الإعاقة في الإعلام المصري.. إشكالية الرؤية والمساحة

 

يمثل الإعلام أهمية خاصة في التطرق لقضية الإعاقة، حيث يعد المصدر الأول للمعلومات عن الأشخاص ذوي الإعاقة، فطبقا لدراسة مسحية للجمعية الأمريكية للصحة العقلية، يحصل 70% على المعرفة بالأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية من البرامج الإخبارية التلفزيونية، ونسبة 58% من الصحف، و31% من البرامج الحوارية، و25% من الإنترنت.

هذا الدور الخطير للإعلام، يمكن أن يكون من أهم العوامل  لتقديم صورة إيجابية عن الإعاقة، ومناهضة الاتجاهات السلبية السائدة ضدهم، لكن هذا الدور يرتبط عضويا بالثقافة السائدة مجتمعيا تجاه الإعاقة، فالإعلام يتأثر بالثقافة كما يؤثر فيها، لذلك غالبا ما يقوم بدور سلبي في مجال الإعاقة، من خلال تبني الصور النمطية، ونشر رؤية العجز، فطبقا لدراسة أجريت بالسعودية كانت النتائج سلبية جدا، حيث أكد 50% ممن خضعوا للدراسة التأثير السلبي علي حالتهم العقلية، وأكد 34% زيادة شعورهم بالإحباط والقلق من التغطية الإعلامية، وعبر 22% عن ميلهم للعزلة بسبب الإعلام، واعترف 8% منهم بوجود نزعة للانتحار، وتكشف تلك النتائج عن الرؤية السلبية للإعاقة في الإعلام العربي.

اقرأ أيضًا:حركة الأشخاص ذوي الإعاقة في معركة الدستور

إشكالية الرؤية، تتمثل في تبني الإعلام خاصة المصري والعربي لرؤية العجز، انطلاقا من الثقافة الدينية بالأساس، والمنهج الطبي بالتبعية، فالإعاقة كمفهوم بالثقافة العربية، تعني حالة قدرية وعلى الإنسان تقبلها كمصيبة أو كاختبار إلهي، والشخص ذو الإعاقة في حاجة للعطف والإحسان والمساعدة، أما الرؤية الاجتماعية التي ترى الإعاقة كاختلاف طبيعي، وترى الحواجز البيئية والثقافية التي تمثل الجانب المادي للإعاقة فمازالت بعيدة عن الإعلام المصري.

التجارب الإعلامية العالمية، تؤكد أن تطور الرؤية جاء بالتجربة، فأول وحدة إعلامية متخصصة بالإعاقة في التليفزيون البريطاني تأسست في الخمسينات، وتبنت رؤية ” الطبيعية ” حيث تقدم الشخص ذو الإعاقة كمتحدي للعجز، وتناولت برامج التلفزيون البريطاني كل قضايا الإعاقة باستثناء البرامج الكوميدية وبرامج المسابقات، هذه الرؤية عمقت صورة العجز، خاصة الحث علي تقديم التبرعات حيث قدمت الإعاقة كحالة بين الموت والحياة، لذلك تعرضت لهجوم كبير من منظمات الإعاقة استمر عقود حتي عمت مظاهرات ذوي الإعاقة بريطانيا عام 1990. وكان نتيجة ذلك حدوث تغير جذري في برامج الإعاقة، حيث تبنت رؤية الاختلاف وعملت البرامج علي تقديم صورة الشجاعة وإظهار القدرات، وعملت البرامج علي كسب التأييد لأنشطة حركة الإعاقة، ويتشابه الأمر في الإعلام الأوربي بشكل عام، فتغير الرؤية ارتبط بحركة الإعاقة وممارستها لضغوط لتغير المفهوم السلبي.

الإعلام المصري متأخر كثيرا مقارنة بالإعلام الغربي في مجال الإعاقة، فمازال متوقف عند رؤية العجز/ التحدي، ومتأثر بشكل كبير بالرؤية الدينية، والمرحلة الاستثنائية كانت من 2010 حتي 2014. حين ارتبط الإعلام بالحركة الاجتماعية للإعاقة التي كانت فاعلة خلال تلك الفترة، وحاول العديد من الإعلاميين تقديم رؤية تقدمية للإعاقة، وحرصت العديد من البرامج علي متابعة أنشطة الحركة وتأييد مطالبها، لكن للأسف تراجعت الرؤية التقدمية من جديد لصالح رؤية العجز، وتقديم صورة سلبية لذوي الإعاقة ( متحدي – بركة – رباني…الخ ) وارتبط ذلك بتراجع حركة الإعاقة، وغياب أي ضغوط على الإعلام.

تأتي إشكالية المساحة ملازمة للرؤية الرجعية، فرغم ضعف الدراسات المسحية للإعاقة في الإعلام المصري لكن دراسة وحيدة غير منشورة صدرت عام 2013. عن منظمة إعاقة دفاعية، كشفت عن المساحة المحدودة جدا لقضايا الإعاقة في الإعلام المصري، حيث انحصرت البرامج المتخصصة في برنامجين علي قنوات دينية، وبرنامج علي التليفزيون المصري يتبنى رؤية ” تحدي الإعاقة ” أما القنوات الفضائية فتتعامل مع الإعاقة بمنطق المناسبات، حيث تغطي البرامج غالبا اليوم العالمي للإعاقة في ديسمبر، بالإضافة لتغطية الأنشطة الحكومية في مجال الإعاقة، واللقاءات التي يحرص بعض المسئولين علي الظهور فيها وسط أطفال من ذوي الإعاقة.

هذا الواقع السلبي للإعلام المصري في مجال الإعاقة، يحتاج لتغير جذري في الرؤية، وهو التغيير الذي لن يأتي دون ممارسة ضغوط من منظمات الإعاقة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة