“لما الكهربا تقطع”.. تبدأ حكايات الشموع ولمبة الجاز

“بعد هزيمة 1967، كنا بنتجمع في أوضة واحدة لما الكهرباء بتقطع بسبب الحرب، ولما بترجع كان العيال الصغيرة يتنتطوا من الفرحة وهم بيقولوا: هيه النور جه. دلوقتي الناس بتتنتط برضه بس من الغيظ عشان يكملوا أشغالهم اللي اتعطلت بسبب الكهرباء اللي بقت تقطع أكتر من وقت هزيمة 1967″، يقارن الصحفي الستيني ومدير التحرير الأسبق بصحيفة الأهرام القاهرية، كارم يحيي، بين انقطاع الكهرباء في عصرين مختلفين عايشهما بنفسه.

النائب هشام الحصري رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس النواب
النائب هشام الحصري رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس النواب

في اجتماعه الأخير مع نواب البرلمان، ربط مصطفى، مدبولي رئيس مجلس الوزراء، انتهاء مشكلة الانقطاع الحالي للكهرباء بمسألة توفير العملة الصعبة لاستيراد المازوت والمواد الخام المطلوبة لتشغيل محطات الكهرباء، وفق تصريحات النائب هشام الحصري رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس النواب.

وأكد “الحصري” أن رئيس الوزراء تفهم ضرورة تغيير واستبدال فترات انقطاع الكهرباء شهريًا داخل كل منطقة أو المركز والمحافظة، وشدد على استمرار أزمة انقطاع الكهرباء خلال الفترة المقبلة، بسبب الظروف الاقتصادية وصعوبة توفير العملة الصعبة.

ونقلت تقارير إعلامية محلية حكومية، عن رئيس الوزراء أن “انخفاض كميات الغاز الموردة إلى مصر نظرًا للأحداث التي تشهدها غزة من أسباب أزمة الانقطاع المستمرة”، فيما تحدثت تقارير غير رسمية أن دولة الاحتلال تضغط على مصر والأردن بورقة الغاز، حيث أوقفت “تل أبيب” ضخ الغاز إلى “القاهرة” قبل أن تعيد الإنتاج الشهر الماضي.

اقرأ أيضًا: كيف فصلت إسرائيل “سكينة الكهرباء” عن المصريين؟

وكان وزير الكهرباء، محمد شاكر، صرح في مارس الماضي 2023، بأن “زمن تخفيف الأحمال لن يتكرر في مصر مهما بلغت الأحمال على الشبكة القومية للكهرباء، سواء خلال أشهر الصيف أو الشتاء”. لكن الوزير لم يف بوعده بعد، ما دفع المواطنين إلى اللجوء إلى بدائل مؤقتة كالشموع والكشافات، فيما يبحث البعض الآخر عن لمبات الجاز، حتى حين.

الكهرباء التي أعادت المصريين لعصر الشموع

معاناة الصحفي الستيني ومدير التحرير الأسبق بصحيفة الأهرام القاهرية، كارم يحيي، هذه المرة مضاعفة، بسبب ظروف السن والعمل.

يستكمل يحيى حديثه، لـ”فكر تاني”، موضحًا أن عمله كصحفي مرتبط بـ”شبكة المعلومات”، حيث واجه عقبتين منذ موجة انقطاع الكهرباء في الفترة الأخيرة: انقطاع الإنترنت لأنه مرتبط بالسنترال الذي يعاني بدوره من أزمة انقطاع الكهرباء لمدة تتراوح من 3-4 ساعات يوميًا، إلى جانب انقطاع الكهرباء في شقته لمدة ساعتين يوميًا، ما يفسد عليه مطالعاته ووقت كتابة مقالاته وإعداد ما يريد، في ظل طاقته المحدودة المرتبطة بسنه الذي تجاوز 65 عامًا.

الصحفي كارم يحيى
الصحفي كارم يحيى

ويضيف “يحيى” أن أخطر ما في الانقطاع الحالي للكهرباء، أنه أعاد الناس لعهد الشمع، والشمع له مخاطره، بحسب قوله. “بسبب انقطاع الكهربا عندي بين الساعتين 8-10 مساءً، نمت مرة إلى جنب شمعة مولعة وصحيت على ريحة الحريق. لحقت الدنيا قبل ما تبقى كارثة”.

ما حدث دفع “يحيى” إلى التفكير في شراء لمبة جاز، ولكنه بحسب تأكيده، فشل في العثور على مكان يبيعها بالقرب منه، وكذلك لم يجد “الجاز” المستخدم في تشغيل اللمبة. “افتكرت لما كان بياع الجاز بيمر على البيوت في أيام طفولتي، ودلوقتي أنا مش لاقي مكان أجيب منه جاز للمبة اللي مش لاقيها”.

في أغسطس الماضي، حذرت مستشفى “أهل مصر” البارزة في مجال علاج الحروق، من استخدام الشموع في حال انقطاع الكهرباء، موضحة أن الإهمال يمكن أن يؤدي إلى كوارث مثل الكارثة التي كانت سببًا في بداية تدشين المستشفى.

وقد أكد هاني إبراهيم أحد العاملين بورش الشمع في الغورية، لـ “فّكر تاني”، زيادة الطلب على الشمع خلال الفترة الماضية وتحديدًا مع بدء موسم المدارس، الأمر الذي أنعش نسبيًا سوق الشمع بعد “موات” بسبب زيادة أسعار مستلزمات إنتاجه التي تحتكرها الحكومة.

يقول إبراهيم: “ساعات بنتمنى الكهربا تقطع مدد أكبر عشان سوق الشمع يشتغل شوية”.

موظفون في قمة السعادة

المحامي بالنقض محمد محمود
المحامي بالنقض محمد محمود

المحامي بالنقض محمد محمود، يوضح في حديثه لـ منصة “فكر تاني”، أنه مع انشغاله في العمل اليومي في مكتبه، لا يركز كثيرًا في كون انقطاع الكهرباء في وقت منتظم أو غير منتظم، لأنه يكون مندمجًا في كتابة مذكرة قانونية أو مطالعة أوراق قضية مهمة.

ويشير “محمود” إلى تعرضه للعديد من المواقف الصعبة والطريفة في آن واحد، بحسب وصفه، بسبب انقطاع الكهرباء. يقول: “بكون مندمج في كتابة المذكرة القانونية، وفجأة النور يقطع، وأكون نسيت حفظ النسخة الأخيرة من الكتابة، فاضطر استنى لحد ما الكهربا ترجع وأعيد الكتابة وأنا حاسس إني عايز أضرب راسي في الحيط من اللي بيحصل”.

يحكي المحامي بالنقض، أنه كثيرًا ما يقابل انقطاعًا للكهرباء في هيئات حكومية أثناء إنهاء بعض أعماله، في هذه الأيام، ما يجعله في قمة الاستفزاز من ضياع يومه، بينما – والكلام له – يكون الموظف “في غاية الانبساط لأن يومه انتهى بسرعة من غير وجع دماغ مع المحامين والمواطنين”.

“اللي ماسك سكينة الكهربا”

يسخر الشاعر والأديب ناصر صلاح من الوضع في بداية حديثه لـ”فكر تاني”. فيقول: “كفاية علينا حزب النور، مش هيجتمع النور والحزب مع بعض في مصر”، مشيرًا إلى أن المعاناة من الانقطاع المستمر في الكهرباء كبيرة في منطقته الشعبية مثل عين شمس بالقاهرة.

اقرأ أيضًا: الغاز والعملة الصعبة.. الثنائي المتهم بقطع الكهرباء عن مصر

ويتابع “صلاح” بطريقته الساخرة قائلًا: “اتعودنا على قطع الكهربا خلاص، وجنبنا الكشافات على طول، ولو ما قطعتش الكهربا في وقتها بنبقى عايزين نطمن على الراجل اللي ماسك المفتاح، هو نسي ولا ايه، ولا غير الجدول اللي بقى يوميًا من 4-6. المصيبة أنه ساعات بيغير بمزاجه فيبدأ قطع الكهربا من الساعة 2 الضهر أو قبلها، وأحيانًا يبدأ بالليل”.

الشاعر ناصر صلاح
الشاعر ناصر صلاح

وصرح أشرف هلال، رئيس شعبة الأدوات والأجهزة المنزلية بغرفة القاهرة التجارية، بأن الإقبال على شراء كشافات الإضاءة للطوارئ زاد بنحو 25%، تزامنًا مع الأزمة الحالية.

ويلفت الشاعر والأديب ناصر صلاح الانتباه إلى أن الانقطاع الحالي للكهرباء بهذا الشكل أضر بالمرأة العاملة، ضاربًا المثل بزوجته، التي باتت تأتي من عملها مسرعة لتحضر الغداء خشية انقطاع الكهرباء في غير وقتها. ويشير إلى أنها مع تضارب الأوقات اتجهت لصنع طعام الغداء ليلًا بعد قدوم الكهرباء لتجهيزه لليوم التالي، وهو ما يرهقها.

ويلفت “صلاح” إلى معاناة السكان في العمارات في منطقته، من عدم وصول المياه إلى الأدوار العليا، بسبب توقف مواتير رفع المياه، لأنها بالكهرباء، إلى جانب تعطيل عمل السخانات التي تعمل بالكهرباء، في ظل الحاجة الشديدة لها أثناء فصل الشتاء.

“صلاح” الذي اختار أن يسكن في طابق أرضي، يوضح أن هناك كذلك قلقًا لدى جيرانه من حدوث أزمة في المصاعد “الأسانسيرات”، والتي يحكي أنها باتت تشكل عامل قلق بين السكان بسبب الخوف من الانقطاع المفاجئ للكهرباء، خاصة بعد وفاة جار لهم منذ عام أثناء تصاعد أزمة الكهرباء وقتها، بعد احتجازه بين دورين، وخروجه مرهقًا ومتعبًا.

طوابير الخبز المدعم قبل قطع الكهرباء

الكاتب الصحفي علي القماش
الكاتب الصحفي علي القماش

المعاناة ذاتها يشعر بها النقابي والكاتب الصحفي علي القماش، حيث يوضح لـ”فكر تاني”، أن الكهرباء تقطع يوميًا ساعتين، في شقته، ومعها التليفون الأرضي، وخدمة الإنترنت المرتبطين بالكهرباء كذلك، ما يعطل حياته.

ويضيف “القماش” أنه بالقرب من منزله مخبز للعيش البلدي المدعم، حيث تبدأ الطوابير عنده منذ صلاة الفجر، كي يستطيع الأهالي الحصول على الخبز قبل قطع الكهرباء، موضحًا أنه بعد زيادة معاناة الأهالي، نشر لهم بناء على طلبهم، شكوى في بريد صحيفة الأهرام القاهرية، لتغيير موعد قطع الكهرباء عن منطقة الفرن رحمة بالناس ولكن لم يستجب أحد إلى الآن.

من الإسكندرية للنوبة.. الإزعاج مستمر

“ماتشات الأهلي”، نقطة تهم الكاتب السكندري الشاب “محمد طارق”، الذي يشير في حديثه لـ”فكر تاني”، إلى أنه مشجع للنادي الأهلي من صغره، ولكن مع أزمة الانقطاع الأخيرة، تعرض هو وأصدقائه إلى انقطاع الكهرباء في بعض أوقات مباريات الأهلي، ما يزعجهم.

ويوضح “طارق” أن النور يقطع في منطقته لمدة ساعتين يوميًا، يستغلهما في الخروج مع أصدقائه، وعمل ما يريد من “مشاوير” مؤجلة، خاصة أن انقطاع الكهرباء يلحقه مباشرة انقطاع الانترنت.

ما يزعج “م. ك” أحد أبناء النوبة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، هو انقطاع التيار أثناء الأفراح في الفترة الأخيرة وخاصة أثناء” العشاء” وهو طقس مميز في اعراس النوبة، حيث يصل الانقطاع إلى مدة تصل إلى ساعة ونصف الساعة بحسب تأكيده لـ”فكر تاني”.

ويوضح النوبي المقيم بالقاهرة، إلى أنه في زيارته بالأيام الأخيرة للنوبة، شاهد بنفسه كم الإحراج الذي سببه انقطاع التيار أثناء الفرح للأهالي، رغم اتصالاتهم المتكررة بالشركة في هذا التوقيت دون جدوى.

وتشير القاصة أسمهان علي، إلى أنها بحكم جذورها الصعيدية وتواصلاتها اليومية مع أهلها في محافظة المنيا، فمن أبرز توابع مشكلة الانقطاع الحالية في الصعيد، عندما يكون فترة انقطاعها في المساء لأنها تعطل مذاكرة التلاميذ وتشكل تهديدًا لأبناء القرى على الطرق السريعة التي يتصادف وقت الانقطاع مع رجوعهم إلى بيوتهم، ما يجعل الطرق المظلمة مصدر قلق للأهالي.

وتضيف لـ”فكر تاني”، أن انقطاع التيار في وقت الصباح في المناطق الشعبية المزدحمة في القاهرة كمنطقتها، يؤثر سلبًا على تجهيز التلاميذ للنزول بالشكل المطلوب إلى المدارس، بل إنه قد يؤثر على اليوم الدراسي في ظل وجود انقطاعات للكهرباء في بعض المدراس، ما يعرقل استخدام الأدوات الدراسية المعتمدة على الكهرباء.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة