده إنما بشكل منسق”.
اقرأ أيضًا: كيف أحيت حرب غزة محور المقاومة؟
وتشير الباحثة في الشأن الإيراني، أنيسة بصيري التبريزي، إلى أن الرد الإيراني المحتمل سوف يحمل في طياته “اختلافًا” عن الوقائع السابقة. كما قالت إن “الاختلاف الرئيسي بين الهجوم المرتقب وبين هجوم إيران على إسرائيل في أبريل سيتمثل في زيادة التنسيق مع وكلاء طهران في المنطقة وهو ما لم يحدث في المرة السابقة”.
وتضيف: “ثمة احتمال أن تلجأ إيران إلى استئناف استهداف المصالح والقوات الأمريكية في العراق وسوريا من خلال وكلائها، نظرًا لأن طهران ألقت باللوم على الولايات المتحدة في دعم واقعة مقتل هنية”. يأتي ذلك فيما يجري دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون مناقشات عاجلة في أنحاء الشرق الأوسط ضمن جهود متسارعة لمحاولة تجنب خطر نشوب حرب إقليمية شاملة.
أما الباحث في الشؤون الإسرائيلية مجيد صفا تاج، فقد قال، في حديثه لـ”الجزيرة نت”، إنه بعيدًا عن عشرات السيناريوهات الممكنة والمحتملة للرد على جرائم الاحتلال، فإنه يعتبر مهاجمته عبر شتى الجبهات خيارًا مجديًا يستنزف قدراته ويجعل المستوطنين يعيشون “برزخًا تمهيدًا لهروبهم دون رجعة من الأراضي الفلسطينية”.
هجوم على كل الجبهات
الخيار الثالث الذي تحدث عنه “وزيريان” هو “عملية مشتركة” تتضمن هجومًا مباشرًا على إسرائيل من قبل إيران وهجمات متزامنة من قبل جماعات المقاومة. وقال وزيريان: “برأيي، يمكن لإيران وأعضاء محور المقاومة الآخرين مهاجمة أكبر مدينة في إسرائيل، تل أبيب، وحتى حيفا”.
ويضيف: “الهجوم الرمزي على إسرائيل ومينائها مهم في هذا الصدد”. وأشار إلى أن أحد العوامل الأكثر حسما في تحديد مستوى رد إيران هو اتضاح الأساليب التي استخدمتها إسرائيل في اغتيال هنية.
يعتقد الباحث الأمني الإيراني، حميد رضا عزيزي، أن “سيناريو الرد بالوكالة فقط، أي مع عدم مشاركة إيران نفسها وتفويضها، لا يبدو سيناريو قويًا في الوقت الحالي”. ويقول، وهو زميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية: إن “السيناريو الأكثر ترجيحًا في الوقت الحالي هو رد منسق من إيران وبعض أو كل حلفائها الإقليميين”. وقد يشمل ذلك بالتأكيد، بحسب رضا عزيزي، “حزب الله” والميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن.
وصف “مدير مجموعة دراسات الخليج الفارسي في مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط ومقره طهران”، جواد حيران نيا، “الوضع المعقد” بالنسبة لإيران، وقال: “نتنياهو يريد توسيع الحرب من أجل جر إيران إلى حرب إقليمية، ومن ثم إدخال أميركا في الصراع”. وقال حيران نيا لمجلة “نيوزويك”: “من ناحية، يجب على إيران أن تقدم رداً رادعًا لإسرائيل. ومن ناحية أخرى، فإن الرد القوي يمكن أن يوسع الحرب، وهو ما سيفيد نتنياهو”.
قال المحلل السياسي اللبناني، خالد العزي، أستاذ العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “أي ضربة إيرانية ستكون مدروسة ومتفق عليها، وهذه قواعد الضربة، لأن إيران غير معنية بقادة أو حشود شعبية ولا فصائل سنية أو فلسطينية أو شيعية، لأن مسألتها القومية فوق كل اعتبار، ولذلك فإن مسألة البرنامج النووي والتفاهم مع الغرب يمر على أجساد كل الذين يقبعون في المحور الإيراني”.
بايدن يؤكد التزام واشنطن بأمن إسرائيل
وقد أفاد البيت الأبيض في بيان بأن بايدن أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مجددًا “التزامه بأمن إسرائيل ضد جميع التهديدات من إيران، بما في ذلك من وكلائها ’حماس‘ و’حزب الله‘ والحوثيين”.
وناقش بايدن “الجهود المبذولة لدعم دفاع إسرائيل ضد التهديدات، على غرار الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة”، وذلك “بما يشمل نشر قدرات عسكرية أمريكية جديدة”.
وقال البيت الأبيض إن “إلى جانب هذا الالتزام بالدفاع عن إسرائيل، شدد بايدن على أهمية الجهود المستمرة لخفض حدة التوترات الأوسع في المنطقة”، وأشار البيان إلى أن نائبة الرئيس كامالا هاريس شاركت في هذه المكالمة.
ناقش بايدن ونتنياهو خلال المحادثة أيضًا “الجهود الرامية لدعم الدفاع عن إسرائيل في مواجهة التهديدات، بما في ذلك تلك الناجمة عن صواريخ بالستية وطائرات مسيرة”. وأشار البيان إلى أن دعم هذه الجهود