وصم المطلقات.. موروث شعبي يتزايد

في الطلاق لعنة تحملها النساء فقط، وتتحمل معها، وصماً مجتمعياً، يصبح تحت سياطه، كل من حولها بمثابة القاضي والجلاد، ينصب نفسه رقيباً على كل تصرفاتها، فيما تلاحق الناشطات المدافعات عن المرأة مزاعم بالتحريض على الطلاق.

شهادات عديدة رصدتها منصة "فكر تاني"، تجد المرأة نفسها فيها، وفق موروث شعبي يتزايد، مضطرة إلى تبرير وتفسير كافة تصرفاتها منذ البدء في اتخاذ قرار طلب الطلاق، حيث يفرض المجتمع عليها قوانينه الظالمة ، ويحسب كل خطوة من خطواتها، ثم يبدأ في تسجيل كل تصرفاتها ومراقبتها وحسابها، حتى يتدخل في طريقة ملابسها وسلوكياتها، حتى "يعدون عليها أنفاسها"، بحسب تعبير البعض.

اقرأ أيضاً: الأم المعيلة.. بطلة أبنائها

 "مروة" ناشطة حقوقية، تحفظت على ذكر اسمها بالكامل، تقول في حديثها لـ"فكر تاني": "أتعرض طوال الوقت لخطاب كراهية، لكوني نسوية في الأساس، أنا في وجهة نظر المجتمع أدافع عن النساء وحقهن في بيئة آمنة دون عنف وهم لا يحبذون ذلك ".

ويخاف المجتمع الذكوري ذا السلطة الأبوية، وفق ما هو مرصود، من الفاعلات في العمل الحقوقي وبالتحديد العمل النسوي، ويتهمهن بتشجيع النساء على الطلاق، حتى أن البعض يرى أن هؤلاء النسويات هم "مجموعة من المطلقات يرغبن في هدم الصورة النمطية للأسرة المصرية"بحسب مزاعمهم.

اقرأ أيضاً:قطع الكهرباء المتكرر.. لا أمان للنساء في الشوارع المظلمة

"مروة" تضيف أن الخطاب الموجه لها الآن أكثر حدة وعنفًا ، فهي الآن "امرأة مطلقة"، تخاف منها النساء على أزواجهن، ويتودد إليها الرجال بدعوى أنها أصبحت متاحة حتى إذا رفضت تلك التصرفات تجاهها، يتهمونها بأبشع الألفاظ، وفق تأكيدها.


وتكونت هذه الأفكار ، بسبب الدعم والمساعدات النفسية والقانونية الذي تقدمه النسويات، اللواتي بذلن على مدار سنوات مضت، مجهودات لافتة، من أجل التمكين الاقتصادي للمرأة، ومساعدة الفئات الأكثر ضعفًا التي لا تعرف حقوقها المدنية والقانونية، خاصة في مرحلة الطلاق.

"لا أنسى أبدًا، حين تحدثت إلى جارتي عن الضجيج الذي يصدر من بيتها ويمنعني من النوم، إلا أنها فجأة -كي تقطع الحديث بيننا- تجهمت في وجهي، وقالت لي أنني  مطلقة ناشز" تحكي مروة بتأثر وتعجب.

تصورات المجتمع

يتصور المجتمع المصري أن الطلاق أمرًا سهلًا، وأن النساء يقررن اللجوء إليه بلا تفكير وإنه "لأتفه الأسباب" ولا ينظر إلى الأثر النفسي والتبعات المجتمعية والمادية التي تؤثر على المرأة فور اتخاذها هذا القرار.

تقول "وسام" لـ فكّر تاني: "منذ سنتين، تطلقت من زوجي، ثم بعد فترة، تقدم زميل ابنتي في العمل إليها لخطبتها، لكن بعد أن عرف أهله أن أم العروسة مطلقة، رفضوا تمامًا".

"المجتمع ينظر إلى المطلقة كامرأة منحلة أخلاقيًا، لا يمكنها تربية أطفال أسوياء نفسيًا أو أخلاقيًا، لتدفع ابنتي ضريبة حريتي المستحقة "، تضيف وسام.

وتتحمل النساء بمصر، أغلب الأعباء المادية والمجتمعية، بعد الطلاق، حيث تضطر إلى أن تتحمل رعاية الأطفال والإنفاق عليهم وحدها، وسط مماطلات من الزوج السابق، دون الحصول على حق الولاية عليهم بسهولة، بالرغم من وجود نصوص قانونية تحفظ بعض حقوقهن إلا أنه يتم التحايل عليها وحرمانهن من حقوقهن.

اقرأ أيضاً: أعراض ما بعد الأمومة المفقودة

عقاب ووصم  

إن رفع الوصم عن النساء وتغيير خطابات الكراهية الموجهة إليهن -خاصة المطلقات- ليس رفاهية أو تفضلاً، وإنما هو ضرورة حتمية، وفق مطالبات حقوقية متكررة.

تعرضت "دعاء" للمضايقات في أحد شركات التسويق العقاري، بعدما حصلت على الطلاق بعد فترة قليلة من بداية العمل في هذه الشركة.

تحكي دعاء عما تعرضت له من مديرها، قائلة : "عندما بدأت المشكلات بيني وبين زوجي ، بدأ يُبدي اهتمامه بي،  بطريقة واضحة، وعاملني بطريقة مختلفة عن العادي، ثم بدأ سريعًا بعدما حدث الطلاق، في إسناد مهام وظيفية أكثر أهمية مما كنت أفعله في السابق، ثم تفأجات بالترقية، طبعًا مع الهمز واللمز من الزملاء". 

الأمر تطور بشكل مؤسف، بحسب "دعاء"، حيث قالت : "في البداية لم أفهم نواياه جيدًا، كنت أحاول أن أمضي في حياتي بشكلها الجديد وأن أجتهد في عملي، لكنه فاجأني ذات يوم وطلب مني صراحة إقامة علاقة معه، حينها أدركت السبب الحقيقي للترقية".

وتؤكد بحسب حديثها مع فكّر تاني، أنها عقب رفضها طلبه بشكل واضح، تغيرت معاملته لها، وتوالت عليها الجزاءات والخصومات، وحاصرها بالشائعات، وحين تقدمت بشكوى ضده قوبلت بالرفض.

ظلت سنتين من المعاناة في هذه الشركة، بسبب وصمة الطلاق، حتى اضطرت للاستقالة.

لقب مطلقة 

شاركتنا "رضا" بفصل من معاناتها، وتقول لـ" فكّر تاني " : "أنا من أسرة متشددة، لا تقبل بالخطبة فقط، مراعاة للعادات والتقاليد، طلبوا من خطيبي أن نعقد القران حتى يأتي موعد الزفاف، واستمر هذا الوضع لمدة عام بالكامل حتى حدثت بعض الخلافات وانفصلنا، ثم فجأة حصلت على اللقب ".

وتضيف "رضا" أن أمها بدأت في الضغط عليها منذ ذلك الحين، وكانت تستخدم الجملة الشهيرة "إنتي مطلقة والناس مبترحمش" كلما نشب بينهما خلافاً ، أو حتى لرفضها الزواج من رجال غير مناسبين لها، لأن وصم الطلاق ظل يطاردها.

وتعرب "رضا" عن شعورها بظلم شديد مما يحدث تحت رهاب الوصم ، قائلة :" أشعر بالظلم من أهلي والمجتمع، الكل يعاقبني على لقب كانوا سببًا في التصاقه بي".

السنوات الخمس الأولى

وبحسب دراسة حديثة، فإن أعلى نسبة لحالات الطلاق في مصر كانت تتم للأزواج خلال الخمس سنوات الأولى من حياتهم الزواجية، حيث بلغت النسبة 27.4% عام 2018، وتذبذبت بين الانخفاض والارتفاع خلال سنوات الدراسة لتصل إلى 27.7% عام 2020، مما يستدعي إجراء مسح متخصص للبحث فى أسبابه.

جاء ذلك في دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية ) تحت عنوان "اتجاهات وانماط الطلاق في مصر خلال الفترة "2018 - 2022".

وأوضحت الدراسة أن أعلى نسبة للمطلقين وفقاً للحالة العملية وغير ملتحقين بعمل بلغت 36.2% من إجمالي المطلقين عام 2018، وارتفعت لتصل إلى 38.3% عام 2022، وكذلك الحال بالنسبة للمطلقات فبلغت النسبة 89% عام 2022 ولم تتغير كثيرا في الأعوام السابقة.

وكان متوسط إشهادات الطلاق ارتفع من 25.1 حالة طلاق في الساعة عام 2018 إلى 30.8 حالة طلاق عام 202، وأعلى نسبة للمطلقين سجلت في الفئة العمرية "30 - 34 سنة" كانت 20.4% من إجمالي المطلقين عام 2018، واتسمت تلك النسبة بالثبات حتي عام 2020 ثم انخفضت لتبلغ 18.8% عام 2022.

وترتفع نسبة المطلقات في نفس الفئة العمرية حيث بلغت 18.2% عام 2018 مقابل 16.8% عام 2022.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة