وصفت كاثرين دي فريس، أستاذة العلوم السياسية في جامعة بوكوني الإيطالية فوز "اليميني المتطرف" خيرت فيلدرز:" أشعر بصراحة أن هذه هي لحظة ترامبية بالنسبة للهولنديين"، في إشارة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وأضافت: "الأشياء التي حدثت بعد انتخاب ترامب، والمشاعر والتغيرات في السياسة، قد تكون متشابهة".
الأربعاء الماضي، فاز الحزب اليميني المتطرف المناهض للإسلام بزعامة خيرت فيلدرز في الانتخابات التشريعية في هولندا، ما طرح العديد من التساؤلات عن مستقبل هولندا.
أما عن نجاح المتطرف خافيير ميلي الذي فاز في انتخابات الرئاسة الأخيرة في الأرجنتين، صرح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأن سلطات الأرجنتين الجديدة "نازيون جدد" بقيادة "متطرف ذي مشروع استعماري".
وأضاف مادورو: "إنهم يريدون فرض مشروع ليبرالي جديد متطرف.. مثلما تم فرضه في السبعينات من خلال انقلاب بينوشيه في تشيلي وفيديلا في الأرجنتين والانقلاب في أوروغواي".
فهل نحن بصدد مرحلة جديدة لنماذج ترامب في أوروبا وأمريكا اللاتينية؟
الأرجنتين وصعود اليمين
أسفرت نتائج جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية الأرجنتينية، التي جرت في 19 نوفمبر الجاري، عن فوز "خافيير ميلي" الليبرالي اليميني المتطرف، بعد حصوله على 55.7% من الأصوات مقابل 44.3% لمنافسه "سيرجيو ماسا" مرشح "الاتحاد من أجل الوطن" اليساري الحاكم، الذي أقر بالهزيمة. تمثل هذه النتيجة مفاجأة للعديد من المراقبين؛ لكونها مخالفة لنتائج الجولة الأولى التي جرت في 22 أكتوبر الماضي؛ حيث كان ماسا متصدراً، وحصل على 36% من الأصوات، مقابل خافيير ميلي من حزب "تقدم الحرية" الذي جاء في المركز الثاني، بنسبة 30 % من الأصوات.
وتعاني الأرجنتين من أزمة اقتصادية، فهي من أعلي معدلات التضخم في العالم بنسبة 143% ونسبة فقر 40% كذلك انخفضت الأجور، بما في ذلك الحد الأدنى للرواتب الشهرية، إلى 146 ألف بيزو (400 دولار).
ووصلت الإيجارات السكنية إلى مستويات باتت بعيدة من متناول كثيرين، وتلجأ ربات الأسر إلى المقايضة للحصول على ما يحتجن إليه، على غرار ما حدث بعد الأزمة الاقتصادية الحادة عام 2001.
وأظهرت دراسة أجرتها جامعة بوينوس آيرس في وقت سابق من هذا العام أن 68 في المئة من الشباب الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 و29 سنة مستعدون للهجرة إذا سنحت لهم الفرصة نقلا عن اندبندت بالعربية.
ويمثل التصويت لصالح ميلي، امتدادًا لنمط التصويت الذي غلب على الانتخابات الرئاسية التي شهدتها عدة بلدان في أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة، وهو النمط الذي ارتبط بانتخاب شخصيات وأحزاب من خارج دوائر النخبة السياسية الحاكمة؛ وذلك في البرازيل، وكولومبيا، وتشيلي، وهندوراس، وكوستاريكا، وجواتيمالا، والإكوادور.
أما عن أفكار خافيير ميلي التحررية، وهو الذي يصف نفسه بالـ "رأسمالي اللا سلطوي"، كانت أمراً جديداً بالنسبة للأرجنتين.
فخلال حملته الانتخابية، تعهد ميلي بإلغاء البنك المركزي كما تعهد بدولرة الاقتصاد (أن تتم التعاملات بالدولار بدلا من العملة الوطنية)، بجانب إضفاء الشرعية على بيع الأعضاء، وإغلاق أكثر من اثنتي عشرة وزارة، منها وزارتي التعليم والصحة بهدف الحد من حجم الحكومة الوطنية وتقليل الإنفاق العام، وكذلك القضاء التدريجي على برامج الرعاية الاجتماعية وخصخصة القطاع الصحي.
ووعد الرئيس الأرجنتيني المنتخب أيضًا بإلغاء الإجهاض – الذي كان قانونيًا في الأرجنتين منذ عام 2020 – وإلغاء القاعدة التي تمنع القوات المسلحة من المشاركة في مهام الأمن الداخلي.
فك الارتباط مع الصين
ومن ناحية العلاقات الدولية سيبدأ، بحسب تصريحاته، بتعزيز التقارب مع الولايات المتحدة وفك الارتباط مع الصين، في ظل تعهداته الانتخابية بقطع العلاقات مع أكبر شريك تجاري ومستثمر للبلاد، قائلاً: "أنا لا أعقد صفقات مع الشيوعيين".
كما لوح ميلي في تجمع انتخابي مؤخرًا بالعلم الإسرائيلي، وقبل أشهر صرح: "إذا توليت الرئاسة، فسوف أنحاز إلى الولايات المتحدة وإسرائيل حليفين رئيسيين. مستوى التحالف مع إسرائيل عميق لدرجة أنني أعتزم نقل السفارة الأرجنتينية من تل أبيب إلى القدس".
ونقلت وكالة أنباء ريا نوفوستي الروسية عن ديانا موندينو، الخبيرة الاقتصادية المرشحة لأن تصبح وزيرة للخارجية في إدارة مايلي، قولها إن بلادها لن تنضم إلى مجموعة "بريكس".
واعتبرت وزارة الخارجية الصينية، أن الأرجنتين سترتكب "خطأ فادحا" على الصعيد الدبلوماسي إذا قطعت علاقاتها مع دول كبرى مثل الصين أو البرازيل.
سياسيا من المرجح أن يواجه تحديات في تنفيذ تعهداته من دون دعم من "الكونجرس الوطني" الأرجنتيني بشأن مستقبل البلاد، وسيكون عليه صياغة حلول ناجحة للمشكلات الهيكلية التي تعاني منها الأرجنتين، خاصة عجز الموازنة وانخفاض قيمة العملة، وهذا سيتطلب منه التفاوض مع الذين وصفهم خلال الحملة الانتخابية بـ"اليساريين القذرين" و"حثالة البشر". بوجود 38 نائباً فقط من حزب ميلي من أصل 350 نائباً في مجلس النواب، و8 مقاعد فقط من أصل 72 مقعداً في مجلس الشيوخ، فإنه سيحتاج إلى دعم نواب حزب "معاً من أجل التغيير" للرئيس السابق "ماكري" البالغ عددهم 94 نائباً.
وسيراقب العالم الآن عن كثب الخطوات الأولى التي سيتخذها الرئيس الجديد بعدما أدخلت الأرجنتين نفسها دائرة الأنظمة اليمينية المتطرفة، وقفزت بإرادتها نحو المجهول.
صعود اليمين في هولندا
بحسب استطلاع أجراه معهد "إيبسوس" حصل "حزب الحرية" اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز على 35 مقعداً من أصل 150 مقعداً تتألف منها الغرفة السفلى في البرلمان. وتمثل هذه الحصة ثقلاً وازنًا في مجلس نواب مشتت القوى.
وغالباً ما كان فيلدرز يثير الجدل بسبب خوضه حربًا لا هوادة فيها ضد الهجرة و ما يسميه بـ "أسلمة هولندا"، وقد تعرض للمحاكمة أكثر من مرة بتهم التحريض والتمييز ضد جماعات عرقية ودينية.
وأدين قبل بضع سنوات، بإهانة المغاربة، وبرأته محكمة في امستردام من تهمة التحريض على الكراهية والتمييز.
وكانت محكمة هولندية قد أدانته في عام 2016 في أعقاب تقدم نحو 6400 شخص بشكاوى للشرطة ضده بسبب تصريحات أدلى بها أثناء حملته في الانتخابات المحلية في لاهاي.
كما أثار أزمة أخرى مع المملكة العربية السعودية عندما وزع ملصقات أواخر عام 2013 تشبه العلم السعودي، ولكنه استبدل عبارة "لا إله إلا الله" بعبارات مسيئة للإسلام.
كما تعهد سابقاً بفرض حظر على هجرة المسلمين إلى هولندا وإغلاق المساجد في البلاد إذا فاز برئاسة الوزراء.
وخلال الفترة التي سبقت التصويت، غالبًا ما كان يتفوق على منافسيه خلال المناظرات التلفزيونية الليلية، حول قضايا اللجوء والهجرة، والتي تدغدغ مشاعر الهولنديين نقلا عن بي بي سي بالعربية.
وسياسيا شدد فيلدرز على أن حزبه بات قوة «لم يعد ممكناً تجاهلها»، داعياً الأحزاب الأخرى إلى العمل معه لتشكيل ائتلاف حكومي.
لكن هذه الدعوة استبقها زعماء الأحزاب الرئيسية الثلاثة الأخرى بتأكيدهم، قبل الانتخابات، أنّهم لن يشاركوا في أيّ حكومة يقودها حزب الحرية.
غير أنه بعد إدلائه بصوته، قال السياسي الشعبوي بيتر أومتسيغت الذي ينتهج بدوره موقفًا متشددًا إزاء الهجرة، إنّه "متاح" لقيادة هولندا، معترفًا في الوقت نفسه بأن تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل "لن يكون عملية سهلة".
ويتزعم أومتسيغت حزب "العقد الاجتماعي الجديد، الذي تأسس في الصيف الماضي وفاز هذا التشكيل بـ20 مقعدًا، وفق الاستطلاع نفسه.
بالمقابل، رفض تيمرمانز فكرة الانضمام إلى ائتلاف يقوده فيلدرز. وقال إثر إغلاق صناديق الاقتراع "لقد حان الوقت لأن ندافع عن الديموقراطية".
وبالنسبة إلى ديدريك فيك الخبير في معهد كلينغينديل، فإنّ حزب فيلدرز "حقق نصرًا ساحقًا يؤسّس لديناميكية جديدة بالكامل".
وأضاف في تصريح لوكالة فرانس برس أن بقية الأحزاب ارتكبت خطأً استراتيجياً بتركيزها على الهجرة، الأمر الذي صب في مصلحة حزب الحرية
ودوليا وعد المتطرف غرت فيلدرز بالقيام بكل ما في وسعه لتنظيم استفتاء في هولندا حول احتمال خروجها من الاتحاد الأوروبي رغم الاضطرابات التي سببها خروج بريطانيا.
وقال في حديث لوكالة فرانس برس "إنه فوز كبير. استعادت بريطانيا سيادتها وعادت بلدا حرا ومستقلا".
وتابع "على الأجل البعيد على المستويين السياسي والاقتصادي سيتبين أن خيار بريطانيا كان صائبا وأنها تخلصت من كل الشخصيات السياسية في بروكسل التي لم تنتخب والتي اتخذت قرارات تتعلق بسياساتها في مجالات النقد والموازنة والهجرة".
وعن الأمر ذاته شددت المفوضية الأوروبية على أن دولة هولندا "عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي"، مؤكدة "مواصلة الاعتماد على مشاركتها القوية في الاتحاد الأوروبي".
جاء ذلك على لسان المتحدث باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي، إيريك مامير، ردا على سؤال خلال مؤتمر صحفي حول مخاوف من فرضية "هولنداكست"، أي خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي، في أعقاب فوز حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة غيرت فيلدرز.
وتقول شبكة "سي ان ان " بأن اليمين المتطرف زاد نفوذه على مستوى بروكسل بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ويرجع هذا جزئيًا إلى أن تهديدات فيلدرز بمغادرة الاتحاد الأوروبي قد لا تكون في الواقع أكبر مشكلة تواجه بروكسل.
المتشككون في أوروبا هذه الأيام، في الإجمال، لا يريدون مغادرة الاتحاد الأوروبي، بل يريدون إدارته بدلًا من ذلك. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنهم يحبون الفوائد الاقتصادية لوجودهم في الاتحاد الأوروبي.
ونقلا عن بي بي سي بالعربية، فإن فيلدرز الآن يرفض إطلاق صفة اليميني المتطرف عليه.
وقال لبي بي سي: "نحن بلد مبني على التوافق، وليس في بلادنا حتى هذا العدد الكبير من اليمينيين، ولن تكون لدينا أبدا". "بل يتم تجاهل السكان الأصليين بسبب الهجرة الجماعية، حيث يشعرون بسوء المعاملة".
ولجعل حزبه أكثر قبولا لدى الناخبين من التيار الرئيسي، أعلن أن خطط حزبه لحظر القرآن والمدارس الإسلامية والمساجد ذهبت أدراج الرياح، وساعدت هذه الإشارة الواضحة للاعتدال، حزبه على مضاعفة تمثيله في البرلمان، حيث زاد عدد مقاعده من 17 إلى 37 مقعدا.