كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل في ميدان عبد المنعم رياض بوسط البلد في القاهرة، وكان الناس في طابور عظيم ينتظرون سيارات خط ميكروباص (المؤسسة – قليوب – القناطر)، وكانت الواحدة منها تظهر كل ساعة تقريبًا، فيزداد الطابور وتبدأ المشاحنات، حتى جاء “الفرج” مع إحدى سيارات شركات النقل الجماعي الخاصة (ميني باص).
وقفت السيارة التي تقدر تذكرتها بـ 9 جنيهات أمام الطابور، والجميع تأهب، قبل أن ينطلق مساعد السائق (تبّاع): “قبل ما تركبوا الأجرة بـ 12 واللي مش عاجبه ما يركبش ميني باص ابقوا اركبوا تاكسي”.
ليس هذا التبّاع استثناءً في قاعدة، إذ رفعت شركات النقل الجماعي الخاصة، تعريفة النقل على خطوطها بنسبة 25% دفعة واحدة، رغم استقرار أسعار المواد البترولية كما هي دون تغيير.
43% من الأتوبيسات العاملة بالقاهرة
تعمل نحو 28 شركة نقل جماعى في محافظات القاهرة، تمتلك جميعها نحو 2000 ميني باص، مقابل 2600 أتوبيس تابع للنقل العام، ما يعني أنها تمتلك نحو 43% من إجمالي الأتوبيسات العاملة بشوارع المحافظة، بحسب تقرير صادر عن محافظة القاهرة في يونيو الماضي.
وتقدمت الغالبية العظمى من شركات كبرى للنقل الجماعي بطلب لجهاز تنظيم النقل البرى الداخلى والدولي، وهيئة النقل العام بمحافظة القاهرة في القاهرة، لتحريك أسعار تذاكر المينى باص، في يناير الماضي، بنسب تتراوح من 25 إلى 85% لتصبح أقل تعريفة 10 و15 جنيهًا.
ويفترض موافقة المحافظ على تعريفة ركوب مينى باص، لكن بعض الشركات رفعت في فبراير أسعار تذاكراها دون الالتزام بموافقة المحافظة، التي هددت باتخاذ إجراءات عاجلة ضدها، من بينها توقيع غرامات مادية عليها، بعد إنذارها والتنبيه عليها بتثبيت الأجرة. وهو تهديد لم يغير في واقع الأمر شيئًا.
وحتى الآن لم تعلن محافظة القاهرة عن رفع الأسعار رسميًا، لكن جميع شركات النقل الجماعي رفعت الأسعار على الخطوط بنسبة 25% منذ أسبوعين، وطبعت تذاكر بالأسعار الجديدة، وأبقت السعر القديم مكتوبًا على المركبة من الخارج فقط تحايلًا.
25% زيادة في تعريفة الميني باص
يقول هشام محمود، الموظف الذي يعمل في جهة حكومية: “أركب الميني باص يوميا من السيدة عايشة لوسط البلد والعكس.. مرة واحدة رفعوا التذكرة من 7.5 لـ 10 جنيه، يعني الأجرة زادت في الذهاب والعودة 5 جنيه”.
ويضيف محمود: “كل ما نسأل السواق عن السبب.. يقول اللي مش عجبه ينزل يركب تاكسي أو “يشد في حواجبه”.. شوفوا السجاير بكم وشوفوا رغيف العيش السياحي بكم.. وحتى رقم الشكاوي اللي مكتوب على الميني باص الإدارة مش بترد عليه”.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، سجل قسم النقل والمواصلات ارتفاعًا في فبراير الماضي على أساس سنوي بنسبة 17.6% بسبب ارتفاع المُنفق على النقل الخاص بنسبة 18.4% ومجموعة خدمات النقل بنسبة 14%.
غالبًا ما تتخذ شركات النقل الجماعي قرارها برفع التذاكر بعد تنسيق مع بضعها البعض مثلما حدث في 2014، حينما اجتمع مسئولو 25 شركة بمقر إحدى هذه الشركات، تمهيدًا لمطالبة الحكومة برفع تعريفة سيارات “المينى باص” التابعة لها.
يضيف هشام: “في المرات السابقة، كانت المطالبة برفع أسعار التذاكر بسبب زيادة سعر السولار والبنزين وكانت ما بين نصف جنيه وجنيه في أقصى تقدير .. المرة دي ما فيش بنزين زاد ولا سولار في محطات البنزين”.
وخلال العام الماضي، عدّلت لجنة تسعير المنتجات البترولية أسعار المنتجات البترولية مرتين ليرتفع سعر لتر “بنزين 80” 25% إلى 10 جنيهات وبنزين 92 بنسبة 24% إلى 11.5 جنيه، وبنزين 95 بنسبة 16% ليبلغ 12.5 جنيه للتر الواحد.
النقل العام خارج الخدمة من التاسعة
يقول محمد السيد، موظف: “المواطن مُجبر على التعامل مع الميني باص.. أتوبيسات النقل العام قليلة ومابتشتغلش من الساعة 9 بالليل.. الميني باص شغال طول الليل وأصحاب الشركات عارفه كويس أن البديل التاكسي والتاكسي محدش يقدر يركبه يوميًا”.

يضيف: “سواقين الميني باص مش ملتزمين بالخطوط.. وبيشتغلوا بمزاجهم.. في الخطوط الطويلة بيقسموها .. ويباخدوا الأجرة مرتين لمشوار واحد.. وما حدش بيقدر يتكلم معاهم لأنهم بيتبعوا طريقة تعامل شبيه بالبلطجة”.
يقول محمد عادل، عامل في محل تجاري بوسط القاهرة ويقيم بالحوامدية: “هيئة النقل العام كل فترة تلغي خطوط شغالة وتسيب المجال لشركات الميني باص ألغوا خط 120 من الحوامدية إلى جامعة القاهرة، و982 من الحوامدية موقف أحمد حلمي”.
يضيف: “لغوا أتوبيسات 987 و982 و121 و122 و123 طريق المنيب منيل شيحه والحوامدية والبدرشين.. الساعة 8 الصيح الناس هتموت بعضها عشان يربكوا.. طلبة وطالبات وعمال وموظفين بيجروا في الشوارع وراء الميكروباص عشان ما فيش أتوبيسات.. تحرش وسرقة وخناقات”.
رفع أسعار التذاكر.. توقيت غريب
يقول محمد العسقلاني، من حملة “مواطنون ضد الغلاء”، إن توقيت الزيادة “غريب”، فانخفاض أسعار الدولار من المتوقع أن ينعكس علي التكاليف الحدية لخدمة النثل التي تشمل الاهلاكات مثل إطارات السيارات وقطع الغيار والزيوت بأصنافها.
وشهدت الفترة الأخيرة حملة تخفيضات على أسعار قطع الغيار والصيانة زالمصنعيات وخدمات ما بعد البيع، بنسب تتراوح بين 5% وحتى 20%، مع توقعات بتراجع أكبر لقطع الغيار بفضل تراجع سعر صرف الدولار وإدخال البضائع المحتجزة بالجمارك.
يضيف العسقلاني أن تحديد الشركات زيادة 25% رقم كبير وعبء على المواطن خاصة طبقة الموظفين الذين يعتمدون على النقل الجماعي وليس لديهم القدرة على امتلاك وسائل نقل خاصة أو استقلال الوسائل البديلة خاصة أنها فئة ذات دخل ثابت.
القطاع الخاص: الحكومة رفعت اشمعنى احنا
مدير إحدى الشركات النقل الجماعي الخاصة يؤكد أن رفع التذاكر جاء لمواجهة ارتفاع التكاليف، قائلًا: “قطع الغيار مولعة ومش لاقينيها.. والزيت أسعاره كل يوم بتزيد، والعمالة بتسيب الشغل بالنسبة لهم التوكتوك بيكسب أكتر”.
أعلنت شركة إكسون موبيل مصر، الأحد الماضي،رفع أسعار الزيوت مرتين خلال أسبوع واحد، وأعلنت عن قائمة أسعار معدلة هي الرابعة خلال شهرين، وتبعتها العديد من الشركات الأخرى ليبلغ متوسط سعر زيت شيل “10 آلاف” 2056 جنيهًا وموبيل “10 آلاف” 1975 جنيهًا.
يضيف مسؤول الشركة: “الحكومة نفسها رفعت أسعار أتوبيسات النقل العام في الخدمة الليلة اللي نزلوها في رمضان تذكرتها 10 جنيه وهي في الطبيعي 6 جنيه بس.. وعلى خطوط أقصر بكتير من الخطوط اللي إحنا شغالين عليها”.
أعلنت هيئة النقل العام عن تعديل مواعيد الأتوبيسات لتناسب شهر رمضان مع توفير خدمة ليلية طول الشهر الكريم لتغطية المناطق الدينية والتجارية من الساعة التاسعة مساءً إلى الساعة الخامسة صباحًا.
يضيف أن هيئة النقل العام بمحافظة القاهرة، رفعت منذ عام 2022 قيمة استغلال شركات الميني باص مسارات النقل داخل القاهرة الكبرى من 4 آلاف إلى 5 آلاف ثم 9 آلاف جنيه عن كل سيارة ميني باص.
ويعتبر النقل الجماعى “الميني باص” أحد المشروعات التابعة لصندوق الخدمات والتنمية المحلية بالقاهرة، واستهدف فتح الباب أمام القطاع لنقل الركاب بواسطة سيارات «مينى باص»، 26 راكبا، وإعداد بديل مناسب على المدى الطويل لحل مشكلة النقل العشوائى الذي يتمثل في سيارات السيرفيس.
لكن أحمد فوزي يقول:”أتوبيسات النقل العام بقت متهالكة.. ما فيش اهتمام بصيانتها.. المفروض ترجع زي الأول بمواعيد منضبطة وتعمل وردتين طول السنة.. الناس بتفضل الأتوبيس الكبير لأنها واثقة في السواق.. لكن سواقين الميني باص طريقة سواقتهم وأسلوبهم ما يطمنش”.
خطف الزبون.. المهمة الأولى لسائق الميني باص
وينتمي عدد كبير من سائقي سيارات النقل الجماعي إلى فئة سائقي الميكروباص والسيرفيس الذين كانوا يعملون على سيارات الغير ، وطالما أنهم لا يتحملون تكاليف الصيانة فلا يراعون المطبات والمناطق غير الممهدة في الشوارع وتركيزهم فقط على خطف الزبائن.
ويقول سيد تيتو، سائق ميني باص: “الناس بتشتكي من سلوك سواق الميني باص.. الشركات بطلت تعين تباع في العربيات يلم الأجرة أو ينده على الركاب.. السواق دلوقتي بيشتغل 12 ساعة وبيلم الأجرة وبينده على الزباين ويرد عليهم ويفتكر محطات كل واحد.. والمهم أنه لابد يخلص دفتر التذاكر اللي فيه 250 تذكرة”.
يضيف: “الراتب اللي حطاه الشركة 4 آلاف جنيه والباقي نسبة من التذكرة.. لو ما خلصتش الدفتر مش هاخد النسبة 20% هي اللي بتسند المرتب.. بنضطر نقف لأي زبون في الشارع.. وننافس بعض على نفس الخط.. فيه خطوط بيستغل عليها 7 شركات يعني 7 عربيات كل ساعة بيجري على نفس الطريق”.
