شهدت منظمات المجتمع المدني حادثة شهيرة واستثنائية في 2007. في أحد المراكز الحقوقية، بعد حدوث خلاف بين موظفة مسيحية ومديرة المركز، ووجدت المديرة علي كمبيوتر الموظفة دعوة لندوة دينية بالكنيسة، قررت المديرة فصل الموظفة بحجة استخدام كمبيوتر المركز في أعمال "التبشير المسيحي".
شغلت هذه الحادثة المنظمات الحقوقية لعدة شهور، وحدث انقسام كبير داخل الحركة الحقوقية التي كانت متنامية ومزدهرة في تلك الفترة، عمل عدد من الحقوقيين علي إنهاء الموضوع سريعًا، وكان الاقتراح المتفق عليه حصول الموظفة علي تعويض مناسب لفصلها تعسفيًا، وهو الاقتراح الذي رفضته المديرة بإصرار، أما القسم الآخر من الحقوقيين فرأى أن اتهام التبشير رغم عدم واقعيته هو حض على الكراهية كما يمثل خطراً كبيراً، حيث يمكن لأي متطرف أن يعتدي علي الموظفة بسبب تلك التهمة، وبالطبع ثار جدل واسع حول علاقة التبشير بحرية الرأي والتعبير.
اقرأ أيضًا:هل يعرف القانون المصري جرائم الكراهية؟
قدمت الموظفة بلاغ للنائب العام تتهم مديرة المركز بالحض علي الكراهية، وتعرضها لأضرار مادية ومعنوية نتيجة الاتهام بالتبشير، واستندت الموظفة للاتفاقية الدولية لمناهضة التمييز العنصري، والتي وقعت عليها مصر، وأحال النائب العام البلاغ للنيابة المختصة.
كانت جلسة سؤال المبلغة أمام النيابة مختلفة عن البلاغات الأخرى، كان وكيل النيابة متعاطف بشكل واضح مع الموظفة، وحرص علي سؤالها عن كل تفاصيل الخلاف، وبدى أنه اقتنع تمامًا بتعرضها للتمييز والحض علي الكراهية لكن للأسف كان غير قادر علي مساعدتها فالقانون المصري لا يعرف جريمة التمييز العنصري، ورغم أن الاتفاقية الدولية تعد جزء من القانون المصري لكنها لا تتضمن نصوص عقابية، وهكذا انتهت الحكاية بدون جبر الضرر.
إن عدم تنظيم القانون لموضوع معين يسمى في فقه القانون "فراغ تشريعي" ويعني ذلك أن على المشرع سد هذا الفراغ في أسرع وقت ليمنع الإفلات من العقاب، والعجيب أن هذا النقص التشريعي معروف منذ دستور 1923 علي الأقل، والذي نص في المادة الأولى على مبدأ المساواة على أساس المواطنة، ومع انضمام مصر لمنظومة الاتفاقات الدولية الحقوقية، وانتشار منظمات حقوق الإنسان في مصر، اهتمت الحركة الحقوقية بقضية التمييز حتى أن العديد منها أعد بالفعل مشروعات قوانين لمناهضة التمييز، لكن الحكومات المتتابعة كانت تتجاهل ذلك بإصرار ربما تجنبًا لغضب التيار الديني.
اقرأ أيضًا:عنصرية المقهورين
ومع دستور 2014. والذي جاء بعد تغيرات كبيرة في المجتمع المصري، والذي لم يكتف بالنص على المواطنة والمساواة بل تناول التمييز والحض علي الكراهية بنص خاص في المادة 53. والتي عددت صور التمييز والحض علي الكراهية، وألزمت الحكومة بالقضاء علي التمييز وإنشاء مفوضية مستقلة لمناهضة التمييز، تفاءل الكثيرون خيرًا بقرب صدور قانون يعاقب علي التمييز والحض علي الكراهية.
لكن لأسباب غير معروفة، لم يحدد الدستور زمن محدد لإنشاء المفوضية، وإصدار قانون يعاقب على التمييز والحض علي الكراهية، ورغم وجود جرائم الحض علي الكراهية بشكل واضح في مصر سواء بسبب التمييز الديني مثل الاعتداء علي المواطنين المسيحيين بسبب بناء الكنائس، وجرائم التمييز بسبب الجنس والتي تعاني منها المرأة المصرية إلا أن الحكومة مازالت تتجاهل التكليف الدستوري بإنشاء مفوضية مناهضة التمييز، ومازال القانون عاجزا عن مواجهة جرائم الكراهية، ومازال المواطنين يعانون من التمييز.