لا تزال الاشتباكات مستمرة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تشهد منذ أسابيع مواجهات أثارت قلق المجتمع الدولي.
صرح الجيش السوداني أن قواته بالتعاون مع القوات المشتركة للحركات المسلحة، تمكنت من دحر ما وصفها بـ”المليشيا الإرهابية”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع، خلال اشتباكات في الفاشر، حيث نقلت وسائل إعلام محلية ودولية تأكيدات بتدمير عدد من المركبات القتالية والاستيلاء على أخرى. فيما أفاد بيان للجيش أن قوات الدعم السريع تتعمد قصف الأحياء المأهولة بالسكان المدنيين لإفراغ المخيمات من سكانها.
وبث الجيش السوداني صورًا قال إنها تظهر هزيمة قوات الدعم السريع في معركة الفاشر. كما أفادت قوات الدعم السريع أنها تمكنت من صد هجوم للجيش السوداني المدعوم بحركات مسلحة.
حرب السودان.. لماذا الفاشر؟
تتمتع الفاشر بأهمية إقليمية كبيرة باعتبارها المقر التاريخي للقوات المسلحة ومركزًا تجاريًا استراتيجيًا مع تشاد وليبيا المجاورتين.

وبينما تراجعت حدة القتال في ولايات الخرطوم والجزيرة وتخوم سنار، مع تبادل القصف المدفعي وقصف المسيّرات في أم درمان والخرطوم بحري وولاية نهر النيل، وردت أنباء عن تقدم الجيش شرقي وغربي ولاية الجزيرة وسط السودان. وتركزت حدة المعارك مؤخرًا في محيط مصفاة الجيلي شمال العاصمة السودانية، ومحيط مدينة الفاشر في شمال دارفور.
اقرأ أيضًا: الأطفال وقود حرب “حميدتي والبرهان”.. والنساء ملذاتها
وتبادل طرفا النزاع في السودان الاتهامات حول مسؤولية بدء الهجوم واشتعال المواجهات في مدينة الفاشر، فمن جانب، أكد المتحدث باسم الجيش السوداني، نبيل عبد الله، أن قوات الجيش السوداني تصدّ هجمات “الدعم السريع” بعد تعرضها لاعتداءات في مواقع عدة، وخاصة في مدينة الفاشر.
الحياد لم يعد موجودًا
وأكد مصطفى إبراهيم، مستشار قائد “قوات الدعم السريع”، أن المواجهات الأخيرة في الفاشر كانت ردًا على هجوم نفذته الحركات المسلحة والجيش، استهدف “قوات الدعم السريع” المتمركزة في أطراف الفاشر.
وقال عبد الله لـ”وكالة أنباء العالم العربي”، الثلاثاء: “قواتنا موجودة في مواقعها وتتعرض للهجوم، والشيء المنطقي والمتوقع بالطبع هو أن نقوم بالردّ على هذا الهجوم وصدّه، وهذا هو ما يحدث في الفاشر أو في أي مواقع أخرى”.
وفي المقابل، قال مصطفى إبراهيم إن “قوات الدعم السريع الموجودة في ولاية شمال دارفور موجودة فقط في مراكزها منذ توقيع اتفاق مع الحركات المسلحة التي كانت على الحياد تمامًا، ولم تدخل في هذه الحرب، واتفقنا معهم على عدم مهاجمة مدينة الفاشر وعدم مهاجمة قوات الجيش الموجودة هناك”.
وأضاف: “لكن عندما خرجت هذه الحركات المسلحة عن الحياد، وأعلنت انضمامها للجيش في هذه الحرب، أصبح هذا الاتفاق غير ملزم لنا، وعلى الرغم من ذلك لم نهاجم مدينة الفاشر على الإطلاق”.
معركة الفاشر.. عرقية تشبه رواندا
وأوردت صحيفة “الجارديان” أن الفاشر، التي ظلت تخضع للحصار طوال الأشهر السبعة الماضية، وانها كانت محمية بسلام هش، ولكن منذ أبريل الماضي، ارتفعت أعمال العنف في ضواحيها بعد أن تعهدت أقوى جماعتين مسلحتين ساعدتا في الحفاظ على السلام بالقتال إلى جانب الجيش.
وذكر التقرير أن الفاشر تُعتبر مركزًا إنسانيًا لدارفور، وتستضيف عددًا كبيرًا، منهم مئات الآلاف من النازحين، بسبب العنف العرقي في دارفور على مدى السنوات الـ20 الماضية. وهناك مخاوف خطيرة بشأن التأثير على المدنيين إذا قررت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها شن غزو واسع النطاق، ليس فقط بشأن القتال نفسه ولكن أيضا بشأن احتمال وقوع فظائع إذا سيطرت قوات الدعم السريع.

وكانت قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها قد استهدفت جماعة المساليت في جميع أنحاء دارفور بما في ذلك مدينة الجنينة وتعتقد الأمم المتحدة أن ما يقرب ل ١٥ألف شخص قتلوا العام الماضي في مجزرتين.
ومن الممكن أن يأتي هجوم من قبيلة محمد المتحالفة مع قوات الدعم السريع، والتي تسيطر على جزء كبير من شمال دارفور، في حالة انفلات سيطرة قيادة قوات الدعم السريع على القبيلة.
وقال توبي هاروارد، نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان: “بما أن المدينة هي موطن لمجتمعات عربية وإفريقية، فإن معركة شاملة من أجل السيطرة من شأنها أن تسبب إراقة دماء مدنية واسعة النطاق، وتؤدي إلى هجمات انتقامية في جميع أنحاء دارفور وخارجها، مضيفا “يجب عمل كل شيء لمنع تكرار التاريخ في دارفور”.
كما لفت الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء متقاعد أمين إسماعيل، في تصريحات صحفية، إلى أن “الدعم السريع” يركز استراتيجيًا على فصل دارفور من خلال عمله على إخلاء كل القرى في محيط الفاشر، وتدمير معسكر “زمزم” للنازحين.

وأشار إسماعيل إلى أن “المكونات الإثنية التي تدعم الدعم السريع ستجد نفسها في ورطة إن هاجمت القوات الفاشر، لأن ذلك سيقود حتماً لحرب أهلية قبلية، خاصة وأن مجتمع دارفور بشكل عام يقوم على القبلية والحواكير (الأراضي) وهي الأراضي التي تتبع لقبائل دارفور”.
وأضاف: “ثمة قبائل بعينها تعتبر أن الفاشر تقع ضمن حواكيرها (أراضيها)، ودخول الدعم السريع للمدينة سيثير نقمتها، وهو الأمر الذي أخرج الحركات المسلحة من حالة الحياد إلى القتال إلى جانب الجيش السوداني”.
وحذّر إسماعيل من انتقال “العدوى” إلى دول الجوار بسبب تداخل القبائل والإثنيات. وقال إن “المذابح المحتملة” في الفاشر ستكون أكبر مما جرى في رواندا، منتصف التسعينيات.
اقرأ أيضًا: احموا النساء من الاغتصاب.. “ود مدني” تستقبل “الدعم السريع”
وفي وقت سابق، حذرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، لينا توماس جرينفيلد من “مجازر واسعة النطاق”، حال تفجر القتال في الفاشر.
التحشيد القبلي مستمر في الفاشر
ومن ناحية أخرى، أكد الصحفي عبدالرحمن العاجب وجود عملية تحشيد للقبائل في الفاشر؛ بنية تحويل الصراع هناك إلى صراع عرقي، لكنه استبعد انزلاق الأوضاع نحو الصراع الأهلي، قائلًا إن “الرهان على الحركات في تحشيد قبائلهم واستقطابها للقتال في صف الجيش ضد قوات الدعم السريع، في محاولة لجر الأوضاع نحو الصراع القبلي، مخطط مكشوف وتم إفشاله بسبب الوعي وسط المجتمعات”.
وأوضح العاجب، في تصريحات صحفية، أن أي رهان على اندلاع صراعات قبلية في دارفور رهان خاسر؛ لانتشار “الوعي المجتمعي والمصلحي” الذي ساد بين أوساط شعب دارفور، فضلًا عن توازن القوة الذي حدث في الإقليم؛ بسبب امتلاك كل القبائل الأسلحة المتطورة والفتاكة؛ ما يجعل كل قبيلة تأخذ حذرها من الأخرى.

وتخوف القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، من أن القتال في الفاشر قد يخلف أفظع وأكبر كارثة إنسانية، أشد من تلك التي حدثت في الجنينة ونيالا والجزيرة، متوقعًا حدوث موجة نزوح داخلي ولجوء إلى دولة تشاد واقتتال على أساس الهوية؛ لأن هناك من يخطط لذلك، وفق قوله.
وأشار الصادق إلى وجود عمليات تحشيد واصطفاف عرقي في الفاشر التي تؤوي مجموعات كبيرة من الفارين من ولايات أخرى سبقتها بالحريق، وفق قوله.
اقرأ أيضًا: ماذا يحدث في دارفور؟
وقال: “الذي يجري في الفاشر الآن هو تحركات عنيفة ومدروسة ليس لتوسيع رقعة السيطرة وإنما لزيادة الاحتقان، وإيغار الصدور حتى يجد دعاة الحرب ضالتهم في رفض الطرفين الجلوس للحوار، وقطع الطريق أمام مباحثات قد يدعو لها الوسطاء الفترة المقبلة في منبر مدينة جدة”.
الفاشر.. أكثر من مليون سوداني مهددون
في حصارها للفاشر، قطعت قوات الدعم السريع خدمات المياه والكهرباء كما مُنع الغذاء من الوصول إلى أهل المدينة التي تضم آلاف النازحين فروا إليها هربًا من الموت في مدن القتال الأخرى، بحسب خبراء في شؤون المجتمع المدني بإقليم دارفور.
وينتظر سكان الفاشر الموت في كل لحظة سواء من الجوع أو العطش أو من القصف والاشتباكات، بينما يأكل الأطفال والنساء الحشائش وأوراق ولحاء الأشجار، وفق تصريحات شامو أبكر – وهو من منطقة الطويلة غربي الفاشر، الذي يضيف في شهادة صحفية: “نحن نعاني من نقص الغذاء، وعادة ما نأكل وجبة واحدة في اليوم، وهي وجبة الإفطار.. لقد فقدت الكثير من الناس بسبب الحرب، ولا أستطيع أن أذكرهم جميعًا. أفتقد الأمان في منزلي، والآن أجلس تحت الشجرة وتحت هذه الخيمة مشتاقًا إلى بيتي”.
يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 1.5 مليون نسمة، بينهم 800,000 نازح داخليًا فروا إلى المدينة بسبب الصراع الدائر.
ويقول المدنيون في منطقة دارفور إنهم يعيشون في خوف دائم مع عدم توفر سوى عدد قليل من الأماكن التي يمكن الذهاب إليها، وصعوبة الحصول على المساعدات.

وتقول منظمة الإغاثة الدولية (أوكسفام) إن النازحين معرضون لخطر الوقوع أسرى في معركة طويلة بين الميليشيات المسلحة. ويقول توبي هاروارد: “سيكون هناك ضحايا من كل المجتمعات المحلية في دارفور إذا تقاتلت الأطراف المتحاربة من أجل السيطرة على الفاشر”.
وقالت منظمة “أطباء بلا حدود” إن مستشفى الفاشر في المدينة استقبل 489 حالة من القتلى والمصابين منذ العاشر من مايو، بما في ذلك 64 وفاة، لكنها أضافت أن العدد الحقيقي أكبر بكثير.
وأضافت أن مستشفى آخر تدعمه كان شاهدًا على مقتل 27 شخصًا في مطلع الأسبوع، اضطر لإغلاق أبوابه بعد غارة جوية للجيش على بعد 50 مترًا.
ويقول أيوب خضر، أمين شؤون إقليم دارفور في منظمات المجتمع المدني السودانية: “ازدادت معاناة المجتمعات في إقليم دارفور، خصوصًا النساء والأطفال نتيجة الحرب والنزاع بين الجيش والدعم السريع”.
وأشار أمين شؤون الإقليم إلى أن “أكثر من 700 ألف شخص نزحوا من مدن دارفور إلى الفاشر، في الأشهر الماضية، والآن وبعد وصول المعارك للفاشر، ربما ينزحوا للمرة الثانية، وهم يعانون من العنف غير المبرر من طرفي النزاع”.
وأضاف “خضر” إلى أن “ما يقرب من مليون طفل تتعرض حياتهم للخطر مع مرور الساعات، أكثر من 3 مليون شخص نزحوا إلى مناطق أخرى داخل إقليم دارفور”. وأكد أن “الأوضاع الإنسانية في ولايات دارفور صعبة للغاية، إلا أن مدينة الفاشر هي الأكثر صعوبة ومأساة بسبب المعارك، التي تدور حاليا بين الجيش والدعم السريع”.
ويتوقع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن يصبح المزيد من الناس على حافة المجاعة في أجزاء أخرى من السودان بما في ذلك العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة ومناطق كردفان.
وقال كارل سكاو مدير العمليات في برنامج الأغذية العالمي إن البرنامج لدية شاحنات جاهزة في بلدة تينا الحدودية التشادية، لكن يتعين تمكينها من التحرك قريبًا.
وأضاف، لـ”رويترز”، بعد رحلة إلى بورتسودان حيث حاول التفاوض مع الجيش من أجل تسهيل الدخول هذا الأسبوع “الفرص تتضاءل والأمطار ستهطل ونحتاج إلى تحرك خلال الأسبوعين المقبلين”.