في 31 مايو الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن خطة مفاوضات من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب في غزة. تتضمن هذه الخطة وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، يتبعه انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية وتبادل محدود للرهائن، وتدفق المساعدات. رغم ذلك، لا تزال هذه الخطة عالقة في مرحلة التفاوض، مثل العديد من المحاولات السابقة.
الأكثر من ذلك، أن المفاوضات نفسها قد تفاقم الوضع بين الأطراف المتنازعة إلى ما هو أسوأ، إذا غابت عنها شروط محددة تقيها أمراض التفاوض. وهو ما تتناوله مجلة “فورين آفيرز” الأمريكية بالتحليل في تقرير حديث يحاول الإجابة على سؤال لماذا تفشل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة؟
تفاصيل خطة بايدن لإنهاء الحرب في غزة
المرحلة الأولى: وقف مؤقت لإطلاق النار
دعا بايدن في المرحلة الأولى من مقترحه -الذي صرح بأنه مدعومًا إسرائيليًا- إلى وقف مؤقت لإطلاق النار. وربط هذا بانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية، وتبادل محدود للرهائن، وتدفق المساعدات إلى غزة.
تهدف هذه الخطوة إلى خلق بيئة ملائمة لبدء المفاوضات بين الطرفين.
المرحلة الثانية: وقف دائم للأعمال القتالية
إذا نجحت المفاوضات الأولية، ستنتقل الأطراف إلى المرحلة الثانية، التي تشمل وقفًا دائمًا للأعمال القتالية، وانسحابًا كاملًا للقوات الإسرائيلية، وتبادلًا كاملًا للرهائن.
تعد هذه المرحلة خطوة أساسية نحو إنهاء النزاع بشكل مستدام.
المرحلة الثالثة: إعادة الإعمار وتبادل رفات الرهائن
تتضمن المرحلة الأخيرة بدء جهود إعادة الإعمار في غزة وتبادل رفات الرهائن الإسرائيليين، بما يعزز استقرار المنطقة على المدى الطويل.

فرض المفاوضات أم تغيير سلوك الحرب؟
مبادرات إنهاء الحرب تلك سواء السابقة أو الحالية، رغم فشلها، تمثل محاولات لإنهاء المعاناة المستمرة الناتجة عن الحرب، ولكن هل يمكن أن تضر أكثر مما تنفع؟
تقول “فورين آفيرز” إن السجلات التاريخية تظهر أن التدخلات الدبلوماسية الخارجية غالبًا ما تكون لها عواقب سلبية. لم تتمكن القوى الخارجية من فرض وقف دائم لإطلاق النار دون دعم من الأطراف المتحاربة نفسها.
وفي بعض الأحيان، يمكن للجهود الخارجية لتسهيل الدبلوماسية أن تجعل الحروب أسوأ وتفاقم النزاع.
هنا، تنصح المجلة الولايات المتحدة وحلفائها بالضغط على حماس وإسرائيل لتغيير سلوكهما في زمن الحرب بدلًا من فرض مفاوضات غير مرغوب فيها.
اقرأ أيضًا: مفاوضات الدوحة.. محطة جديدة بمارثون “أوقفوا الحرب على غزة”
الذي يقبل المفاوضات “ضعيف”
المفاوضات أثناء الصراع عملية معقدة قد تؤدي إلى مجموعة من النتائج.
يمكن أن تنجح الأطراف في التوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين، أو تحديد مجالات حل وسط أكثر محدودية، أو قد يفشل الطرفان في إيجاد أي أرضية مشتركة، ما يؤدي إلى استمرار النزاع.
وبمعنى أوضح، المفاوضات بشكل عام لها تكاليف؛ إذ قد يخشى القادة من أن تظهر رغبتهم في التفاوض كعلامة على الضعف، وبالتالي يزيدون من شراسة القتال.
خلال الحرب الفيتنامية، حذر ماكسويل تايلور، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة والسفير في جنوب فيتنام، واشنطن من المبادرات الدبلوماسية تجاه فيتنام الشمالية، لأنها قد تفسر كعلامة على الضعف.
أعرب مسؤولون فيتناميون شماليون عن مخاوف مماثلة، ما أدى إلى تأخير محادثات السلام حتى عام 1968، بعد أن أثبت الجانبان قوتهما من خلال العمليات العسكرية.

الغلبة كمعيار للتفاوض
يمكن أن تؤدي اتجاهات ساحة المعركة المستمرة التي تُظهر قوة جانب واحد بشكل لا يمكن إنكاره إلى فتح مجال للتفاوض. لكن الاتجاهات غير المتوازنة في ساحة المعركة لا تضمن أيضًا الانفتاح على الدبلوماسية، إذا لم يتمكن المتحاربون من الوثوق بالخصم لاحترام التسوية الدبلوماسية.
في الحرب العالمية الثانية، رفضت المملكة المتحدة ودول أخرى التفاوض مع أدولف هتلر، لأنهم لم يثقوا في التزامه بصفقة سلمية.
دور المؤسسات الدولية والأطراف الثالثة
يشير تقرير “فورين آفيرز” إلى دور المؤسسات الدولية والأطراف الثالثة في الضغط على المتحاربين بطرق تسمح لهم بالسعي إلى السلام.
اقرأ أيضًا: كيف ومتى تنتهي الحرب على غزة؟
يقول إن الأطراف المتحاربة يمكن أن تعبر عن استعدادها للتفاوض كعمل من أعمال التعاون مع المجتمع الدولي. هذا السلوك يسمح لهذه الأطراف بالظهور كصوت معتدل وتأطير الخصم كمتمرد.
خلال حرب وادي سينيبا بين الإكوادور وبيرو في عام 1995، اقترح الرئيس الإكوادوري سيكستو دوران بالين على مجلس الأمن القومي طلب المساعدة الدبلوماسية من دول أخرى. ساعده هذا في إظهار جانبه كقابل للتفاوض، كما جنبه الظهور بمظهر الضعيف.

سوء النية في المفاوضات
هناك افتراض خاطئ بأن المفاوضات تجري دائمًا بحسن نية. ولكن، في كثير من الأحيان، يتفاوض المتحاربون بسوء نية، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير المحادثات لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية.
في الحرب الكورية، استخدمت كوريا الشمالية والصين المفاوضات لكسب الوقت وإعادة بناء قواتهما.
لماذا تحقيق السلام في غزة؟
يستعرض تقرير “فورين آفيرز” حالة غزة، فيقول إن إسرائيل وحماس “غير مستعدتين حاليًا” للتوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين. ويضيف أن هدف حماس الأساسي هو البقاء ككيان سياسي وعسكري، بينما تسعى إسرائيل إلى القضاء عليها.
هذه المواقف غير المتوافقة لا توفر مجالًا للاتفاق، وبالتالي، تتعقد جهود السلام.
تأثير الضغوط الخارجية على المفاوضات
هنا، قد تُجبر الضغوط المكثفة الأطراف المتحاربة على التظاهر بالاهتمام بالدبلوماسية والاستعداد للتفاوض. وقد تستغل الأطراف المتحاربة المحادثات لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية.
“إذا أُجبرت الأطراف على التفاوض -في حالة مثل غزة- دون حل لنقاط الخلاف الأساسية، فقد تؤدي المحادثات إلى زيادة العنف”؛ يذكر التقرير.
الطريق إلى اللا مكان
من المرجح أن يصمد اتفاق السلام عندما يكون أحد الأطراف أضعف من أن يقاتل أو عندما يعتقد كلاهما أن أي محاولة للتراجع ستؤدي إلى عواقب وخيمة.
هذه الشروط لا تنطبق حاليًا على الوضع في غزة؛ إذ لا تزال حماس مستعدة للقتال، وتواصل المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل.
تقول “فورين آفيرز” إن جهود الطرف الثالث -في حالة مثل حالة غزة- للضغط من أجل الدبلوماسية، يجب أن تكون مدروسة بعناية.
يعتمد السلام الحقيقي على ممارسة الدبلوماسية الدولية بحكمة، وتفادي التدخلات التي قد تؤدي إلى تفاقم النزاعات بدلًا من حلها. ولن يكون ذلك، إلا فقط من خلال التفاهم العميق لأهداف وظروف الأطراف المتحاربة، وبما يُمكّن الوسطاء من تحقيق السلام المستدام.