بعد 13 عامًا من المنع.. لا وجه لإقامة دعوى “التمويل الأجنبي”

رسميًا وبقرار “ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية”، أغلقت القضية رقم 173 لسنة 2011، والمعروفة بـ”قضية التمويل الأجنبي”، والتي طالت 85 منظمة وكيانًا وجمعية تعمل بمجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، بعد 13 عامًا من المنع من السفر ومنع التصرف في الأموال الثابتة والمنقولة.

القرار الأخير، شمل أسماء خمسة مراكز كانت المتبقية في هذه القضية، وهي: مركز المبادرة للدراسات والاستشارات، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المؤسسة العربية للإصلاح الجنائي “العقابي”، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف.

وتضمن القرار رفع أسماء من تضمنهم الأمر من قوائم الممنوعين من السفر وقوائم المنع من التصرف في أموالهم الثابتة والمنقولة. وأوضح قاضي التحقيق -في بيان صحفي- أنه بصدور هذا الأمر يكون قد أسدل الستار على أوراق القضية وتكون قد وصلت إلى نهايتها بعد صدور هذا الأمر.

اقرأ أيضًا: حرية مع إيقاف التنفيذ.. نشطاء ممنوعون من السفر والسبب مجهول

كيف بدأت القضية 173؟

ترجع القضية 173 المعروفة باسم “التمويل الأجنبي” إلى عام 2011، حين اتُهمت بعض منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية بالعمل دون ترخيص، والحصول على تمويل من الخارج، دون الخضوع للرقابة. 

في سبتمبر 2011،  تم إدراج وثيقة لجنة تقصي الحقائق كجزء من الأدلة المقدمة من النيابة بحق المنظمات. (الصورة: وكالات)

واجهت تلك المنظمات منذ ذلك الحين حالة من الملاحقة استمرت ثلاثة عشر سنة، بأشكال عدة؛ أبرزها منع مسؤوليها من السفر ومن التصرف في أموالهم.

انقسمت القضية إلى شقين؛ خُصص أولهما للمنظمات الأجنبية العاملة في مصر، وقد أنهته محكمة جنايات القاهرة في ديسمبر 2018 ببراءة جميع المتهمين الأجانب، بينما لا يزال الشق الثاني الذي يختص بالمنظمات المحلية، قيد التحقيق.

حيث أمر مجلس الوزراء وزير العدل في يوليو 2011 بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق والنظر في التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه هذه المنظمات، وتحديد ما إذا كانت مسجلة بموجب القانون 84.

تقرير لجنة تقصي الحقائق

في سبتمبر 2011، تم إدراج وثيقة لجنة تقصي الحقائق كجزء من الأدلة المقدمة من النيابة بحق المنظمات.

تضم الوثيقة تقريرًا من قطاع الأمن الوطني، وآخر من جهاز المخابرات العامة، وكلاهما يذكر بالتقريب كل منظمة حقوقية مصرية مستقلة تعمل في مصر، علاوة على المنظمات الدولية التي لحقتها عقب ذلك، وصدرت ضدها أحكام.

في يونيو 2013، حكمت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة على 43 من العاملين المصريين والأجانب في بعض المنظمات الأجنبية، بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات. 

كانت معظم الأحكام غيابية. 

وقد حصل العاملون المصريون في هذه المنظمات ممن بقوا داخل البلاد، على أحكام بالسجن لمدد عام واحد، مع وقف التنفيذ. 

كذلك، أمرت المحكمة بإغلاق المنظمات المعنية، وهي: المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد القومي الديمقراطي، وفريدم هاوس، والمركز الدولي للصحافة، ومؤسسة كونراد أديناور.

قبول الطعن في القضية

بعد 5 سنوات من الحكم، قبلت محكمة النقض، الطعن المقدم من المحكوم عليهم في القضية، وقضت بإعادة المحاكمة أمام جنايات القاهرة، التي برأتهم جميعًا، ثم أصدرت محكمة استئناف القاهرة حكمًا بإلغاء حظر السفر المفروض على المتهمين الأجانب في القضية، بعد دفع كفالة مليوني جنيه لكل منهم، ما أثار الرأي العام وقتها. 

وفي 1 مارس من العام ذاته، غادر 9 أمريكيين و8 من جنسيات أخرى كانوا متهمين في القضية، على متن طائرة أمريكية خاصة.

في أواخر 2014، عيّن قاضي التحقيقات لجنة فنية من وزارة التضامن الاجتماعي، كلفها بتحديد ما إذا كانت تلك المنظمات تعمل كجمعيات أهلية دون التسجيل بهذه الصفة بموجب القانون 84/2002، وكذا فحص الوثائق المتعلقة بتمويلها. 

بدأت اللجنة بالمعهد المصري الديمقراطي. 

وفي يناير 2015 أمر القاضي بمنع بعض أفراد المنظمة من السفر، واستدعاهم للاستجواب في مارس 2015. 

في 9 أكتوبر 2015 سربت صحيفة “اليوم السابع” -المحسوبة على الدولة- نسخة مصورة من طلب قضاة التحقيق، على خلفية القضية رقم 173، مقدم إلى مصلحة الضرائب للاستعلام عن التوافق الضريبي لـ 25 منظمة مصرية، بما فيها مركز هشام مبارك للقانون، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي، ومركز الأرض لحقوق الإنسان، ومركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.

استدعاء العاملين بالمنظمات

في الوقت ذاته، تم استدعاء عاملين بمعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ونظرة للدراسات النسوية، والمجموعة المتحدة، للمثول أمام قاضي التحقيقات في 16 مارس 2015 في القضية رقم 173 لسنة 2011، وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن العاملين الذين تم استدعاؤهم هم المسؤولون عن الماليات في كل منظمة من المنظمات المذكورة.

المنع من السفر

20 يوليو 2020 قضت محكمة جنايات القاهرة برفض تظلم 14 حقوقيًا على قرار منعهم من السفر (الصورة: وكالات)

في 4 فبراير من العام نفسه، تم إبلاغ جمال عيد، مؤسس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، داخل المطار بمنعه من السفر، فيما كان يحاول مغادرة البلاد، وأيضًا أُبلغ حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بمنعه في يوم 23 فبراير. وفي 17 مارس علم بهجت وعيد أن قضاة التحقيق أمروا بتجميد أموالهما.

في يونيو 2015، أحيلت المجموعة المتحدة، للاستجواب، حيث تعرض مديرها لأسئلة عن تمويل المجموعة ووضعها القانوني. وفي يونيو 2015، تم تفتيش مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان من اللجنة للأسباب نفسها، بما فيها النظر في مصادر التمويل. 

ونهاية العام، استدعى قاضي التحقيقات المركز المصري للحق في التعليم للاستجواب، إلى أن تطور الأمر، وتحديدًا في 17 فبراير 2016، توجهت قوة من الشرطة إلى مكتب مركز النديم وتسليم العاملين أمرًا بالإغلاق الإداري من قبل وزارة الصحة “لمخالفة شروط الترخيص”. وبعد 4 أيام التقى مديرو مركز النديم ومحاموه مسؤولي ووزارة الصحة الذين أبلغوهم بصدور القرار عن مجلس الوزراء.

رفض التظلم

بتاريخ 20 يوليو 2020 قضت محكمة جنايات القاهرة برفض تظلم 14 حقوقيًا على قرار منعهم من السفر في القضية 173 لعام 2011.

لا وجه لإقامة الدعوى

وفى غضون عام 2021، أصدر قاضي التحقيقات المنتدب من محكمة استئناف القاهرة، قرارًا بأنه لا سند لإقامة الدعوى الجنائية بحق عدد من منظمات المجتمع المدني، لانتفاء الجريمة وعدم كفاية الأدلة في القضية 173 لسنة 2011، ليصل إلى 67 كيانًا إجمالي عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي صدر لصالحها أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.

قرار قاضي التحقيقات أوضح أيضًا أن الأمر يشمل إلغاء كل ما ترتب على التحقيقات من آثار؛ أخصها رفع أسماء من تضمنهم القرار من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول، وكذا قوائم المنع من التصرف في أموالهم سواء السائلة أو المنقولة، لكن دون مساس بثمة وقائع أخرى قد تكون محلًًا للتحقيق سواء في القضية الماثلة أو غيرها من القضايا.

على ماذا حوكم هؤلاء؟

المحاسبة في تلك القضية تستند إلى المادة 78 من قانون العقوبات، وتعاقب بالسجن المؤبد، لكل من حصل على أموال من الخارج بغرض “ارتكاب عمل ضار بالمصالح القومية أو باستقرار السلام العام أو استقلال البلاد ووحدتها أو القيام بأي من أعمال العدو ضد مصر أو الإضرار بالأمن والنظام العام”.

اقرأ أيضًا: انتهاكات وعنف وحقوق ضائعة.. تقرير جديد للعفو الدولية يرصد واقع حقوق الإنسان في مصر

والمادة 98 من قانون العقوبات المصري، والتي تعاقب بالحبس لستة أشهر كل من “أنشأ أو أسس أو أدار جمعية أو منظمة أو مؤسسة من أي نوع لها طابع دولي أو فرع لمنظمة دولية بدون تصريح”.

 والمادة 76 من قانون الجمعيات رقم 84/2002 التي تعاقب من لم يسجل بحسب القانون بالحبس لفترة تصل إلى 6 أشهر.

وفي 2014، عٌدلت مادة في “قانون العقوبات” بقرار من الرئيس، بما يسمح بتعريض العاملين بمنظمات المجتمع المدني لأحكام تصل إلى السجن لمدة 25 عامًا، إذا توصل قاضٍ إلى أن التمويل الأجنبي المُحصّل كان “بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام”، بينما لا يُعرف القانون هذه الأعمال. الأمر الذي قد يجعل القضية التي بدأت في 2011 متواصلة إلى ما لا نهاية.

وقد أكدت المبادرة المصرية للحقوق والحريات، في بيانات سابقة، أن تلك المنظمات ملزمة بالفعل بتقديم عقودها مع مانحيها للبنوك التي تتلقى التحويلات الأجنبية منها. وهو ما يجعل جميع تحويلاتها قانونية تمت عبر القطاع المصرفي المصري وتحت رقابة البنك المركزي. بينما لا تولد أي من هذه المنظمات أرباحًا، فهي تعتمد على التبرعات دون مصادر أخرى للتمويل أو الربح.

وكانت ثماني منظمات حقوقية مصرية ذكرت، في بيان مشترك، أن “الغلق الحقيقي والشامل للقضية “ينبغي أن يتبعه تغيير حقيقي في نهج تعامل السلطات مع المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك التوقف عن الزج بالحقوقيين في قضايا جديدة للتنكيل بهم، ووقف حملات الانتقام والترهيب والتشهير، والإفراج الفوري عن جميع المحتجزين على خلفية نشاطهم الحقوقي، ورد الحقوق لجميع الذين ما زالوا رهن حظر السفر أو ما زالت ممتلكاتهم رهن التحفظ، والمعرضين لخطر السجن لفترات طويلة”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة