عن مجتمع “الميم”.. ثلاثية “التضييق والرفض والعنف”

أنهت قوات الشرطة المصرية الجمعة الماضية مظاهرات شعبية، انطلقت للتضامن مع الشعب الفلسطيني في العديد من الميادين بالمحافظات المصرية. واستمر التواجد الأمني المكثف بالشوارع حتى ساعات متأخرة من الليل. هذا التواجد الأمني عادة ما يثير الرعب في قلوب المواطنين من أفراد مجتمع الميم ع، وذلك لسهولة تمييزهم واصطيادهم من قبل الأمن بسبب الشكل غير النمطي الذي قد يميزهم عن المغايرين.

من نفس الزاوية الأمنية، فإن مجتمع العابرين والعابرات أيضًا يتعرض لنفس الخطر بل وأشد وذلك لعدم وجود أوراق ثبوتية تتناسب مع هوياتهم الجندرية المعلنة إما بسبب طول المدة الزمنية اللازمة لاستخراج هذه الأوراق أو بسبب كثرة الإجراءات وتعقيدها وصعوبة الحصول على إثبات طبي مناسب لحالتهم، وذلك سواء قاموا بإجراء جراحي أم لا، مما يعرضهم لإلقاء القبض عليهم والتنكيل بهم.

كل ذلك، يدق ناقوس خطر للفت الانتباه إلى العنف والتمييز الذي يتعرض له المواطنون من أفراد مجتمع الميم ع، ممن يعانون من عدة مشاكل. فعلى سبيل المثال لا  الحصر نذكر المشاكل المجتمعية المتعلقة برفض ونبذ المجتمع والأصدقاء لهم، التعليقات الجارحة من المحيطين، عدم توافر فرص عمل لاسيما بالنسبة للعابرين بسبب صعوبة الحصول على إثبات هوية مناسب للهوية الجندرية الحقيقية للفرد مما يترتب عليه مشاكل اقتصادية وانخفاض في مستوى المعيشة، التعرض للضرب والتعنيف، عدم وجود رعاية صحية مناسبة تتناسب مع احتياجاتهم الجندرية وعندما تتوافر هذه الخدمات تكون  بأسعار مبالغ فيها، أيضًا التعرض للعنف الطبي القائم على الهوية  ولأنماط مختلفة من الوصم والتمييز، والإصرار على إنكار هويتهم الجندرية والسخرية منهم لهذا السبب.

وضع قانوني ملتبس

كل هذه المشاكل لا تعدو شيئا مقارنة بالمشاكل القانونية التي قد يتعرض لها أي شخص بمجرد أن يعبر عن كونه فرد من أفراد مجتمع الميم ع. في واقع الأمر، لا توجد مادة في القانون المصري تجرم العلاقات المثلية ولكن من الممكن أن يواجه الفرد تهمًا أخرى مثل “اعتياد ممارسة الفجور” وأن من يتم الاشتباه فيهم على أنهم من مجتمع الميم يتم التنكيل بهم في أقسام الشرطة في حال اعتقالهم وأيضًا يتم تحريض المساجين الآخرين للاعتداء عليهم لفظيًا وجسديًا وجنسيًا وفق بعض الشهادات التي أدلى بها محبوسون سابقون من قبل.

تصاعدت وتيرة الملاحقات الأمنية في عام ٢٠١٧ بعد الحفل الشهير لـ”مشروع ليلى ” والذي تم فيه رفع “علم الرينبو” حيث تم إلقاء القبض على الكثير من المثليين والعابرين، كما قام المجلس الأعلى للإعلام على إثر ذلك بحظر الظهور الإعلامي للمثليين وأصحاب الهويات الجندرية المختلفة.

إن التعبير عن الميول الجنسية والهوية الجندرية أمر في غاية الأهمية بالنسبة لكل مواطن من أفراد مجتمع الميم ع. حيث أن قبول الذات والتصالح مع النفس هو بداية السلام النفسي الذي يسعى إليه كل إنسان وهو الطريق لمجتمع خالي من العنف والتطرف والتمييز ضد الآخر، وهو أمر ليس سهلا كما يعتقد البعض بل إنه يحتاج للكثير من الشجاعة حيث يجابه الفرد  كل هذه الصراعات النفسية والمخاوف بمفرده وذلك  قبل إعلان كهذا وأيضًا  يتحمل التبعات والنتائج المترتبة على هذا الإعلان  بمجرد حدوثه.

يقال دائما أنه “من رحم المعاناة يولد الحب” فعندما تمر مجموعة ما من البشر بمعاناة أو اختبار ظروف سيئة مشتركة يتولد بينهم نوع من أنواع الروابط الإنسانية القوية التي تذيب المسافات وتقربهم من بعض في وقت قياسي، وهو ما يحدث أيضًا لأي أقلية تتعرض لانتهاك ما أو لصعوبات في المعيشة أو اضطهادات قانونية ومجتمعية ولكن ليس دائمًا تكون هذه المقولة مطبقة بحذافيرها على أرض الواقع. هذه الروابط الإنسانية موجودة وبقوة في مجتمع الميم ع ومجتمع العابرين ولكن لا يُخفى على أحد انتشار رهاب المثلية الجنسية ضد المثليين أوثنائيي الجنس أو مزدوجي ومتعددي الميول الجنسية أو العابرين والعابرات.

المفارقة هنا أن هذا الأمر ليس شائعًا فقط في مجتمع المغايرين ولكن أيضًا منتشر في مجتمع الميم وهو غريب ولكنه حقيقي   وموجود بنسب. فقد تجد فردًا من مجتمع الميم ع يعاني رهاب المثلية!!  وهو ما يلفت الانتباه إلى أن العنف والتمييز الذي يتعرض له أفراد مجتمع الميم ع ومجتمع العابرين سواء من مجتمع المغايرين أو العنف الموجه منهم لأنفسهم. وأنه من حق الأفراد أن يكونوا احرارًا وعلى طبيعتهم دون التعرض للقهر أو العنف أو المساءلة القانونية وأنه يجب التوقف عن كل هذه الانتهاكات الموجهة ضدهم، وفتح المجال أمام حرية الرأي والتعبير عن التوجهات الجنسية والهويات الجندرية للمواطنين من مجتمعات الميم وأصحاب الهويات الجندرية المختلفة دون أي تهديد أو خوف .

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة