حق استئناف أحكام الجنايات واللعب في الوقت الضائع

بداية من 17 يناير الحالي، يصبح حق استئناف أحكام الجنايات ملزمًا طبقًا للدستور المصري، ويحق لكل متهم بجناية أن يحاكم على درجتين وليس درجة واحدة. هذا الحق الذي نظمه الدستور في المواد 96 التي أقرت بحق المحاكمة على درجتين في الجنايات، ومنحت المادة 240 من الدستور الحكومة مهلة عشر سنوات لتنفيذ هذا الالتزام، وهي المهلة التي تنتهي 17 أكتوبر 2014.

إن تفعيل الحكومة لتنظيم حق استئناف أحكام الجنايات تأخر كثيرًا، ليس فقط لكونه استحقاقًا دستوريًا، ولكن لأن الدولة ملتزمة بذلك منذ 1981. بعد صدور قانون 536 لسنة 1981، بالتصديق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي يتضمن في المادة 14 منه معايير المحاكمة العادلة، ومنها حق التقاضي على درجتين، والذي يعني حق كل متهم حكم عليه في جناية بمراجعة قضيته من محكمة أعلى وأكثر خبرة من تلك التي أصدرت الحكم عليه. لكن الحكومات المتعاقبة تجاهلت هذا الحق، رغم أن الحركة الحقوقية المصرية ظلت تطالب بذلك لعقود، وكانت المحاولة الأولى بدستور 2012، الذي منح الحكومة مدة سنة واحدة لتنفيذ هذا الالتزام، لكن الدستور لم يبقي طويلًا، حتى جاء دستور 2014، ليمنح الحكومة مهلة عشر سنوات كاملة.

يبدو أن هذا الاستحقاق الدستوري الهام، أهملته الحكومة مثل أغلب الاستحقاقات الدستورية، لكن لأن هذا الإهمال يؤدي لنتائج خطيرة جدًا على القضاء، ويؤثر في استقرار القضاء الجنائي، تنبهت الحكومة متأخرًا لذلك، وعملت سريعًا على معالجة الوضع، فقدمت على عجل مشروع لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، ونوقش في اللجنة التشريعية في البرلمان يوم 13 يناير الماضي، وقُدم للمناقشة 15 يناير.

لكن هذا التسرع الواضح في بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، لتنظيم حق استئناف أحكام الجنايات، سوف يؤدي إلى إشكاليات قانونية كثيرة، حاول مشروع القانون علاج بعضها، لكن أغلبها سيظل يشغل ساحات المحاكم لفترات طويلة وهي إشكاليات تخص حقوق المواطنين محل الاتهام بجنايات، وتؤثر على وضعهم القانوني وإجراءات محاكمتهم.

يتفق الفقه القانوني والقضائي على أن الحق يُنفذ حتى لو أهمل المشرع تنظيمه. وقد صدرت أحكام قضائية عديدة تؤكد ذلك، منها على سبيل المثال الحكم ببراءة عمال السكة الحديد من تهمة الإضراب عن العمل، رغم أن القانون المصري كان وقتها يجرم الإضراب عن العمل، ولذلك فحق استئناف أحكام الجنايات يعد نافذًا منذ 18 يناير 2014، تاريخ صدور الدستور على أقل تقدير، ودون الخوض في جدل قانوني، فالمادة 96 من الدستور أقرت بالحق وهي نافذة من تاريخ صدورها، والأكثر تحديدًا أن أحكام الجنايات بعد 17 يناير هي غير نهائية، ويجب أن تنظر من محكمة أعلى، لكن مشروع القانون المنتظر يمنح الحكومة مهلة جديدة حتي أكتوبر القادم، أي يزيد عشرة أشهر أخرى عن المدة الدستورية. وهذا بالتأكيد مخالفة دستورية جسيمة، فليس من حق المشرع العادي أن يخالف المشرع الدستوري، كما يؤثر ذلك بالسلب علي حقوق المتهمين.

فما مصير أحكام الجنايات خلال الأشهر العشرة القادمة؟ وكيف يستفيد المتهمون الذين ينفذون أحكام صدرت خلال السنوات السابقة من مبدأ تطبيق القانون الأصلح للمتهم؟ وكيف تُنفذ أحكام غير نهائية بالمخالفة لمبدأ أن الأحكام النهائية فقط هي الواجبة التنفيذ؟

هذه التساؤلات وغيرها غابت عن مشروع الحكومة، وستؤدي إلى إشكاليات كبيرة بالمرحلة القادمة. فهذا الحق كان بحاجة لاهتمام أكبر بكثير من الطريقة التي اختارتها الحكومة، وكان من الواجب البدء مبكرًا ومشاركة الخبراء القانونيين، والحقوقيين، لوضع قانون يعالج الإشكاليات العملية المتوقعة، فلا يمكن حل الإشكاليات الكبيرة في الوقت الضائع.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة