خلال الأشهر الأخيرة، عانت مصر من تردي الوضع الاقتصادي بسبب الشح الدولاري والارتفاع الجنوني في الأسعار، وقد تزامن ذلك مع إغلاق العديد من المصانع والشركات لغياب مستلزمات الإنتاج المتراكمة في الموانئ، بسبب عدم القدرة على توفير الدولار، الأمر الذي أدى إلى خفض مرتبات عدد كبير من العمال وتسريح آخرين، ودفع عدد كبير منهم إلى الاحتجاج والاعتصام داخل مقرات شركاتهم، مطالبين بحقوقهم من زيادات وتأمينات وأرباح، لمحاولة تضييق الفجوة التي تتسع يوميًا بين أجورهم والأسعار.
وزير العمل رئيس صندوق إعانات الطوارئ للعمال، حسن شحاتة، قال في بيان الإثنين الماضي، إن صندوق إعانات الطوارئ، أنفق 35.6 مليون جنيه على نحو 4800 عامل يعملون في 17 منشأة، خلال الفترة من يناير 2023 وحتى يناير 2024، وذلك في إطار دور الصندوق في دفع أجور العمّال الذين تتعرض شركاتهم لبعض التحديات الخارجية والداخلية.
وأكد "شحاتة" أن الصندوق مستمر في حماية ورعاية العاملين الذين تتعثر شركاتهم بسبب التحديات الراهنة، وذلك بدفع إعانات أجور لهم حتى تنهض المنشآت التي يعملون بها، وتعود عجلات الإنتاج فيها للدوران بكامل طاقتها.
وأضاف الوزير إن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بتقديم الرعاية والحماية للعمال "جنود العمل والإنتاج"، هو الدور الذي يلعبه الصندوق كأحد أهم أذرع الدولة المصرية في الحماية والرعاية.
أزمة العمال خارج الصندوق
يتحدث أحمد بدوي مسؤول الحملات بدار الخدمات النقابية، لمنصة "فكّر تاني"، فيقول إن الإضرابات العديدة في الفترة الأخيرة سببها أن الأجر لم يعد يكفي العامل في ظل الارتفاع الهائل للأسعار.
ويشير "بدوي" إلى غياب الرقابة عن عدد غير محدود من الشركات والمصانع التي تحوي آلاف العمال، ما يحدث العديد من الانتهاكات، كخفض الرواتب وتعطيل الزيادة السنوية، ويلفت إلى أنه في غياب وجود آلية وشفافية في توزيع الأرباح على العاملين يضيع حق العامل البسيط الذي لا يستطيع أن يعيش باقي الشهر.
اقرأ أيضًا: حينما يزن راتبك أقل من جرام ذهب..إضراب "تي أند سي"
ويضيف أن توجيهات الرئيس السيسي برفع الحد الأدنى للأجور ليست قرارًا ملزمًا لأصحاب الأعمال، كما أنه لن يستفيد منه إلا العاملين بالقطاع الحكومي فقط، وهم نسبة أقل بكثير من عدد العاملين بالقطاع الخاص والعمالة غير المنتظمة.
"النسبة العظمى من الشعب المصري بيشتغل في القطاع الخاص أو كعمالة غير منتظمة وهم فئة غير مستفيدة من صندوق الطوارئ من جهة، ومتضررين من الحزمة الاقتصادية من جهة أخرى، لأنها لن تطبق عليهم، وبالتالي، هذا القرار سيرفع الأسعار ومن الضروري ربط الأجور بالأسعار"؛ يقول أحمد بدوي.
صندوق إعانات الطوارئ للعمال
أنشئ صندوق إعانات الطوارئ للعمال عام 2002 بهدف تقديم إعانات للعاملين الذين توقف صرف أجورهم من المنشآت الحكومية التي تم إغلاقها كليًا أو جزئيًا، أو تخفيض عدد عمالها المقيدين في سجلاتها والمؤمن عليهم لدى التأمينات الاجتماعية.
ويتمتع الصندوق بالشخصية الاعتبارية العامة ويتبع وزارة العمل، ويموّل من عدة موارد منها نسبة 1% من الأجور الأساسية للعاملين بمنشآت القطاعات "العام والأعمال العام والخاص" التي يعمل بها 30 عاملًا فأكثر، إلى جانب الإعانات والتبرعات التي يقبلها مجلس إدارة الصندوق طبقًا للائحته التنفيذية، والغرامات المحكوم بها عن مخالفة قانون الصندوق، وعائد استثمار أموال الصندوق وفقًا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية.
أنفق الصندوق -بحسب البيان الصادر عنه- منذ تأسيسه عام 2002 وحتى نهاية يناير 2024، مليارين و216 مليون و300 ألف جنيه، استفاد منها 423 ألفًا و670 عاملًا يعملون في 3983 منشأة.
بيان يدين الوزارة
"هذه التصريحات تدين الوزارة وتوضح فشل الصندوق، لما يبقى مصر فيها 20 مليون مشتغل بأجر والوزير يقول صرفنا لـ5000 عامل خلال الفترة من يناير 2023 وحتى يناير 2024 فده رقم يدين الوزير ويدين الوزارة وهو علامة فشل"؛ يقول إلهامي الميرغني، الباحث الاقتصادي والعمالي، فيما يتعلق بالبيان الصادر عن وزارة العمل.
ويؤكد الميرغني، في تصريحاته لـ"فكر تاني"، أن أزمة كورونا كشفت أن وزارة العمل لا تملك قاعدة بيانات، وأنه تم صرف العلاوة لنسبة ضئيلة من المتضررين وحرمت القاعدة العريضة من الاستفادة منها، أما عن الأزمة الحالية فيقول: "الكثير من المصانع والشركات تعثرت بسبب أزمة الدولار ومستلزمات الإنتاج المستوردة وهم مستحقين لإعانة الصندوق ولم يحصلوا عليها، لذلك التصريحات توضح فشل الصندوق في تقديم دعم حقيقي للعمال، وللأسف في ظل الأزمة هناك ملايين العمال يحتاجون الدعم، وحرمانهم منه يخلق عشرات الأزمات ويترك العمالة بدون حماية اجتماعية حقيقية".
كم تمثل الـ35 مليون من رصيد الصندوق؟
"أسئلة مهم نسألها ومحتاجة إجابة، زي كم يبلغ رصيد الصندوق؟ والـ35 مليون بيمثلوا كام في المية؟ ومين المستفيد الأكبر منه؟ وبيصرفوا كام على موظفين الوزارة؟ الصندوق وظيفته دعم العمال مش موظفي الوزارة"؛ الكلام للميرغني الذي يكمل انتقاده لبيان الوزير حسن شحاتة.
ويشير الميرغني إلى ضرورة وجود آليات واضحة للشركات والمشروعات المتعثرة وقوائم العمال بها، وتسهيل إجراءات الاستفادة من إعانة الطوارئ، ويرى أنه من المهم السماح للنقابات بالمشاركة في إدارة الصندوق ودعم حمايته للعمال.
ويتفق معه في الرأي المنسق العام لدار الخدمات النقابية كمال عباس، والذي يصرح لـ"فكّر تاني"، بأن وزارة العمل الحالية لا تؤدي دورها الفعلي، وأن تصريحات الصندوق مجرد "إجراء روتيني" لا يحل أي أزمة.
ويكمل قائلًا: "الدعم المقدم كبدل بطالة هو مبلغ صغير له حد أقصى وهو 6 أشهر، من باب أولى -في ظل تردي الوضع الاقتصادي الحالي- أن يكون هناك حديث عن توفير فرص عمل بشكل أكبر، أو عن إمكانية تطبيق الحد الأدنى للأجور على القطاع الخاص أيضًا والذي يبلغ قوامه 8 ملايين عامل، أو الحديث عن العمالة غير المنتظمة بدلًا من الكلام الدعائي".
ووفقًا لتصريحات شحاتة، فإن نحو 2.6 مليون عامل مسجل رسميًا العام الماضي، بينما يؤكد عباس أن العدد غير المسجل رسميًا يبلغ نحو 11 مليون عامل.
صوت العمال "مجمّد" مع النقابات
يشير "عباس" أيضًا إلى أن صوت العمال يجب أن يصل لأصحاب المناصب العليا، غير أن هناك تعطيل متعمد لعمل النقابات المستقلة التي تعتبر حلقة الوصل بين العمال وأصحاب الأعمال، وأن ذلك يحدث رغم وجود نص في قانون النقابات العمالية -رقم 213 لسنة 2017- والذي ينص بشكل واضح على حق العمال في إنشاء نقاباتهم بحرية.
"أين دور الوزارة في التفتيش على المنشآت للتأكد من التزامها وتطبيقها قوانين العمل؟، الوزير لازم يهتم بتنشيط الحوار بين العمال وأصحاب الأعمال، والاستماع منهم عن وضعهم وأجرهم ونظام العمل والسلامة والصحة المهنية والمعاشات وغيرها، ده دوره"؛ يقول عباس.
ويتفق عباس مع بدوي في أن زيادة الأجور الجديدة التي تقرها الحزمة الاجتماعية ستضاعف المشاكل ولن تحلها، ولذلك لم يستقبلها الشارع بحفاوة.
"الناس عيونها على الأسعار، لما تزود المرتبات الأسعار هتتضاعف، الواحد كان ممكن من كام شهر يأجر شقة بألف جنيه، دلوقتي ده تمن علبة سمنة!".
ويرى عباس أن التضخم هو المشكلة الرئيسة، وأن الأجور يجب أن تكون أعلى من التضخم، كما أنه من الضروري وجود خطة لمواجهته.
كيف تنقشع الأزمة؟
عن الأزمة الاقتصادية وأسبابها وسبل حلها تحدثت "فكّر تاني" إلى الدكتور عمرو صالح أستاذ الاقتصاد السياسي مستشار البنك الدولي سابقًا.
ويرى "صالح" أن للأزمة الاقتصادية سببان؛ أحدهما داخلي وهو ارتفاع سعر الدولار ما رفع أسعار وارداتنا بشكل كبير -نظرًا لكوننا دولة مستوردة لمعظم احتياجاتها- إلى جانب ارتفاع الأسعار على المستوى الخارجي، كما أن الشح الدولاري يؤثر على عمل المصانع ما تسبب في توقف عدد كبير منها، وبالتالي التأثير على قوة الاقتصاد الوطني، والسبب الآخر هو الأحداث الإقليمية والعالمية التي بالطبع تؤثر علينا كجزء من هذا العالم، والتوترات الأمنية بالمنطقة والبحر الأحمر، كلها عوامل أثرت على الاقتصاد العالمي وعلى حركة الملاحة بقناة السويس، ما تسبب في رفع أسعار الشحن وبالتالي أسعار السلع العالمية.
ويوضح أستاذ الاقتصاد السياسي أن الأزمة أكبر من وزارة العمل ومن المسؤولين والحكومة، ولكن رغم ذلك، الدولة تقوم -في رأيي- بدور إعجازي فيما يخص الحماية الاجتماعية والعمل على توفير العملة الصعبة وحل الأزمة الاقتصادية، والقرارات الرئاسية الأخيرة لإنقاذ الموقف، وخصوصًا دعم الفئات الأولى بالرعاية، وهي في ذلك شجاعة جدًا نظرًا لتأثير الأمر على الموازنة العامة للدولة في ظل هذه الأزمة، وهو أمر ليس بجديد على القيادة السياسية.
لكنه، يؤكد على ضرورة الاستماع إلى رأي الشارع والبسطاء وتغيير بعض القيادات والمسؤولين بهدف تغيير الفكر، ولا ننكر أن هناك أزمة ثقة بين بعض الوزارات والقطاع الخاص نظرًا لتصرف الحكومة بدافع وطني للحفاظ على الحصيلة الدولارية، ولكن القطاع الخاص يريد أن يعمل ومن حقه أن يعمل، لذا لابد من تغيير السياسات الاقتصادية واتخاذ قرارات تحفز القطاع الخاص بهدف الحفاظ على صموده بما يساعد على نهوض الاقتصاد الوطني، كما نحتاج إلى مدرسة اقتصادية مصرية دولية تدخل إلى الملعب الاقتصادي وتعمل على جذب الاستثمارات نظرًا لاحتياجنا للكثير والكثير من الاستثمارات الدولية.