“الحرس” في هرمز و”المرتزقة” في الإمارات.. هل تندلع حرب خليج جديدة؟

بينما دخل الصراع في الشرق الأوسط مرحلة جديدة بمواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب -لم تنفها حقيقة أن الضربة الإيرانية لإسرائيل ضعيفة على المستوى العسكري- تتزايد حمم التوترات وتنتقل إلى أطراف أخرى في المنطقة الملتهبة حول غزة، منذرةً بمزيد من التعقيد، تقول الصحف العالمية إن عنوانه حرب تصريحات عدائية وتشكيلات من المرتزقة بين الإمارات وإيران.

قبل ثلاثة أيام، أعلنت إيران تنفيذها أول هجوم مباشر بأكثر من 300 صاروخ ومسيرة، من أراضيها ضد إسرائيل، بينما تمكنت الأخيرة بمساعدة عربية وغربية من التصدي لـ99% من هذه الهجمة التي وصفت بالاستعراضية، وتزامنت مع تحذيرات إيرانية بالرد على أي عدوان ضدها ينطلق من أي قاعدة أمريكية بأي من دول المنطقة.

اقرأ أيضًا: إيران تضرب إسرائيل.. إعادة ضبط الشرق الأوسط “على وضع خطر”

وقد خرج أحد كبار الحرس الثوري الإيراني -قبل ذلك- ليعلن أن التواجد الإسرائيلي بالإمارات له أهداف عسكرية ضد طهران.

كان هذا تهديد مباشر للدولة الخليجية، وهو الثاني خلال الفترة الأخيرة، بعد أن داهمت قوة كوماندوز إيراني – أسقطتها طائرة هليكوبتر يوم السبت- سفينة قبالة مدينة الفجيرة الإماراتية الساحلية، بالقرب من مضيق هرمز، وفق ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” عن مقطع فيديو وثق هذه العملية.

سفينة حربية تابعة للبحرية الإيرانية تشارك في اليوم الوطني للخليج الفارسي في مضيق هرمز، في 30 أبريل 2019 (وكالة الأنباء الفرنسية)
سفينة حربية تابعة للبحرية الإيرانية تشارك في اليوم الوطني للخليج الفارسي في مضيق هرمز، في 30 أبريل 2019 (وكالة الأنباء الفرنسية)

الإمارات وإيران.. الصداقة والعداء مع إسرائيل

في 9 أبريل الجاري، ذكر قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني، علي رضا تنكسيري، أن الوجود الإسرائيلي في دولة الإمارات يمثل تهديدًا لطهران، وأنها قد تغلق مضيق هرمز في حالة الضرورة.

ونقلت وكالة أنباء “الطلبة” شبه الرسمية عن “تنكسيري” قوله “إذا تعرضنا للاستهداف فإننا نرد، لكننا أيضًا لسنا متسرعين في انتقامنا.. بإمكاننا إغلاق مضيق هرمز لكننا لم نفعل. ولكن إذا أزعجنا العدو، فسنعيد النظر في سياساتنا”.

تتعامل طهران مع الإمارات باعتباره “صديق عدوي”، وهي أبرز دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ 30 عامًا، بموجب “اتفاق إبراهيم” الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في 2020.

ورغم أن أبوظبي لديها أيضًا علاقات دبلوماسية وتجارية طبيعية مع طهران، فإن إيران ترى أن “الصهاينة لم يأتوا إلى الإمارات لأغراض اقتصادية وإنما للعمل الأمني والعسكري”، وأن “هذا تهديد لطهران وينبغي ألا يحدث” عبر مضيق “هرمز”، الذي يمر عبره نحو خمس إجمالي استهلاك النفط عالميًا.

تُظهر بيانات “فورتيكسا للتحليلات النفطية” أن 20.5 مليون برميل يوميًا في المتوسط من النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية مرت عبر هرمز في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023.

الإمارات وإيران وأزمة الجزر الثلاث

في سبتمبر الماضي، جددت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي في الإمارات، ريم الهاشمي، مطالبة بلادها إيران بحل قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى). وقد خيّرت طهران ما بين التفاوض المباشر أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، لحسم الأحقية في ملكية الجزر. بينما سبق ذلك بيان مشترك من وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، أكدوا فيه دعمهم دعوة الإمارات للتوصل إلى حل سلمي للنزاع حول الجزر الثلاث “من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية، وفقًا لقواعد القانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة”.

اقرأ أيضًا: محور المقاومة.. يد إيران بالمنطقة وسلاحها في حرب غزة

وهو ما رد عليه المتحدث باسم هيئة الأركان الإيرانية، العميد أبو الفضل شكارجي، فقال إن “هؤلاء الطامعين يجب أن يروا جانبًا من سلاحنا لكي لا يرتكبوا خطأ في حساباتهم”، وفقًا لما نقلته وكالة تسنيم الإيرانية.

وقد أجرت القوة البحرية للحرس الثوري مناورات قبل أيام في مضيق هرمز حملت اسم “العميد الشهيد إسحاق دارا”، قال “شكارجي” إنها “تحمل رسالة، ورسالتها إلى دول المنطقة هي التخلص من التبعية للأجانب لإحلال الأمن.. ثقوا بنا ونحن سنضمن إحلال الأمن في هذه المياه”.

إيران والعرب والتحذير القوي

وفيما يبدو حرقًا للغة الدبلوماسية الهادئة التي سادت الفترة بين الخليج وإيران برعاية صينية قبل الحرب في غزة، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني، عقب الهجمات الأخيرة على إسرائيل، أن “طهران سترد بقوة على أي دولة تفتح مجالها الجوي أو أراضيها لمهاجمة إيران”.

وأشار مراقبون إلى اعتبار التحذير الإيراني رسالة لعواصم عربية خليجية في وقت بالغ الخطورة، حيث تبحث تل أبيب طرق الرد على طهران. وقد أعلنت لبنان والأردن والعراق إغلاق مجالها الجوي، تزامنًا مع الضربة الإيرانية ضد إسرائيل.

فيلق أجنبي للإمارات.. رسالة أبو ظبي إلى طهران

تُعرف الإمارات بأنها مركزًا للمرتزقة في إفريقيا والشرق الأوسط، ولكن يبدو أن قادتها الآن يستهدفون ما هو أبعد بإنشاء نسختهم الخاصة من الفيلق الأجنبي الفرنسي. الأمر الذي يحمل توقيته رسالة مبطنة لطهران، تُفيد بأن أبو ظبي جادة في تأمين جبهتها الداخلية بالاعتماد على فيلق مُدرب جيدًا من مرتزقة أوروبا في حال فكرت طهران باستهدافها.

اقرأ أيضًا: الإمارات وهوس الإمبراطورية البحرية

في المجموع، يعيش حوالي تسعة ملايين شخص في دولة الإمارات، لكن مليون منهم فقط هم من الإماراتيين، فيما يبلغ عدد القوات المسلحة الإماراتية حوالي 65 ألف فرد، من 30 : 40% منهم أجانب.

وبحسب تقرير لمؤسسة ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، صدر عام 2023، فإن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة موجودة في كل بلد تقريبًا في العالم، وقد تم استخدامها لأول مرة في دولة الإمارات في عام 2009، عندما أنشأ إريك برينس، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية ومؤسس شركة “بلاكووتر بي إم إس سي”، لواءً قوامه 800 فرد في الإمارات.

الفيلق الجديد.. فرنسي بمقابل 2000 دولار للجندي

بحسب تقرير لصحيفة “دوتشه فيله” الألمانية، فإن تاريخ الكشف عن تلك الوظيفة المشبوهة “المرتزقة” كان في نهاية الأسبوع الماضي، وجاء عبر إعلان الوظيفة، الذي بدا وكأنه بداية فيلم أكشن.

جاء في هذا الإعلان أنهم يبحثون عن “جنود أجانب”، وتضمنت الشروط، أن يكون عمر المتقدمين أقل من 50 عامًا، وأن يكونوا منضبطين للغاية ولائقين بدنيًا، والمتطلبات الأخرى: ما لا يقل عن خمس سنوات من الخبرة العسكرية والقدرة على التعامل مع “الضغوط الهائلة”، على أن يبدأ الراتب من 2000 دولار (حوالي 1840 يورو)، ويزيد بمجرد أن يكون الموقع خارج دولة الإمارات، وتحديدًا في اليمن أو الصومال.

وكانت المجلة التجارية الفرنسية “Intelligence Online” أول من نشر تقريرًا عن إعلان الوظائف، ما يشير إلى استهداف الجنود الفرنسيين على وجه التحديد. وقد أدى المزيد من البحث في حقيقة هذا الإعلان إلى شركة المنار العسكرية (MMC)، وهي شركة استشارات أمنية مقرها في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، ويرأسها قائد سابق للقوات الخاصة الفرنسية، وترتبط ماليًا بعائلة ثرية ذات نفوذ سياسي في الإمارات.

ومنذ 2019، حرصت الإمارات على تأمين نفسها عبر التعاون مع كبار الضباط الأمريكيين. وقد ذكرت وكالة “رويترز” للأنباء أن الإمارات دفعت تكاليف بناء وحدات للحرب الإلكترونية. وفي عام 2022، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الإمارات واصلت إشراك كبار العسكريين الأمريكيين السابقين للمساعدة والتدريب.

وقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أن الإمارات استأجرت مرتزقة، بينهم أمريكيون وإسرائيليون، كان من المفترض أن ينفذوا هجمات ذات دوافع سياسية في اليمن. كما تم تدريب بعض السكان المحليين على هذه المهمات.

وللإمارات خبرة جيدة في التعامل مع المرتزقة، وتُعرف بأنها مركزًا لوجستيًا وتمويليًا مركزيًا لمجموعة “فاجنر” الروسية سيئة السمعة، وأنشطتها في السودان وليبيا، على سبيل المثال.

إيران جادة في ردع علاقة الإمارات بتل أبيب

وفي ظل هذه الأجواء الملبدة، يتوقع المراقبون احتمالية متزايدة لانفجار حرب خليج ثالثة في أي لحظة، وهم يقيسون ذلك باستيلاء الحرس الثوري الإيراني على السفينة الإسرائيلية بداية هذا الأسبوع، ويعتبرون هذا الحادث مؤشرًا على تنفيذ سريع لتهديدات قائد سلاح البحرية في الحرس الثوري الإيراني حول الوجود الإسرائيلي في الإمارات وما يمثله من تهديد لأمن إيران.

وتشير هذه الهجمة إلى قرار الحرس الثوري الإيراني تعطيل الجسر البري الذي يربط الهند بدولة الاحتلال انطلاقًا من دبي وأبو ظبي ومرورًا بالسعودية والأردن وصولًا إلى حيفا، وهو الجسر الذي يشكل بديلًا للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، التي تعطلت بفعل هجمات الحوثيين.

وتشير التسريبات الإعلامية الأمريكية، إلى أن إيران أعدت خطة انتقامية -في حال مهاجمتها مجددًا- بضربات صاروخية تصل في غضون 12 دقيقة إلى أهدافها في حيفا، ومفاعل ديمونا، والبنى التحتية للمياه والكهرباء في العمق الإسرائيلى، وهو ما يثير المخاوف من حرب إقليمية شاملة.

وتلفت تقارير الصحف الغربية إلى أن الهجوم الأخير على السفينة قبالة السواحل الإماراتية بالقرب من مضيق هرمز يعنى أن إيران وبحريتها وضعت يدها على المضيق عسكريًا، وربما هذا مقدمة لإغلاقه في وجه الملاحة البحرية ليس أمام إسرائيل فقط، وإنما في وجه الأمريكيين والبريطانيين والدول الغربية الأخرى المنضوية تحت راية حلف الناتو، أو المتحالفة معه، وهذا قد يشمل دولًا عربية خليجية وخاصة الموقعة لاتفاقات إبراهيم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة