نظرة على الانتخابات الأمريكية

أحداث دراماتيكية متصاعدة ومتلاحقة في الانتخابات الأمريكية، كل يوم به جديد، وهذا عادة الانتخابات الامريكية بشكل عام، ولكن هذا المرة هي الأكثر غرابة وإثارة وأهمية، بين الرئيس الحالي (جو بايدن) الذي يصفه البعض بالرئيس المريض ذو الأداء المريض ، والرئيس السابق اليميني الشعبوي وغير المتوقع لأقصى درجة.. دونالد ترامب.

وتعتبر الانتخابات الأمريكية هامة ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل نتيجتها مهمة ومؤثرة بنسب متفاوتة في كل أنحاء العالم سواء حكام أو محكومين، فالذي يجلس على كرسي الرئيس في الولايات المتحدة يتحكم في العديد من الأمور حول العالم، وتلك القرارات يمكنها أن تحول العالم ليصبح أكثر هدوءا أو أكثر عنفا وجنوناً، في مجالات السياسة والاقتصاد.

وفي بلادنا العربية يترقب الجميع الرئيس القادم، لمحاولة توقع/استقراء سياسات الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، فمثلا هل ستكون الإدارة الأمريكية من الحزب الجمهوري الداعم لاسرائيل بشكل فج وغير محدود كما هو معتاد مع الجمهوريين؟ أم ستكون آقل دعما بشكل صريح أو أقل فجاجة بنسبة ما، أو ربما تحاول الادارة الامريكية إحداث بعض التوازن ولو محدود أو شكلي -كعادة الديمقراطيين.

اقرأ أيضاً: على الديمقراطية والأمن الآسيوي والعالمي.. أي خطر قادم مع ترامب؟

وهل ستكون الإدارة الأمريكية مساندة طوال الوقت لأنظمة حكم سلطوية وتتجاهل أي انتهاكات طالما العلاقة قوية مع الأنظمة الحاكمة أم سيكون هناك اهتمام حقيقي بقيم حقوق الإنسان ودفاع عنها؟ هل تستمر سياسات الإمبريالية والهيمنة التي لا تكترث بمصالح وتطلعات الشعوب الأخرى ؟ أم تكون الحروب أقل وطأة وتكون التدخلات الامريكية في شئون الدول الأخرى أقل حدة؟

نقاط كثيرة تهمنا وتؤثر علينا في الشرق الأوسط كمحكومين وحكام، لذلك متابعة برامج المرشحين وتوجهاتهم مهمة لمحاولة استقراء تصرفات الإدارة الأمريكية في الفترة القادمة

كانت المناظرة الأخيرة بين الرئيس الحالي چو بايدن والسابق دونالد ترامب بها الكثير من النقاط الملحوظة وبداية لجزء جديد من مسلسل الانتخابات الأمريكية، فقد تهكم ترامب على صحة بايدن وعدم قدرته على التركيز والحديث بشكل مفهوم، وهي ملحوظة حقيقية تؤرق الديمقراطيين أيضا قبل الجمهوريين .

وفي المناظرة أيضا تنافس بايدن وترامب في دعم اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وإن كان هذا متوقعا وغير جديد، فبايدن مرشح الحزب الديموقراطي قال إن دعم الولايات المتحدة لاسرائيل صلب كالصخر، أما ترامب مرشح الحزب الجمهوري فكان يرى أن بايدن لا ينتصر اسرائيل بالقدر الكافي وأنه يعطي فرصة كبيرة لحركة حماس لإعادة تنظيم صفوفها، وقال أن على بايدن “ترك إسرائيل لتكمل مهمتها بحرية أكبر.

في المناظرة يبدو أن ترامب تفوق على بايدن بشكل كبير رغم أن كليهما كال اللكمات للآخر، ولكن استطاع ترامب التهرب من إثارة موضوع أحداث 6 يناير واستخدام أنصاره للعنف في واشنطن العاصمة، ولكن جاء الإعلان الأخير عن إصابة الرئيس بايدن بفيروس كوفيد بمثابة نقطة انطلاق جديدة للبحث عن مرشح بديل له، (سواء كانت تلك الاصابة حقيقية أو مجرد ذريعة لانسحاب لائق) إلا أن الاصوات داخل الحزب الديمقراطي تصاعدت علانية للبحث عن مرشح بديل للحزب، فبعد المناظرة ظهر عدد من استطلاعات الرأي التي ترصد هبوط سريع في شعبية بايدن وزيادة شعبية ترامب،كما كانت محاولة اغتيال المرشح دونالد ترامب نقطة محورية أيضا في السباق، فعادت شعبيته في الصعود السريع كما زادت قيمة أسهم شركاته، لدرجة أن العديد من المسئولين في عدة حكومات أصبحوا يتوقعون أن عودة ترامب للسلطة أصبح مجرد وقت.

على الرغم من أن هناك من شكك في حقيقة محاولة الاغتيال أو أنها ربما تكون مفتعلة بعناية شديدة لهذا الهدف.
لكن اللافت للنظر فعلا هو قبول بايدن للمطالبات بانسحابه من المعترك الانتخابي، تغليبا لفكرة المصلحة العامة ومن أجل الحفاظ على فرص الحزب، وأيضا نزولا على رغبة قيادات عديدة بالحزب الديمقراطي، ونداءات شخصيات مهمة من داعميه طالبوه بإعادة النظر في مسألة الترشح، وسرعان ما أعلن دعمه لنائبته كامالا هاريس كمرشحة لمنصب رئيس الولايات المتحدة، والتي أصبحت بعدها مباشرة في مرمى الهجوم العنيف من الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام المحسوبة عليه.

تذكرني تلك الدراما المتصاعدة بمسلسل أمريكي شهير حظى بنسبة مشاهدة عالية منذ سنوات، وهو House of Cards, الذي يروي قصة زوج وزوجة من السياسيين اللذان استطاعا الوصول للبيت الأبيض عن طريق المكائد المحكمة والمخطط لها بعناية واستغلال الجميع ضد الجميع من أجل وصولهم للمنصب واستمراريتهم فيه.

يركز المسلسل على العملية المعقدة لصناعة السياسات في الولايات المتحدة، فبالرغم من أن نظام الحكم هناك رئاسي جمهوري صريح وأن الوزراء هم “سكرتاريا” للرئيس ويطلق على الوزير صراحة لقب سكرتير، إلا أن صنع القرار هناك ليس بيد الرئيس وحده، بل هي عملية غاية في التعقيد.

هناك توازنات عديدة وصراعات مكتومة بين البيت الأبيض والكونجرس والبنتاجون والقضاء، وينقسم الكونجرس بين الجمهوريين والديمقراطيين ويكون اتخاذ القرار وإصدار التشريع عملية غاية في التعقيد وتحتاج للعديد من المواءمات والصفقات، وكذلك حكام الولايات ليس بالضرورة أن يكونوا من نفس حزب الرئيس الامريكي، ولو كان حاكم الولاية من نفس الحزب فليس بالضرورة أن يكون على نفس خط رئيس الجمهورية.

وتعمل جماعات الضغط وجماعات المصالح الامريكية وشركات ال BR دور هام في صناعة السياسات وتوجه الرأي العام وفوز المرشحين أو اضعاف فرصهم، وهناك علوم معقدة لكيفية قياس استطلاعات الرأي أو توجيهها أحيانا.
ولكن رغم كل المساوئ في النظام السياسي الأمريكي، إلا أنه في نهاية المطاف هناك انتخابات تجري بجدية، وهناك عملية سياسية، وهناك تصويت حر وامكانية لتغيير الأشخاص والسياسات.

ويظل المواطن الامريكي بل ويظل العالم كله يحبس أنفاسه حتى اللحظة الاخيرة لمعرفة من الفائز، وعلى الخاسر احترام النتيجة مهما كانت ولا يجرؤ على الانقلاب على النتيجة مهما كانت سطوته.

و رغم عيوب النموذج الأمريكي في الديمقراطية إلا أن هناك دولة مؤسسات راسخة وإجراءات لا يمكن التنازل عنها مهما كان، وهناك وسائل اعلام لها قدر كبير من الحرية لانتقاد كل من في السلطة مهما كان منصبه.

حتى وقائع الفساد أو المؤامرات الكبرى، يتم كشفها ولو بعد حين، ونسمع طول الوقت عن الاستجوابات والمحاكمات لمسئولين ارتكبوا مخالفات أثناء توليهم السلطة، بل ويتم استجواب الرئيس وشن الحملات ضده وقد يصل الأمر لإقالات أو إجباره على الاستقالة عند الأخطاء الجسيمة ومخالفة الدستور، وهناك عملية انتخابية إجرائية واحترام لرغبة الجماهير وأصواتهم ويعتبر ذلك مقدسا في الديمقراطية الأمريكية.

اقرأ أيضاً : إن مات “ترامب” فكلكم “ترامب”.. ما نعرفه عن محاولة اغتيال مرشح الرئاسة الأمريكية

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة