البدو كفئة مهمشة

 

يقول المؤرخ نعوم شقير في كتابه تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها الصادر عام 1916 أنه على الرغم من اتساع وشهرة سيناء التاريخية وقربها من مصر إلا أنها لازالت مجهولة عند عامة المصريين. كما أكد المؤرخ على أهمية سيناء الجغرافية لمصر منذ قدم التاريخ فهي أرض مصرية على الرغم من أن منذ آلاف السنين لم يسكنها المصريون، بل سكنها من هم من ذوي الجذور السامية من سوريا وفلسطين، حتى سكنها العرب إلى الآن.

الفروق الثقافية بين البدو الحاليين وبين المجتمع المصري أدت إلى تحديات كبرى سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مما زاد من تهميشهم. يواجه بدو سيناء تهميشاً ملحوظاً من الدولة، كأي فئة مهمشة في مصر وحتى الشعب ينظر للبدو بشيء واضح من التنميط والعنصرية.

أزمة حقيقية في التثقيف

تعاني سيناء من سوء جودة الخدمات بما في ذلك جودة التعليم وفرص العمل. اليوم يلتحق جميع البدو بالمدارس ولكن المناهج التعليمية وطريقة تلقي العلم لا تناسبهم على الإطلاق. فمعظم أطفال البدو حركيون ويصعب عليهم التعلم بالشكل التقليدي وذلك لانحدار معظم البدو في وسط وجنوب سيناء من قبائل الرحل. ذكر المؤرخ نعوم شقير بعضاً عن أحوال البدو في ذلك الوقت، أنهم عانوا من الجهل الشديد والخشونة في التعامل مع الآخرين ولذلك فقد كان من الصعب الحصول منهم على أي معلومات عن أحداث أو معلومات عن وقائع سابقة.

اقرأ أيضًا:الدورة.. حكاية أكبر من "بقعة دم"

يذكر شقير اهتمام العائلة العلوية (عائلة محمد علي باشا) بسيناء فتم تحويل الطور إلى مدينة ذات خدمات كالبريد والتليفون وتم إنشاء مدرسة وقد كانت قبيلة القرارشة -يقال إنها تنحدر من قبيلة قريش- أول من ألحق أبنائهم بها. اليوم وعلى الرغم من قلة المنشآت التعليمية وانعدام الإمكانيات إلا أن الكثير من البدو وخاصةً الفتيات يحصلن على فرصة اتمام تعليمهم والالتحاق بالجامعة وقد انعكس ذلك في ظهور أصوات البدو للمطالبة بفرص أكثر عدلاً ومساواة.

على صعيد آخر، هناك قلة ملحوظة في الخدمات الطبية، فعلى سبيل المثال لا يوجد أطباء على درجة من الكفاءة إلا نادراً ويوجد نقص مستمر في المعدات الطبية بالمؤسسات الحكومية. وحتى حملات التوعية فيما يخص الصحة الإنجابية للمرأة فلا نرى الكثير عن هذا الأمر مما نتج عنه مشاكل صحية لدى العديد من النساء في سيناء عموماً وليس البدويات على وجه التحديد. الأمر الذي يستحق التدقيق فعلاً هو عدم شغل البدو سوى القليل من الوظائف في هذه المدارس والمستشفيات على الرغم من وجود كوادر عالية الكفاءة بينهم.

من يستحق؟

بلغت نسبة البطالة 26.8 % في جنوب سيناء عام 2022 وهذه النسبة الأعلى بين محافظات مصر. في الأعوام التي تلت ثورة 2011 بدأ عواقل وكبار مشايخ قبائل البدو في التعبير عن نسبة البطالة وذلك عن طريق الندوات التي انعقدت مع بعض الأحزاب السياسية. يرى معظم الشيوخ والشباب من البدو أن الدولة المصرية تميل لمن غير البدو فدائماً ما يحصل الوافدون من أهل الوادي على أفضل الفرص في سيناء. يبدو وضوح هذه النظرية في مشاريع الإسكان التي نفذتها الدولة في سيناء فقد كان معظم من حصلوا على وحدات سكنية وافدين من محافظات أخرى بينما كان البدو دائماً أقل من حصلوا على وحدات سكنية. يظن البعض أن البدو لديهم أموال وأراضي تؤهلهم لحياة سلسة ورغيدة ولكن لا يرى الكثير حقيقة الأمر فالبدو من أكثر الفئات تعرضاً للعنصرية والإقصاء بجانب وجود الكثير من البدو الفقراء.

حتى مع محاولة توفير فرص عمل في سيناء وانجذاب المستثمرين تظل فرص توظيف البدو ضئيلة فأغلب الوافدين يأتون إلى سيناء مع تراكمات من الصور النمطية والعنصرية ضد البدو. غالباً ما تكون خشونة البدو في التعامل رد فعل عما يوجه لهم من عنصرية وإقصاء.

على سبيل المثال يوجد في دهب حالات إعاقة ملحوظة بين بدو المزينة بسبب زواج الأقارب وعلى الرغم من ذلك يظل مركز خدمة ورعاية المعاقين خارج العمل منذ سنوات لا تحصى والسبب غير معلوم. يتم توجيه صورة نمطية عن البدو أنهم خونة ولكن على النقيض فالبدو لديهم انتماء لمصر بالرغم من أنهم عاشوا مع المحتل الإسرائيلي لأكثر من 10 أعوام ويتحدث أغلبهم العبرية بطلاقة إلا أنهم ظلوا على انتمائهم لمصر.

يرى معظم البدو أن المصريين لا يرحبون بهم ولكنهم يرحبون بمصر والمصريين فكل منا يشترك في اللغة والدين والكثير من الروابط وفى ذلك قال لي أحد الأصدقاء " المصريين بيفتكروا اننا اخدنا اليهود بالحضن، دول دخلوا قتلوا فينا وكنا بنستخبى فى جريد النخل، احنا مش زى المصريين اللى اتولدوا فى مصر لاننا رحل واحنا اللى اخترنا مصر وقعدنا فيها".

على الأرجح كان الحال أفضل منذ 100 عام أو أكثر فقد ذكر شقير في نفس الكتاب توظيف القبائل في خدمة أديرة سيناء وعلى رأسهم دير سانت كاترين وكان ذلك مقابل بعض المال والغلال بالإضافة الى صعوبة السفر من وادي النيل إلى سيناء في ذلك الوقت الذي أتاح فرصة عمل كبرى للبدو فقد كانوا دائمي الاستعداد للسفر من دواب ولوازم يحتاج إليها المسافر والأهم معرفة أماكن الآبار ومصادر المياه في طريق السفر.

الوعي بحقوق الإنسان

يتطلب التحرر من الإقصاء، الوعي بحقوق الإنسان وهذا يتحقق في سيادة القوانين التي تتيح فرص متساوية للجميع. يعنى ذلك أن معظم سكان سيناء ليسوا على دراية كافية بقضية الحقوق فيتساوى الجميع في الإقصاء وليس فقط البدو.

اليوم تعي الكثير من النساء البدويات بقضية حقوق المرأة والقوانين التي تكفل حرية أكبر للمرأة من ذي قبل كقانون الخلع الذي لم يكن يعرفن عنه الكثير لولا وجود الهواتف الذكية والإنترنت. يوضح شقير في كتابه تفشى الجهل بين بدو سيناء، أنهم من أكثر البدو جهلاً فهو لم يقابل من يستطيع القراءة والكتابة من بينهم.

ولكن اليوم هؤلاء البدو من النساء والرجال يستطيعون القراءة والكتابة ويلتحقن بمراحل التعليم المختلفة.

يطالب البدو بتطوير التعليم والمناهج وقد يلتحق بعضهم فبرص أفضل للتعليم في القاهرة مما يكسبهم نظرة مختلفة عن قضية حقوق الإنسان. الفتيات اللواتي حصلن على فرصة للالتحاق بالجامعة أصبحن على دراية بمفاهيم كالذكورية وحرية المرأة ومناهضة العنف ضدها وأصبحن يقدمن الدعم لغيرهن من المعنفات وهذا كله بشكل عفوي وإنساني أكثر من كونه تثقيف، فالمجتمع البدوي بطبيعته يميل لدعم أفراده. ربما يلاحظ هذه الأيام ارتفاع نسبة التعليم بين فتيات البدو عن أقرانهم من الفتيان وقد رأت إحدى الصديقات البدويات أن هذا يرجع لضيق مساحة المجتمع على الفتيات فهو يظل يفرض عليهن القيود حتى وجدت الفتيات مساحة أكثر اتساعاً في تلقي العلم.

وجهة نظر هذه الصديقة كانت صادمة، فهي على دراسة بالحيز المجتمعي والمجالات الخاصة والعامة وبالنسبة لها كامرأة تلقت تعليمها من فصول محو الأمية، فهي تسعى لتعليم وتثقيف ابنتها ذات الصغيرة. قد لا يكون هؤلاء النساء في المجتمع القبلي على دراية كاملة بحقوقهن ولا بما يكفله القانون لهن ولكن أغلبهن اتجهن إلى الدراسة والعمل في مختلف المجالات وهذا أراه أنا عكس التيار السائد، ففي وادي النيل يركز الفتيات على الاستقلال المادي أولاً ثم يتطلعن إلى الدراسات العليا والماجيستير ولكن هذا بلا شك لأن التعليم الجامعي لم يكن تحدياً لهن كما لدى فتيات البدو.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة