هل تستطيع الحكومة إجبار القطاع الخاص على تنفيذ الحد الأدنى للأجور؟

يظل تطبيق قرار المجلس القومي للأجور برفع الحد الأدنى بالقطاع الخاص مرهونا بقدرة وزارة العمل على إجبار  مجالس إدارات الشركات على التنفيذ، ومنع التحايل من بعضها عبر تهديد العمال بورقة التصفية، أو في ظل منح القرار استثناءات من التطبيق للمنشآت متناهية الصغر التي تمثل الغالبية العظمى من القطاع الخاص بمصر.

قرر المجلس، برئاسة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد، الأحد، رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص إلى 6 آلاف جنيه، اعتبارًا من شهر مايو 2024،  بدعوى تحقيق مصلحة العاملين خاصة مع المستجدات الأخيرة والتغيرات الاقتصادية داخليًا وخارجيًا.

ارتفع الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص أكثر من مرة خلال العامين الماضيين، إذ ارتفع في يناير 2022 إلى 2400 جنيه، ثم 2700 جنيه في يناير 2023 وتبعه يوليو 2023 إلى 3 آلاف جنيه، و3500 جنيه في يناير 2024، ثم إلى 6 آلاف جنيه، شاملة جميع عناصر الأجر متضمنًا حصة صاحب العمل في الاشتراك التأميني، لكن ذلك لم يرض الكثير من العاملين حتى الآن.

العمالة والأجور.. من يلزم القطاع الخاص؟

يقول محمد حسين، عامل بشركة قطاع خاص: “عمال القطاع الخاص مظلومين دايمًا مرتباتهم أقل من مرتبات اللي شغالين في الدولة رغم أن بيشتغلوا ساعات أكتر.. ومنتجين بيكسبوا أصحاب المصانع.. واللي مش عاجبه يتقاله أمشي ونجيب غيرك شباب صغير بنص الراتب”.

حسب بيانات المركزي للإحصاء، فإن متوسط عدد ساعات العمل الاسبوعية أعلى مستوياته بين العاملين في القطاع الخاص “46.9 ساعة” ثم يليه القطاع العام والأعمال العام  43.4 ساعة، بينما ينخفض هذا المتوسط إلى 38.8 ساعة بالقطاع الحكومي.

وغالبًا ما تغفل عقود العمل في القطاع الخاص الكثير من البنود التي تضمن حقوق العمال، إذ لا تتضمن صراحة قيمة الراتب وطريقة زيادته وطبيعة الوظيفة  وكيفية الحصول على الإجازات العارضة والمرضية، كما لا يملك غالبيتهم العظمى نسخة من العقود موقعة من الطرفين ومختومة بختم الشركة الرسمي.

اقرأ أيضًا: بمتوسط 222 دولارًا.. دول الصراعات حالها أفضل من مصر بقائمة الأجور

ويتساءل أحمد شاكر، عامل بشركة قطاع خاص عن مدى قدرة الحكومة على فرض كلمتها على القطاع الخاص، قائلاً: الحد الأدنى بتاع ديسمبر  لسه بعض الشركات واخداه بعد محايلة من صاحب العمل.. بعض أصحاب الأعمال بيقولوا للعمال مهما كانت شطارتهم في العمل مش عجبك أمش روح اشتغل في الحكومة طالما هي اللي زودتك”.

يفاقم من وضعية عمال القطاع الخاص في نوعية اختيارهم من قبل الشركات، إذ كشفت دراسة حديثة عن ارتفاع معدل توظيف الأميين وحملة محو الأمية عن حملة المؤهلات العليا عام 2020، فمعدل البطالة بين الأميين كان الأقل عند 2.7% وحملة شهادة محو الأمية 4.3% ومؤهل أقل من المتوسط 5.7% أما الجامعيين فكانت نسبة البطالة بينهم 17.5%.

مشكلة القطاع الخاص أكبر

محسن سعيد، عامل بالقطاع الخاص، يقول إن مشكلات العمال في القطاع الخاص أكبر من الراتب قائلًا: “العامل دلوقتي نفسه يقبض في ميعاده الأول قبل الزيادة ، وإدارات الشركات دائما بتمشي كلمتها على العمال، وما حدتش منهم يقدر يقول حاجة”.

وطالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قبل سنوات بإصدار قانون يشمل جميع العاملين بالقطاع الحكومي والعام والخاص، به عقوبات رادعة على من لم يلتزم بتنفيذ الحد الأدنى للأجور، بجانب وجود حصانة للعاملين بالقطاع الخاص من الأعمال الانتقامية فى حال مطالبتهم بتنفيذ ما يصدر من قرارات الحد الأدنى للأجور.

وضمن مشروع قانون العمل الجديد بعض الحقوق للعمال من بينها حمايتهم من إجبار بعض رجال الأعمال لهم على التوقيع على استقالة قبل توقيع عقد العمل، وتثبيت من تمر عليه أربع سنوات بعقد عمل محدد المدة، وضمان التأمين الصحي والاجتماعي لهم، لكن الكثير من أصحاب الأعمال لم يلتزموا ببند التعيينات ولا التأمين الصحي.

بحسب البيانات الرسمية، فإن 24.2% من العاملين في المنشآت التابعة للقطاع الخاص يعملون بموجب عقود عمل قانونية، و34.2% فقط منهن لديهم بتأمين اجتماعي، أي أن الغالبية العظمى من العاملين بذلك القطاع ليس لديهم عقود أو تأمين صحي. 

المنشآت متناهية الصغر والعمالة والأجور

ودعا مجدي البدوي، نائب رئيس اتحاد عمال مصر، الدكتورة هالة السعيد رئيس المجلس القومي للأجور إلى وضع آلية محددة تضمن تطبيق القرار على جميع مؤسسات قطاع الخاص بدون استثناء حتى لا تتحايل أي مؤسسة على تطبيق القرار.

يثير منح استثناء المشروعات متناهية الصغر التي يقل عدد العمال بها عن 10 عمال المخاوف بشأن حرمان عمال تلك المشروعات من حقهم في زيادة الراتب، خاصة أن المجلس اقتصر  في تعريفه للمشروعات متناهية الصغر على عدد العمال فقط، رغم وجود تعريفات أخرى يمكن الاستناد إليها مثل حجم رأس المال أو رأس المال المدفوع والأرباح.

وتقول الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط، إن استثناء المنشآت الصغيرة يأتي في إطار حرص الحكومة على تحقيق التوازن في مصالح طرفي الإنتاج من صاحب العمل والعامل، خاصة في ظل التحديات الراهنة، بالإضافة إلى سعيها الحفاظ على حقوق العمال ومكتسباتهم، وتوفير حياة كريمة لهم، واستقرار المنشآت وتحقيق أعلى إنتاجية لخدمة عملية التنمية في الدولة.

ويوجد العديد من التعريفات للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بمصر ، فوفقًا للقانون 141 لعام 2014 فإن المنشأة متناهية الصغر هي كل منشأة فردية يقل رأسمالها المدفوع عن 50 ألف جنيه، والمنشأة الصغيرة هي كل منشأة فردية لا يقل رأسمالها المدفوع عن 50 ألف جنيه، ولا يزيد عن مليون جنيه.

بحسب جهاز الإحصاء، فإن المشروعات متناهية الصغر هي التي يعمل بها خمسة عاملين فأقل، أما المشروعات الصغيرة فهي التي يعمل بها 50 عاملاً فأقل، أما البنك المركزي ووزارة التجارة والصناعة فيحدداها وفقًا لحجم الأعمال السنوية، لتكون المشروعات متناهية الصغر هي التي يقل ججم أعمالها عن مليون جنيه بعدد 10 عمال فأقل، والصغيرة من مليون لأقل 50 مليون جنيه بعدد 200 عامل فأقل.

85% من عمالة مصر قطاع خاص

بحسب مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فإن القطاع الخاص يمثل 97.2% من المشروعات متناهية الصغر، وهي المشغل الرئيـسي إن لم يكن الوحيد للمشـتغلين بدون أجر والعمالة منخفضة المهارة، حيث تنخفــض نســبة المشتغلين بأجر لها عنها بمشـروعات القطـاع الخـاص إلى نحو 0.7% من قيمتها، وحتى المشتغلين بأجر بها يقل متوسـط الأجـر فيها إلى 46.4 % عن متوسـط الأجر في إجمالي المنشآت.

ووفقا لبيانات “البنك المركزي” و”المركزي للإحصاء”، يبلغ عدد المنشآت متناهية الصغر 3.4 مليون منشأة، فيما يبلغ عدد الشركات المتوسطة 2200 منشأة والصغيرة 217 ألف منشأة، ويعمل بها جميعا 9.7 ملايين مشتغل، وتشكل تجارة الجملة من أهم الأنشطة التي استحوذت على العدد الأكبر من هذه المنشآت.

وقال بدوي إن القرار زيادة الأجور بالقطاع الخاص كان حتميًا لمواجهة الأعباء المالية وتحقيق الاستقرار الوظيفي والحماية الاجتماعية في مواقع العمل، كما يتماشي مع إيمان الدولة بأهمية تمكين القطاع الخاص، وتفعيل دوره لقيادة النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة.

الدكتور أشرف غراب
الدكتور أشرف غراب

يشير الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية، للنقطة ذاتها، قائلًا إن العاملين بالقطاع الخاص يمثلون نحو 85% من إجمالي العمالة على مستوى الجمهورية، وبالتالي قرار رفع أجورهم يحقق العدالة الاجتماعية خاصة بعد تطبيق نفس الزيادة على العاملين بالقطاع الحكومي.

لكن غراب يضيف أن رفع الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص أمر ليس سهلا كما يحدث بالقطاع الحكومي حيث يحتاج القرار اجتماعات الحكومة مع رجال الصناعة والأعمال للتشاور معهم في القرار وتطبيقه ومدى الضغوط التي ستواجههم حتى لا يتأثر النشاط الاقتصادي.

وسجل مؤشر ستاندرد أند بورز جلوبال لمديري المشتريات في مصر إلى 47.6 نقطة في مارس الماضي وظل أقل من عتبة 50 نقطة التي تفصل بين النمو والانكماش للشهر الأربعين على التوالي، بسبب حجم الطلب الضعيف والضغوط التضخمية المرتفعة في التأثير على إنتاج الأعمال.

وأكد غراب أن قرار الحد الأدنى للقطاع الخاص  يزيد الرعاية والحماية والدعم للعمال وتحقيق مستوى معيشي وحياة كريمة تليق بهم، خاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم الفترة الماضية ليتناسب دخل العامل مع متطلبات حياته حتى لا يتأثر مستوى معيشته من ارتفاع الأسعار.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة