يمكن أن يعيش أحدهم مضطهدا كونه أحد أفراد مجتمع الميم عين، في مصر، أو لأنه يتخذ موقف من الأديان الرسمية المعترف بها. كأن يكون ملحدا أو غير مؤمن بهذه الأديان أو ينتمي للديانة البهائية أو لاديني مثلا. ولكن؛ المؤكد أنه سيتعرض لاضطهاد مضاعف في حال كان الاثنان معا. وقتها سيصبح مختلفا عن النظام الأبوي السائد ويجب أن يتحمل تبعات ذلك من اضطهاد وتمييز ونبذ وحرمان من أبسط الحقوق.
تقاطعية الإلحاد والهوية الجنسية غير النمطية
فهم التراتبية الأبوية وتبعاتها في ترسيخ اضطهاد وتهميش المختلفين هو أول خطوات العلاج. من الوارد أن يتعرض أحد للخطر في المجتمعات التي لا تؤمن بالتعددية الفكرية، في حال كان الشخص يحمل هوية مختلفة عن السائد سواء في الدين، أو الميول الجنسية، أو الهوية الجندرية.
بينما يكمن الخطر المضاعف عند التعرض لتمييز مركب وهو ما يعرف بـ “التقاطعية“. وفقا لموقع “ويكي الجندر” فالتقاطعية مفهوم ظهر -لأول مرة- بداية الثمانينيات على يد “كيمبرلي كرينشو” في ورقة بحثية حاولت من خلالها تقديم إطار نظري تحليلي لتقاطع أشكال التمييز الذي تتم ممارسته على النساء الملونات. ثم اتسع المفهوم ليستوعب التشابك بين مصادر التمييز والاضطهاد المتعددة لفهم أشكال وأسباب التمييز.
“بو” كما يفضل أن يطلق على نفسه هو شاب مثلي الجنس وملحد من أصول مسيحية يروي لمنصة “فكر تاني” معاناته مع التمييز المركب قائلا :”أنا شخص كويري وملحد، أتعرض للكثير من الضغوط والانتهاكات بأشكال مختلفة؛ سواء من أفراد الأسرة أو الجيران أو زملاء العمل. كما أن هناك الكثير من الأسئلة المحرجة لي. مثل: لماذا لم تتزوج؟ لماذا لا تذهب إلى الكنيسة؟”.
تلك الأسئلة المحرجة وضعت “بو” في موقف جعلته ينتقي ردوده حسب علاقته بالسائل. لكن؛ في الغالب تكون أجوبته منقوصة ولا تذكر حقيقته كاملة؛ خشية أن تتحول حياته إلى جحيم.
اقرأ أيضا: “ادبحلها القطة”.. إثبات الرجولة على حساب أجساد النساء في ليلة الزفاف
أنا ملحدة لكن أرتدي الحجاب

وبينما يختلف مفهوم الإلحاد من دولة لأخرى، من الصعب معرفة التقديرات الدقيقة للأعداد الحالية للملحدين. أجريت عدة استطلاعات عالمية شاملة حول هذا الموضوع، أبرزها استطلاع لمؤسسة جالوب الدولية سنة 2015. إذ شارك في الاستطلاع أكثر من 64,000 مشارك، أشار 11% منهم إلى أنهم «ملحدون بقناعة»، في حين كانت نتيجة استطلاع سابق في سنة 2012 تشير إلى أن 13% من أفراد العينة عرفوا عن أنفسهم بأنهم «ملحدون بقناعة». وبحسب مسح من قبل هيئة الإذاعة البريطانية في عام 2004، وُجد أن نسبة الملحدين كانت حوالي 8% من سكان العالم.
تحكي لنا نهال، وهي شابة مثلية الجنس وملحدة، كيف أنها ارتدت الحجاب رغمًا عنها. تقول: “ارتديت الحجاب في سن صغيرة جدًا، مثل زميلاتي في المدرسة؛ إلا أنني بعدما كبرت وتشكل وعيي وتفكيري، لم أستطع التوقف عن ارتدائه، لأنه لدي قيود مجتمعية وأسرية تمنعني من ذلك. أغلب صديقاتي يقلن إن شكلي أجمل بالحجاب“.
تشعر نهال أنها تعيش في بلد آخر أو كأنها تعيش حياة أخرى، بسبب ميولها الجنسية التي تخفيها عن عائلتها. كذلك آرائها عن الدين التي جعلت منها شخصًا غير مؤمن بالدين الذي تربت عليه. تقول: “في الواقع أنا لا أهتم لشكلي، وإنما لقناعتي الشخصية وأسعى لأكون إنسانة متسقة مع ذاتها؛ إلا أنني لا أستطيع؛ خوفًا من أهلي ومن المجتمع. ناهيك عن إخفائي لميولي الجنسية. أشعر وكأنني أعيش بأكثر من شخصية فقط لإرضاء من حولي”.
وفقًا لدراسات، فإن معدلات الإلحاد هي الأعلى في أوروبا وشرق آسيا: 40% في فرنسا، و39% في بريطانيا، و34% في السويد، و29% في النرويج، و15% في ألمانيا، و25% في هولندا، و12% في النمسا أجابوا بأنهم لا يؤمنون بوجود أرواح أو آلهة أو قوة خارقة، وجاءت النسب أعلى لمن عبروا عن إيمانهم بوجود روح أو قوة ما وهؤلاء يطلق عليهم لادينيين أو لا أدريين. بلغت النسب في شرق آسيا 61% في الصين و47% في كوريا الجنوبية.
المجتمع يرفضنا
فيما صرح أحمد حرقان، ناشط حقوقي وأحد ضحايا التمييز بناءً على الدين في مصر، لمنصة “فكر تاني“، أن أعداد الملحدين في مصر في تزايد يدهش الجميع، رغم القمع؛ لكن هناك أصواتًا مسموعة لهم. وأضاف أنه تمكن بالرغم من العوائق التي وُضعت أمامه، من التحدث داخل مصر. عبّر عن قناعته وأوصل صوته. كذلك استطاع أن يعبر عن آرائه من خارج مصر بعدما تمكن من التغلب على منع السفر الذي وُضع له، من خلال تسلل الحدود مشيًا على الأقدام إلى السودان، ثم تشاد، فليبيا، وأخيرًا تونس.
ويعتقد أن الكثير من الشباب سيتمكنون قريبًا من إيصال صوتهم وتطوير وعي مجتمعهم فيما يخص الدين، بغض النظر عن التحديات.
بينما تتحدث العابرة جندريًا مريم (اسم مستعار) عن معاناتها المضاعفة. من ناحية آلام العمليات الجراحية والهرمونات الخاصة بالعبور الجندري. كذلك الرفض المجتمعي لذلك العبور. ومن ناحية، إخفاؤها لهويتها واعتقاداتها الدينية؛ خوفًا من تهديدات عائلتها أو خسارة باقي أصدقائها. وتؤكد العابرة جندريًا أنه على كلا الصعيدين، يتم توجيه نصائح لها، قد يكون ظاهرها المحبة والخوف على مصلحتها؛ لكنها ترى أنها “شديدة الإيلام لها”.
أما “م. ع”، عابر جندري والذي تعرض لعنف وتمييز نتيجة كونه عابرًا جندريًا ولديه قناعات دينية مختلفة عن السائد، يقول لمنصة “فكر تاني“: “لم أكن كباقي أصدقائي، أتمتع بالحرص الكافي لأبقي فمي مغلقًا. كنت أصرح بهويتي الجندرية كما لا أخشى الحديث عن معتقداتي الدينية على الملأ”.
لكن يبدو أن الأمور لم تسر وفقًا لما خطط له، إذ تم محاربته وتهديده بدءًا من المقربين والأصدقاء، وصولًا لمتابعين افتراضيين على شبكات التواصل الاجتماعي. ليالٍ وأيام قضاها وهو يتساءل عما يضير المجتمع عندما يعلن شخص اختلافه؟ وإلى الآن لم يجد إجابة شافية.
مع الوقت تعلم “م.ع” التعايش مع كونه مختلفًا وأن هناك ضريبة عليه دفعها، وكذلك أفراد أسرته. بينما يحكي عن واقعة حدثت معه قائلًا: “في عملي تم إجباري على تركه، بعد تدخل مديري وملاحظته بدايات عبوري الجندري وتعليقه على أفكاري الدينية، إذ قال لي: إنتِ مسترجلة كده ليه؟ وبعدك عن الدين ده هو اللي هيدمر حياتك”.
لا يزال الكثيرون من المختلفين وغير النمطيين عقائديًا أو جندريًا يخوضون معارك يومية. محاولين إيجاد مساحة للحصول على بعض الحقوق مثل المتوافقين مجتمعيًا. إذ يتصور المجتمع أن تتشكل شخصية الفرد وميوله ومعتقداته الدينية، وفقًا لرؤيتهم. هذه المنهجية تؤثر على الأفراد وتخلق فجوات تؤثر على مسار التنمية الاجتماعية.
