لعبة الكراسي الموسيقية في وزارة المالية

في مصر، منصب وزير المالية هو الأكثر تبديلًا في التعديلات الوزارية منذ ثورة 25 يناير 2011، بمعدل وزير كل عام وأربعة أشهر، آخرهم إلى الآن الدكتور أحمد كوجك الذي حجز لنفسه المرتبة رقم 10 خلال 13 عامًا فقط.

سمير رضوان
سمير رضوان

كان الدكتور سمير رضوان أول وزير مالية بعد الثورة، تولى منصبه لمدة 6 أشهر فقط (31 يناير ـ 16 يوليو 2011)، وهو صاحب السيرة الذاتية الطويلة في برامج البحوث والسياسات الخاصة بقضايا التنمية، واستراتيجيات العمالة وسوق العمل، وسياسات التكيف الهيكلي والفقر.

واجه رضوان سلسلة الاحتجاجات الفئوية التي أعقبت ثورة 25 يناير، وقال -حينها- إنها كلفت الخزانة العامة نحو 7 مليارات جنيه وما يزيد على 13.5 مليار جنيه خسارة بالقطاع السياحي، فضلًا عن تراجع إنتاجية القطاع الصناعي بنسبة 50%. وقد تفاقم عجز الموازنة في عهده ليقترب من 9% من الناتج المحلي الإجمالي.

حازم الببلاوي
حازم الببلاوي

برحيل سمير رضوان تولى المنصب د. حازم الببلاوي في 16 يوليو، واستمر حتى 7 ديسمبر من العام ذاته. يدعم الببلاوي الليبرالية الاقتصادية ونظام السوق الحر، وقد استقال لأسباب سياسية بعد أحداث ماسبيرو.

قبل الاستقالة كانت هناك اختلافات في وجهات النظر بين الببلاوي والمجموعة الاقتصادية بخصوص الموازنة، التي تضمنت حينها زيادة في الإنفاق، مع وضع حد أدنى للأجور يصل إلى 700 جنيه، ليصل العجز إلى 134 مليار جنيه، استجابة للطلبات الفئوية، ودون تحديد طريقة للتمويل.

وكان الببلاوي يطالب بالاقتراض من صندوق النقد والبنك الدولي وهو أمر رفضته الحكومة وقتها.

وزراء رحلوا دون أن ندرك أسمائهم

بعد الببلاوي تم تكليف د. ممتاز السعيد في 7 ديسمبر 2011 وحتى 5 يناير 2013 ، وكان السعيد هو الوزير الأول بعد الثورة الذي جاء من بين أروقة الوزارة إذ أمضى فيها 40 عاما تدرج في مناصبها حتى صار رئيسًا لمكتب الوزير في وزارة المالية في عهد يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق.

ممتاز السعيد
ممتاز السعيد

تولى "السعيد" المنصب في وقت صراع سياسي مع الإخوان والسلفيين وهيمنتهم على البرلمان، وكان خطاب الرئيس الأسبق مرسي في مجلس الشورى، والذي احتوى على معلومات خاطئة، اضطر البنك المركزي لإصدار بيان لتوضيحها، السبب في إقالته، وقد دافع وقتها عن المركزي، وأكد أن المعلومات التي وردت بخطاب الرئيس كانت خاطئة.

تعرض "السعيد" لموجة هجوم عنيفة من اتحاد النقابات المستقلة بدعوى سعيه للاقتراض من الخارج، وارتفاع مديونيات الضرائب لدى كبار العملاء فقط، وتزايد نزيف التهريب الجمركي، فضلًا عن أزمة تصريحات حكومية حينها ألمحت لدراسة رفع الدعم عن البترول في ظل أزمة السولار والبنزين.

وزراء الشريعة والاقتصاد الإسلامي

بعد السعيد تم اختيار د. المرسي حجازي تماشيًا -حينها- مع توجهات جماعة الإخوان، إذ كان خبيرًا في المالية العامة والاقتصاد الإسلامي، ولديه مؤلف كبير بعنوان "النظام المالي الإسلامي". لكنه اصطدم بمحاولات مستمرة من عبد الله شحاته رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب "الحرية والعدالة" والمستشار الاقتصادي له، للسيطرة على قرارات الوزارة، حتى أن البعض وصفه بـ"الوزير الفعلي".

المرسي حجازي
المرسي حجازي

وفي عهد حجازي، ارتفع عجز الموازنة المصرية مرة أخرى إلى 200 مليار جنيه، وتوقفت الاستثمارات الأجنبية تمامًا، وحاول توفير مصادر تمويلية جديدة عبر قانون الصكوك الإسلامية الذي واجه حينها رفضًا من الأزهر، كما دخلت وزارته في مفاوضات لتوقيع عقد قرض مع بعثة الصندوق الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار، لكنها لم تكتمل.

لم يستمر حجازي في المنصب أكثر من خمسة أشهر، إذ تم استبداله بالدكتور فياض عبدالمنعم، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر الشريف وأمين هيئة الرقابة الشرعية للمصرف الإسلامي الدولي سابقًا، والذي لم يكمل في وزارته شهرين ونصف الشهر بعد ثورة 30 يونيو.

فياض عبدالمنعم
فياض عبدالمنعم

وزراء بعد 2013.. 5 في 11 عامًا

منذ ثورة 30 يونيو وإلى الآن، تم تغيير 4 وزارء مالية، هم الدكتور أحمد جلال، وهاني قدري دميان، وعمرو الجارحي، والدكتور محمد معيط، ليكون الدكتور أحمد كجوك هو الوزير الخامس في 11 عامًا فقط.

أحمد جلال
أحمد جلال

تولى الدكتور أحمد جلال المنصب في يوليو 2013 وغادره في فبراير 2014، ولديه سجل وظيفي طويل في مناصب دولية أهمها مستشار الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي، وبدأ وزارته بالتأكيد على رفض أي خطة تقشف وعدم اللجوء إلى قرض صندوق النقد الدولي، والذي كان سيلزمها ببرنامج تقشفي، مشددًا على قضية الدعم ودمج الاقتصاد الرسمى فى المنظومة الرسمية.

اتسمت سياسة جلال بالمكاشفة، ففي أول حواراته الصحفية أكد أن دعم الطاقة يكلف الدولة 120 مليار جنيه، وهو ضعف المبلغ الذي ننفقه علي دعم التعليم والصحة في 2013، وأعلن عن خطط لتقليص عجز الموازنة إلى 9% بدلًا من 14% حينها.

وقتها، قال إن حل مشكلة التضخم في وجود المنافسة التي تقلل الأسعار وتضبط المعروض من طبع النقود الذي تجاوز معدل النمو في الاقتصاد، محذرًا من زيادة عجز الموازنة، الذي أضاف أنه أساس الزيادة في الأسعار.

تحديات الطاقة مستمرة

هاني دميان
هاني دميان

خلف "جلال" في الوزارة، هاني قدري دميان الذي كان المفاوض الرئيسي لوزارة المالية مع صندوق النقد الدولي أبان فترة الرئيس الأسبق مرسي قبل أن يستقبل لاختلافه مع  عبدالله شحاته، مستشار وزير المالية حينها.

تولى دميان الأمور وكانت الفجوة التمويلية حينها 36 مليار دولار على مدار 5 سنوات، رغم أن الحكومة حصلت على مساعدات قدرها 10.6 مليار دولار من دول الخليج في السنة المالية 2013-2014. وقد عمل على الجانب الضريبي بفرض ضريبة 5% على أصحاب الدخول المرتفعة، وأقر قانون الضريبة على القيمة المضافة.

خفضت المالية في عهد دميان حجم الدعم على قطاع الطاقة ما رفع أسعار البنزين والديزل والغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 78%، وتسبب في زيادة التضخم. وبسبب تفاقم عجز الموازنة (12% من الناتج المحلي الإجمالي) تم تغييره في 2016، بعد أن فشلت وزارته في تحديد سُبل مقبولة لتمويل استكمال المشروعات الكبرى حينها بعيدًا عن الضغط على الموازنة العامة للدولة.

عمرو الجارحي
عمرو الجارحي

كان عمرو الجارحي في وزارة المالية الثالث من بعد 2013 إذ تولى منصبه في مارس 2016 وحتى يونيو 2018، وكان اختياره مثير للجدل حينها باعتباره رجلًا مصرفيًا، وتم دعمه عبر تعيين ثلاثة نواب من الأسماء الثقيلة، هم: عمرو المنير للضرائب، والذي استقال بسبب خلافات مع الجارحي، والدكتور محمد معيط الذي أصبح وزيرًا بعدها، والدكتور أحمد كوجك الذي أصبح الوزير الحالي.

في عهد الجارحي، تم تغيير حزمة من القوانين المهمة أهمها أحكام قانون الضريبة على الدخل برفع حد الإعفاء الضريبي إلى 8000 جنيه بدلًا من 7200 جنيه، وتعديلات قوانين المناقصات والمزايدات والجمارك والمساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة وقانون نقابة التجاريين.

وفي أول عام للجارحي بلغ العجز في الموازنة العامة لمصر حوالي 400 مليار جنيه، لكن في العام التالي، اهتمت وزارة المالية بالفائض الأولي وليس العجز الكلي للموازنة، وهو المقياس المحبب لمحمد معيط الذي كان نائبًا ثم أصبح وزيرًا، وقد سجل هذا المقياس فائضًا للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات بلغ نحو 1.9 مليار جنيه في يونيو 2018.

الدين العام.. تزايد سريع

آخر تصريح لعمرو الجارحي قبل أن يغادر منصبه كان عن الدين العام، والذي تضاعف 5 أضعاف في الفترة من 2013 حتى 2018. حينها أكد الوزير أن الحكومة تعمل على خطة متوسطة الأجل لخفض مستويات الدين العام من 107% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2016-2017 إلى 80% بحلول عام 2020. وبلغ الدين العام في السنة الأولى للجارحي 3.7 تريليون جنيه.

وزير المالية محمد معيط (وكالات)
وزير المالية محمد معيط (وكالات)

بعد الجارحي، تولى معيط الوزارة في يونيو 2018 حتى يوليو 2024 أي قرابة 6 أعوام كاملة، وواجهت وزارته مشكلة كبيرة مع جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ونشاط الحوثيين بالبحر الأحمر الذي أثر على المرور بقناة السويس. وكلها أزمات استند إليها الوزير في تبرير فقد الإيرادات وارتفاع عجز الموازنة لمستويات قياسية.

بدأ معيط عهده بدين عام يبلغ 4.3 تريليون جنيه تعادل 97.2% من الناتج المحلي، ولم تعلن وزارته عن آخر أرقام الدين العام. آخرها رسميًا كان للعام 2021/ 2022 برقم 5.3 تريليون جنيه، بينها 152.6 مليار دولار دين خارجي.

وبحسب مشروع موازنة العام المالي الجديد 2024/ 2025، بلغ إجمالي حجم الدين العام 17.4 تريليون جنيه، غالبيتها علي الموازنة العامة، بواقع 15 تريليون جنيه، إضافة إلى نحو 2.3 تريليون جنيه على الهيئات الاقتصادية، ويمثل الدين العام نحو 101% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الوزارة وضعت سقفًا لدين أجهزة الموازنة العامة للدولة والهيئات الاقتصادية لا يمكن تجاوزه في العام المالي الحالي.

كان السبب الرئيسي في ارتفاع الدين العام تعويم الجنيه أكثر من مرة، والذي رفع قيمة الدين الخارجي حال تقييمه بالجنيه، فالدولار ارتفع من مستوى 7 جنيهات إلى قرابة الـ 48 عامًا في آخر عشر سنوات، ما يعني أن الدين الخارجي يرتفع بالنسبة ذاتها حال تقييمه بالجنيه.

دخل "معيط" في خلاف على مدار عامين مع شركات الوساطة المالية، بسبب رغبته في تطبيق ضريبة بنسبة 10% على صافي الأرباح الناتجة عن التعامل على الأسهم اعتبارًا من يناير 2022، والتي تسببت في هبوط البورصة المصرية وجدلًا بالسوق.

كجوك.. الرجل الثاني لمدة 8 سنوات ونصف

تولى الدكتور أحمد كجوك منصب وزير المالية قبل خمسة أيام فقط، في اختيار يشبه إلى حد ما اختيار هاني قدري دميان، فكلاهما كان من العاملين في الوزارة وكلاهما تولى مسؤولية التفاوض مع صندوق النقد الدولي بخصوص برنامج التمويل الذي لا يزال مستمرًا إلى الآن.

أمضى "كجوك" 8 سنوات ونصف السنة في منصب نائب الوزير، وهي الفترة التي قضاها "معيط" في الوزارة سواء نائب أو وزيرًا، لكنه يمتاز بسجل أكاديمي متميز بالجامعات الدولية، فضلًا عن العمل بالبنك الدولي، وهو ما أشار إليه مجلس الوزراء في السيرة الذاتية لـ"كجوك" حينما ركز على قدرته التفاوضية.

يتسلم "كجوك" الوزارة مع تطبيق موازنة جديدة تتضمن زيادة المصروفات العامة بنحو 29% لتصل إلى 3 تريليونات و870 مليار جنيه، بما يمثل 22.6% من الناتج المحلي، إلى جانب مستهدف لخفض معدل دين أجهزة الموازنة العامة للدولة لأقل من 80% من الناتج المحلي بحلول يونيه 2027، وقد حدد مجلس الوزراء سقف دين أجهزة الموازنة العامة للدولة فى السنة الجديدة بمبلغ 15.1 تريليون جنيه.

الدعم والتضخم.. مشكلة مزمنة

الملاحظ أن وزراء ما بعد ثورة 25 يناير كانت لديهم تحديات واحدة تقريبًا، أولها الدعم، وكيف يمكن استهداف المستحقين، وجدلية الدعم العيني أم النقدي، والتي لم يتم حسمها إلى الآن، لكن معيط كان الأكثر جرأة حينما قررت وزارته رفع الخبز التمويني من 5 لـ 20 قرشًا لتقليص بند الدعم بالموازنة.

في الفترة من 2011 وحتى 2014 كان التحدي الأكبر لوزراء المالية هو عدم الاستقرار السياسي والمطالب الفئوية وجدلية الاقتراض الخارجي ومخاطره. ومنذ 2016، واجه وزراء المالية مشكلة مختلفة تتعلق بارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه والذي رفع معدلات التضخم والفائدة فأصبحت المشكلة مضاعفة في فوائد الديون وحسابات الدين الخارجي حال تقييمه بالجنيه.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة