لم تكن الطبيبة الشابة "ريهام مصطفي" تعلم، أنها "ستذوق المرار عندما تلجأ الي جهاز حماية المستهلك"، كما تقول لمنصة "فكر تاني"، فقد كانت رحلتها مع الجهاز صعبة على مدار 6 أشهر، ولم يساعدها في استرداد حقها من شركة التكييف.
أيمن حسام "طار"
"حماية المستهلك" هو جهاز حكومي مصري أنشئ طبقًا للقانون رقم 67 لسنة 2006 وأعيد تنظيمه طبقًا للقانون رقم 181 لسنة 2018، ويتبع وزارة التموين والتجارة الداخلية، أقيل رئيسه السابق أيمن حسام بشكل مفاجئ خلال الأيام الأخيرة وعُين مسؤول جديد بديلًا له، بالتزامن مع استمرار غياب دور الجهاز في الشارع المصري، الذي يعاني أزمة مالية صعبة وتضخمًا وصل إلى مستويات قياسية، دفعت تجار إلى استغلال الوضع برفع أسعار كثير من المنتجات الاستهلاكية.
تقع ضمن اختصاصات الجهاز، وفق القانون: ضبط الأسواق وتحقيق الأمان في كافة المعاملات التجارية، وتنظيم العلاقة بين التاجر والمستهلك، وتوفير الحماية الكاملة للمستهلك وإلزام كل تاجر بتطبيق بنود القانون وإلا تعرض كل من يخالفه للعقوبات والغرامات التي أقرها قانون حماية المستهلك، وصون وحماية المستهلكين وتحقيق مصالح جميع الأطراف في السوق، والتصدى لأي فساد تجارى يتعرض له المستهلكين مما يحقق مستوى المواصفات القياسية المطلوبة لكل منتج والذي ينمى بدوره مستوى الخدمات و الصناعات المحلية.
نجح غيره
على التوازي، ظهرت نجاحات لافتة، لمشاريع خرجت من المجتمع المدني ومجتمع التواصل الاجتماعي، أثبتت جدراتها في حماية المستهلك، منها: جمعية مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك، وجروب "قوة السوشيال The Power of Social Media - Consumer’s Experience" على موقع "فيسبوك"، والذي يرى مديره ماجد مسلم، في حديثه لـ"فكر تاني"، أن السر في النجاح يكمن في قوة تجمع الناس على مطلب معين، ما جعل لجروبه الذي يبلغ من عدد الأعضاء مليون، ذا صوت مهم بين المستهلكين وأصحاب الشركات والتجار.
"حماية المستهلك".. فشل أم مخالفات؟
في توقيت مفاجيء، أصدر د.مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بإقالة م.أيمن حسام، رئيس جهاز حماية المستهلك، من منصبه، الأربعاء 15 نوفمبر الجاري، قبل أن تنتهي فترة تعيينه المقررة بأربعة أعوام في 15 ديسمبر 2024.
وبحسب تقارير إعلامية حكومية، فقد ارتبط سبب الإقالة بفشل "حسام" في أداء مهامه بشكل فعّال في الرقابة على تجار السلع المختلفة. لكن نائب حزب الأغلبية البرلمانية "مستقبل وطن"، محمد عبد الرحمن راضي أشار في تصريحات صحفية، إلى أنه كان قد تقدم ببيان عاجل في مجلس النواب بدور الانعقاد الثاني ضد رئيس جهاز حماية المستهلك بشأن مخالفات مالية وإدارية جسيمة.
واعتبر "راضي" القرار الحكومي مناسب في ظل عدم فاعلية الرقابة على الأسواق والارتفاع غير المبرر للسلع، وغياب دور جهاز حماية المستهلك.
بديلًا ل"حسام"، أصدر رئيس الوزراء في 18 نوفمبر الجاري، قرارًا بتكليف إبراهيم عبد العال عبده السجيني، رئيس قطاع المعالجات التجارية بوزارة التجارة والصناعة، بالقيام بأعمال رئيس مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك لمدة عام، في محاولة لتجاوز الوضع الراهن.
وبحسب مصدر مطلع، تحدث لمنصة "فكر تاني"، فإن ملف رئيس الجهاز المقال رهن الفحص في جهات رقابية، مشيرًا إلى أن عدم استمراره في منصبه، يأتي مع تصاعد أزمات السلع الاستراتيجية، وآخرها ارتفاع أسعار سلعة السكر، بسبب تلاعب بعض التجار وعدم وجود رقابة حكومية من الجهاز.
تستكمل الطبيبة الشابة ريهام مصطفي، قصتها مع جهاز حماية المستهلك، فتقول: "أنا طول 6 شهور بتواصل على الخط الساخن وصيانة الشركة وما بلاقيش رد، لحد ما عدت فترة الضمان على جهاز التكييف.. مسؤول الصيانة في الشركة قال لي: طلع من الضمان.. يعني حقي ضاع".
وتروى شيماء علاء -التي تعمل مترجمة- لـ"فكر تاني"، أنها "قدمت شكوى إلى جهاز حماية المستهلك ضد شركة إنترنت بسبب أعطال متكررة في جهاز الاستقبال لديها، مع رفض الشركة تغييره، لكنها فوجئت أن مسؤولي حماية المستهلك تواصلوا معها بعد ثمانية شهور، للاستفسار عن المشكلة والتي كانت قد انتهت بسبب تغيير محل السكن"، بحسب تعبيرها، ما دفعها إلى لوم المتحدث معها لومًا شديدًا: "قلت اخد حقي"؛ تضيف شيماء.
الأمر لا يقتصر على عموم المواطنين، فقد ارتبط اسم جهاز حماية المستهلك مع النقابي ومدير تحرير صحيفة الأهرام القاهرية الأسبق، كارم يحيي، بخيبة الأمل، رغم علاقاته الواسعة.
يقول يحيي لـ"فكر تاني": "كان عندنا مشكلة في مؤسسة الأهرام مع شركة استثمار عقاري في رأس سدر، ما وفتش بوعودها في تسليم واحداتنا السكنية، وفضلنا في نزاع معاها من 2013 حتى تاريخه.. طلبنا من جهاز حماية المستهلك التدخل وإنصافنا، وتقدمت أنا وآخرون بشكوى للجهاز، وما سمعناش صوت واحد يسألنا لغاية دلوقتي: ايه المطلوب؟ اضطرينا نروح للقضا وقتها بس تم إنصافنا قضائيًا، بس برضه معرفتش استرد حقوقي من الشركة المخالفة، ولم يتدخل الجهاز حتى الآن".
هدفنا حماية المستهلك
"الفرق بيننا وبينهم إننا لسنا موظفين"، هكذا قال رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء الكاتب الصحفي محمود العسقلاني لـ"فكر تاني"، موضحًا أن جمعيته خرجت عن النظام البيروقراطي الإداري، المسيطر على جهاز حماية المستهلك الحكومي، وتقوم دائمًا بالتفكير خارج الصندوق من أجل صالح المستهلك.
يضيف "العسقلاني" أنه درس تجربة حماية المستهلك في أوروبا جيدًا، وقدم تحديثًا مصريًا مناسب للأسواق المصرية، فيه إعلاء لحقوق المستهلك وتطبيق معايير حمايته المفتقدة حاليًا، مشيرًا إلى أن أزمة جهاز حماية المستهلك تمكن في أنه يعمل بطريقة قديمة عقيمة لا أثر لها على أرض الواقع.
وضرب رئيس "جمعية مواطنون ضد الغلاء" المثل بوقعة لسيدة تواصلت معه بخصوص مركز صيانة وهمي حصل منها على مبالغ لصيانة غسالة لها، ولم يرد المبلغ ولم يسلم الغسالة، رغم تقديمها شكاوى لجهاز حماية المستهلك الذي كان من المفترض إيفاد مسؤول منه على الفور لضبط الواقعة وتقنين إجراءات الملاحقة ولكن لم يحدث، ما دفعه إلى التواصل معه مباشرة وإذاعة الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي ما أجبر مركز الصيانة على رد المبلغ والغسالة، خوفًا من الفضيحة.
يؤكد "العسقلاني" أنه لو لدى "جمعية مواطنون ضد الغلاء" عُشر الدعم الحكومي السنوي للجهاز الذي يصل إلى 150 مليون جنيه، ونفس الصلاحيات لكانت الأسواق رهن خدمة المستهلك دون ظلم للتجار ولا تواطؤ معهم، ولكن لا تزالت الأمور تسير عكس مقتضيات الأمن الغذائي المصري وهو ما يجب النظر فيه سريعا.
ويشير رئيس "جمعية مواطنون ضد الغلاء" إلى أن مجلس إدارة إتحاد جمعيات حماية المستهلك (مجتمع مدني) عقد اجتماعًا في الساعات الأخيرة، وشدد على ضرورة اشتباك الجمعيات مع القضايا التي يهتم بها كل المستهلكين، وثمّن قرار رئيس الوزراء بتعيين رئيس جديد لجهاز حماية المستهلك، في انتظار رؤية جديدة وتغييرا حقيقيًا في السياسيات على أرض الواقع.
مليون مواطن يشكلون قوة ضغط
"ماجد مسلم" بدوره هو الآخر، كانت تؤرقه فكرة عدم وجود قوة حقيقة تحمي المستهلك، ما دفعه إلى إنشاء جروبه "قوة السوشيال The Power of Social Media - Consumer’s Experience" على موقع "فيسبوك".
تقوم فكرة الجروب على قوة "السوشيال ميديا" في طرح القضايا المثارة على المنصات المختلفة وفضح الفاسدين حتى استرداد حقوق كل صاحب حق من الشركات والمؤسسات الخاصة، حيث يتم عرض المشكلة على الجروب ونشرها من خلال تفاعل مليون عضو هم أعضاء الجروب حاليًا.
يقول مسلم لـ"فكر تاني ": "إجراءات الشكوى معقدة في جهاز حماية المستهلك، والجهاز تسيطر عليه البيروقراطية الإدارية المنتشرة في كل الجهات الحكومية، غير أن إثبات المشكلة في الشكوى ليس بالشيء السهل، ولكن في الجروب لدينا، الناس تكتب تجربتها أو شكوتها بكل سهولة".
ويضيف "مسلم" أن "عرض التجربة على مليون عضو، هم أعضاء الجروب، تدفع أي "شركة كبيرة أو صغيرة تتقلب بمعنى الكلمة، إنما شكاوى حماية المستهلك، تلعب الشركات فيها على وتر ملل العميل ولو كان العميل مصرًا على حل مشكلته، تقوم بحل بسيط لمجرد تقديم إثبات لجهاز المستهلك أنها كشركة تحركت دون جدوى حقيقية".
ويوضح "مسلم" أن الأمور لها ضوابط في الجروب، واضحة للجميع، كي يتم تحقيق المطلوب من الجروب وهو حماية المستهلك، وتحريك الشركات، ومنها الكتابة بطريقة موضوعية ومحددة وذكر التفاصيل، مع جعل حق الرد مكفول للمشكو فى حقه في أي شكوى أو مشكلة، ولكن من خلال الحساب الرسمي لصفحته أو حساب قسم الدعم الخاص به مع حظر التشهير أو التآمر على شركة لمصلحة منافسيها.