عن تصدير العمالة المصرية للخارج

أظن أن الكثير من الناس لم يعد يتفاجئ بالتصريحات الحكومية الرسمية أو غير الرسمية التي ترى في المواطن المصري عبئًا على الحكومة - التي تعتبر نفسها الدولة دون وجه حق - لدرجة أن تعتبره عالة عليها وعلى خططها الفذة وأفكارها الإبداعية غير المسبوقة.

ولم يعد الأمر مقتصرًا على عدد المواليد الذي يشتكي المسؤولون ليل نهار من زيادته، رغم أن دول أخرى تعاني بشدة من نقص المواليد وما يترتب عليه من نقص القوى الفاعلة في المجتمع. ورغم أن معدل المواليد قد انخفض في مصر بنسبة 8% - وفقًا لإعلان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء - في بداية هذا العام، إلا أنه من غير المتوقع أن نرى انخفاضًا في معدل استخدام تلك الحجة لتبرير ضعف مستوى الخدمات الحكومية أو فشل خططها التنموية والاقتصادية المزمن.

ورغم اعتيادنا على ذلك منذ عقود طويلة إلا أن التصريحات الحكومية المتعلقة بتصدير العمالة المصرية الماهرة للخارج، خاصة تصريح وزير التعليم بأن "المواطن المصري صبور وحمول" قد فتحت أبوابًا جديدة للدهشة إزاء قدرة الحكومة على إيجاد مصادر جديدة لاستخراج الأموال من جيوب المواطنين بدلًا من إيجاد مصادر للاستثمار في طاقاتهم وقدراتهم الذهنية والبدنية.

فمنذ السبعينيات خرج ملايين المصريين للعمل بالخارج أساسًا في دول الخليج والدول الغربية، وكانت تحويلاتهم لأهلهم أحد مصادر الدخل القومي من العملة الأجنبية. ولكن ظلت موجات الخروج هذه خاضعة للمبادرة الفردية من العامل الذي يسعى لتحسين مستوى دخله ولم تكن - على حد علمي - بمبادرة من الدولة نفسها.

فما الفارق إذا؟ وأليس تنظيم الأمر أفضل من تركه يسير بشكل فردي عشوائي؟

في تقديري أن العامل الذي يقرر الخروج من بلده للعمل في بلد آخر غالبًا ما يكون هدفه النهائي هو العودة لبلده والاستثمار بها في يوم من الأيام. وهذا أحد أهم أسباب اهتمامه بتحويل جزء من دخله بالخارج إلى الداخل كوسيلة للادخار و"التحويش" للمستقبل الذي يؤمن بأنه لن يكون إلا في مصر.

في هذه الحالة تظل مصر هي المبدأ والمنتهى لرحلة ذلك العامل، ويظل ارتباطه بها مستمرًا حتى أثناء وجوده وعمله بالخارج. وحتى من يذهب للهجرة والاستقرار بالخارج، يظل بدرجة من الدرجات مرتبطًا بجذوره المصرية، ومستعدًا لمعاونة وطنه في حال ما احتاج إليه. وقد رأينا عودة العديد من المصريين بعد ثورة 25 يناير عندما ظنوا أن مصر عادت للمصريين وتحتاج معاونتها على التقدم للمستقبل في ظل الحرية والديمقراطية.

أما العامل الذي تعتبره الحكومة/الدولة أحد "ممتلكاتها" فيحق لها أن تصدره للخارج، فربما يحصل بالفعل على بعض المزايا التنظيمية، حيث يكون سفره - أو هكذا نتمنى - وفق اتفاق بين الدولتين، يضمن له حقوقًا أكثر من حقوقه في حال سفره بمبادرة فردية منه، ولكن في الوقت، فإن قيام الحكومة بدور سمسار السفريات أو "الكفيل" لابد وأن يكون له تأثيرات خطيرة على مستقبل علاقته بهذه الدولة، سواء من حيث الانتماء الوطني لها أو الرغبة في الاستثمار فيها في المستقبل.

وقد رأينا حالات متعددة لهروب أبطال رياضيين مصريين وحصولهم على جنسيات أجنبية بسبب تعامل الإدارات الرياضية التابعين لها معهم وكأنهم "أسرى" لديها.

ولا يجب أن ننسى أن أولًا: أي دولة سوف تستقدم العمالة الأجنبية لأراضيها لن توافق إلا على استقبال أصحاب المهارات العالية والخبرات الثمينة، ما يعني تفريغ سوق العمل المصرية من تلك الخبرات والمهارات. وذلك عندما كان يحدث بشكل أكثر فردية كان يضع عقبة طبيعية أمام الرغبة في السفر تجعله خيارًا أقل مقبولية لمن يستطيع العمل والحصول على مستوى جيد من الدخل في مصر. ولكن في الوضع الجديد سوف يصبح السفر اختيارًا متاحًا أمام أصحاب الخبرات والمهارات حتى لو كانت لهم فرص عمل داخل مصر.

ثانيًا: أي دولة أو شركة توظف عاملًا أجنبيًا لابد وأنها تعلم جيدًا أن ما ستحصل عليه من أرباح مقابل ذلك سيتجاوز بكثير ما يحصل عليه ذلك العامل من دخل. وهذا يعني أن قوة العمل التي يبذلها العامل في البلد الأجنبي والقيمة المضافة التي يضخها في اقتصاد ذلك البلد سوف تكون أكبر بكثير من الدخل الذي سوف يحصل عليه مقابلها ويرسل منه جزءًا لبلده الأصلي، والذي سيذهب منه جزء أقل للدولة مقابل توليها دور مكتب إلحاق العمالة بالخارج.

وبالتالي، يبدو الأمر كأنه تقنين لوضع خاطئ مقابل بضع دولارات تحصل عليها الحكومة الحالية دون النظر للتأثيرات السلبية التي تضر بوضع القوى العاملة داخل مصر في المستقبل. ويمكن النظر لوضع قطاعات مثل القطاع الصحي، والذي أصبح يعاني من هرب كوادره للخارج، لنفهم خطورة تلك الخطة على المستقبل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة