على مدار الأيام الـ 16 البرتقالية، تستمر "فكر تاني" في رصد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والرافض للتوع الجندري بأشكاله المختلفة.. حالات تستطيع أن تخرج عن صمتها وتدلي بشهادتها عما تعرضت له، وحالات أخرى تؤثر الصمت خوفًا من النبذ والقهر والوصم وربما التهديد أو القتل الذي قد تتعرض له إذا فكرت أن تبوح بمكنون صدرها.. إلا أن حالة اليوم مختلفة.. تريند تصدر مواقع التواصل الاجتماعي الفترة السابقة ولا يزال يثير اللغط والقيل والقال، وهي "بيج ياسمين".
ياسمين هي امرأة مصرية ثلاثينية تخرجت في كلية التجارة بتقدير عام جيد جدًا ومدربة كمال أجسام. شخصية ناجحة وطموحة لم يتم الالتفات لها إلا بعد أن قررت أن تخالف أعراف المجتمع وتخرج عن إطار الصورة الجندرية النمطية المفروضة على كل امرأة فخلعت الحجاب، ونافست الرجال في التمارين. كما أنها اعتمدت صيحة رجالية في تصفيف شعرها وملابسها وتصرفاتها.
عندها فقط، ثارت ثائرة المجتمع هجومًا عليها، وحوصرت بالشتائم اللاذعة والشائعات والعنف اللفظي والتجريح إلى أن قام أحدهم بنشر فيديو يدعي أنه لـ"بيج ياسمين" يظهر فيه شخص عاري الصدر تمامًا، مع إخفاء ملامح وجهه ويقوم بممارسة التمرينات مع تعليقات عنيفة من الجمهور ضدها واتهامها بالخروج عن الآداب وأخلاقيات المجتمع واعرافه السائدة.
لأيام عديدة أثرت ياسمين الصمت، ولم ترد على الشائعات إلى أن خرجت عن صمتها في لقاء تلفزيوني على "قناة الشمس" لتنفي تمامًا أن هذا الفيديو يخصها، وأنه فيديو "مفبرك" يهدف فقط لإثارة الضجة والهجوم عليها.
من ضمن الشائعات التي حاصرت "بيج ياسمين" أنها عابرة جندريًا، وأنها ترغب بتغيير أوراق ثبوتية هويتها لتكون ذكرًا وهو ما نفته ياسمين تمامًا إلا أن تلك الأزمة تعكس مدى الكراهية السائدة والرؤية المغلوطة عن الأفراد من مجتمع "الميم عين" وخاصة العابرين.
وهو ما يطرح عدة تساؤلات عن مدى الضرر الواقع على أفراد المجتمع في حال كانت "ياسمين" بالفعل شخص عابر جندريًا؟؟ ما الذي يضيرك كمواطن إذا قام شخص ما بالتعبير عن نفسه بشكل قد لا تجده مألوفًا طالما لم يتعرض لك أو يهدد أمنك الشخصي أو يتقاطع مع حياتك بأي شكل؟ لم يعد احترام اختيارات الأفراد أمر بغاية الصعوبة هكذا؟
لماذا يصر المجتمع على قولبة النساء وحصرهن في أنماط جندرية محددة، وفي حال خروجهن عن هذا الإطار يتم معاقبتهن وتعنيفهن؟
إن النمطية والقولبة ومشاعر الاستحقاق التي تسيطر على المجموعات المهيمنة التي يحركها الجهل وعدم الوعي بالاختلاف والخوف منه هو أحد أهم أسباب خطابات الكراهية المنتشرة مما يعرض الأقليات الجندرية للتهميش والتعنيف والنبذ.
إن المجتمع يفرض على أفراده الالتزام بأدوار اجتماعية محددة ويتوقع منهم عدم الخروج عنها فيما يخص المظهر والسلوكيات بل وحتى أنواع الوظائف، وفي حالة خروج أحد عن هذه الأدوار يتم حصاره بكافة الأشكال وفي غالب الأمر تتم ممارسة هذا القهر على النساء وأفراد مجتمع "الميم عين"، إلا أن الغريب أن بعض النساء تكون طرفًا في هذه المعادلة والكثير منهن يقمن بذلك دون وعي حقيقي بخطورة ذلك، فيقمن بإصدار الأحكام بل وقد يصل الأمر إلى أن تقمن بمعاقبة المختلفة عنهن حتى ولو كانت إحدي أفراد أسرتها استرضاءً للنظام الذكوري الأبوي وللحصول على بعض المكاسب الأخرى أو لدرء الأذى عن أنفسهن بكونهن جزءًا من هذا النظام.
وفي بعض الأحيان تكون النساء لا تزال واقعة تحت تأثير الصدمة لما حدث لهن من قبل، فتظل واقعة في دائرة الأذى بممارسة ذلك على الأخريات ويبقى الجميع تدور في تلك الحلقة المفرغة.