محور المقاومة.. يد إيران بالمنطقة وسلاحها في حرب غزة

يمكننا الحكم بأن إيران -في الحرب الأخيرة على غزة- كسبت جولة جديدة ومهمة في صراعها مع الولايات المتحدة وإسرائيل دون تورط حقيقي. وهي جولة عنوانها الأول "محور المقاومة"، الذي أنهك الدولتين المتحالفتين ضد حركة "حماس" في القطاع، بهجمات من العراق وسوريا واليمن ولبنان، أفضت في الأخير إلى جانب فشل تل أبيب في إنهاء أهدافها العسكرية داخل القطاع الفلسطيني المتاخم لمصر، إلى القبول بهدنة إنسانية وصفقة لتبادل الأسرى، مقررًا تفعيلها غدًا الخميس.

قبل أسبوع تقريبًا، قال القائد الأعلى لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، إن محور المقاومة يدعم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في حربها مع إسرائيل. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية للأنباء عنه في رسالة إلى المقاومة الفلسطينية: "إن إخوانكم في محور المقاومة متحدون معكم.. المقاومة لن تسمح للعدو بتحقيق أهدافه القذرة في غزة وفلسطين".

ماذا يُقصد بمحور المقاومة؟

إيران كانت صاحبة اليد الأولى والمسيطرة في نشأة كل حركات المقاومة في الشرق الأوسط
إيران كانت صاحبة اليد الأولى والمسيطرة في نشأة كل حركات المقاومة في الشرق الأوسط

لعقدين من الزمان، كانت مصر تمثل قمة الثقل العربي في الصراع مع إسرائيل، والذي بدأ مع نكبة العام 1948، حتى انتهى بخروج القاهرة من دائرته بتوقيع الرئيس المصري أنور السادات على اتفاقيتي "كامب ديفيد" ثم "السلام"، وما مهدتا إليه من إقامة علاقات دبلوماسية بين مصر وإسرائيل في العامين 1978 و1979.

هذه المساحة لم تبق شاغرة لفترة طويلة، ففي فبراير من العام 1979 قامت الثورة الإسلامية في إيران، وتمكنت من الإطاحة بنظام الشاه، لتتحول إيران من ملكية حليفة استراتيجيًا لتل أبيب إلى جمهورية إسلامية ثيوقراطية ذات خطاب مناهض لها.

منذ ذلك التاريخ، بدأت فكرة محور المقاومة (الجماعات المعارضة لإسرائيل والنفوذ الأمريكي بالشرق الأوسط) وإثقالها في التبلور والتشكل، من دون وجود اتفاق هيكلي أو اتحاد شكلي أو بنية تنظيمية مؤسساتية، حتى وصل إلى تحالف يضم النظام السوري وحركة حماس وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي في العراق وجماعة الحوثيين في اليمن.

تشرح "ذي إيكونوميست" ماهية "محور المقاومة" وكيفية انتشاره على صعيد الشرق الأوسط والعالم، وتحوله إلى مزيد من القوة والنفوذ، فتذكر أن الفضل الأول في تشكيله ومنذ فترة طويلة يعود إلى "فيلق القدس" الإيراني، وهو ذراع "الحرس الثوري الإسلامي".

إيران وسلاح محور المقاومة

لقد سعت إيران بعد ثورتها الإسلامية في العام 1979، إلى تصدير أيديولوجيتها وبناء ثقلها السياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وكانت إحدى أدواتها للقيام بذلك "شبكة من الوكلاء والحلفاء المسلحين تمتد عبر العراق ولبنان وسوريا واليمن وأماكن أخرى". وعلى الرغم من أنه ليس كل عضو في هذه المجموعة يشترك في الأصولية الدينية الإيرانية - فالأعضاء السنة لا يشاركونها عقيدتها- إلا أن لديهم أهدافا مشتركة: مقاومة النفوذ الغربي ومواجهة إسرائيل.

منذ 1979 سعت إيران إلى تصدير أيديولوجيتها وبناء ثقلها السياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط
منذ 1979 سعت إيران إلى تصدير أيديولوجيتها وبناء ثقلها السياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط

وفي العام 1982، بدأ "فيلق القدس" تدريب المسلحين الشيعة الشباب في لبنان لمضايقة الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يحتلون جنوب البلاد. بينما قدم الفيلق طوال التسعينيات، دعمًا كبيرًا للجماعات الإسلامية الفلسطينية، بما في ذلك حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية و"حماس". كما دعم "التحالف الشمالي"، وهو تجمع كبير في أفغانستان، قاوم استيلاء طالبان على السلطة في عام 1996.

في المرحلة نفسها، دخلت إيران الحرب مع العراق، ثم اندلع الغزو العراقي للكويت، وزادت الخلافات العربية العربية وتم خرق الأمن القومي العربي، باستدعاء قوات أميركية إلى الخليج مثلت نواة للتواجد الأمريكي في المنطقة، ومن ثم تمكن الكيان الإسرائيلي من التوصل إلى اتفاقيات "سلام" منفردة، تنسيقًا مع السلطة الفلسطينية والأردن.

وفي العام 2002، حذر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، من "محور الشر" الجديد الذي يضم كوريا الشمالية وإيران والعراق. وبعد أن كتبت صحيفة "الزحف الأخضر"، وهي صحيفة ليبية واسعة الانتشار، تدين هذه العبارة، بدأت بعض وسائل الإعلام العربية والإيرانية باستخدام عبارة "محور المقاومة" لوصف الشبكة المتنامية للجماعات المسلحة المناهضة للولايات المتحدة في المنطقة.

إيران تتمدد بحركات المقاومة

تذكر شبكة "الميادين" اللبنانية أن خلال هذه الفترة شكلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عامل دعم سياسي ولوجستي قوي لحركات المقاومة، بينما مثّلت سوريا ساحات التدريب والغطاء السياسي والدعم العسكري لها -أدى باسل حافظ الأسد دورًا كبيرًا في ذلك- وهو ما انعكس بشكل جلي على أداء العمليات الفدائية لحركات المقاومة، والتي تمثلت بداية في إيقاع الخسائر بالاحتلال الإسرائيلي في حرب ما يسمى بـ "تصفية الحسابات" ضد لبنان في يوليو 1993، ومن ثم "عناقيد الغضب" في أبريل 1996، وصولًا إلى تمكّن المقاومة اللبنانية في لبنان من إجباره على الانسحاب من معظم أراضي الجنوب المحتلّة والبقاع الغربي بصورة نهائية في 24 مايو 2000، بعد استنزافه بعمليات متواصلة.

وفي أواخر التسعينيات، بعد أن تولى قاسم سليماني، وهو مسؤول أمني إيراني بارز اغتالته الولايات المتحدة في وقت لاحق، مسؤولية المجموعة، بدأ فيلق القدس في توسيع شبكته. ودعمت إيران المعارضين الشيعة لنظام صدام حسين في العراق، بما في ذلك "منظمة بدر"، وهي ميليشيا قوية زعمت فيما بعد أنها تضم ​​ما بين 10.000 إلى 50.000 رجل مسلح. وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أنشأ "فيلق القدس" مجموعات مسلحة في البلاد لمحاربة القوات الأميركية والبريطانية.

قاسم سليماني
قاسم سليماني

ومع وصول ثورات الربيع العربي إلى سوريا في العام 2011، وجه "فيلق القدس" دعمه وجهود التدريب والتسليح إلى الميليشيات المتحالفة مع بشار الأسد. كما حشد حوالى 70 ألف مسلح من أفغانستان وباكستان ولبنان والعراق للقتال في سوريا حتى عام 2021.

بينما في اليمن، دعم "فيلق القدس" الحوثيين، وهم جماعة شيعية تمردت على الحكومة المدعومة من السعودية وسيطرت على مساحات واسعة من البلاد، ثم دارت بينها وبين السعودية حرباً طويلة.

وتشير تقديرات وزارة الخارجية الأميركية، وفقًا لـ"ذي إيكونوميست"، إلى أن إيران أنفقت 700 مليون دولار سنويًا لدعم الميليشيات قبل أن تؤثر العقوبات على إيرادات البلاد في عام 2019. وقد تم تخصيص جزء كبير من هذه الأموال لتخزين ترسانات شركاء إيران على المدى الطويل.

ويُعتقد أن "حزب الله"، الذي يتبادل إطلاق النار بانتظام مع جيش الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية منذ الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي، يمتلك ترسانة مكونة من 150 ألف صاروخ. وهو أكثر أعضاء محور المقاومة الإيراني قوة.

حزب الله.. قوة محور المقاومة

يصعب تحديد نقطة بداية "حزب الله" بالتحديد، لكن ظهوره يرجع لمرحلة اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان في العام 1982، حيث نزع القادة الشيعة في المنطقة إلى الرد العسكري، واختلفوا مع "حركة أمل" التي كانت تهيمن على التمثيل الشيعي في تلك المرحلة.

حسن نصر الله
حسن نصر الله

وفي عام 1985، أُعلن تأسيس "حزب الله" رسميًا، بنشر "خطاب مفتوح" وصف الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ب"عدوي الإسلام الرئيسيين"، ودعا إلى تدمير إسرائيل التي وصفها بأنها "تحتل أراضي المسلمين".

دعا الخطاب أيضًا إلى "تبني نظام إسلامي يقوم على الاختيار الحر والمباشر من الجماهير، وليس على أساس الإكراه".

وبعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، الذي وضع نهاية للحرب الأهلية في لبنان، وطالب بنزع السلاح عن الميليشيات، اتجه "حزب الله" لإعادة تقديم جناحه العسكري على أنه قوة "مقاومة إسلامية" تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبلاد، ما سمح له بالإبقاء على تسليحه.

حزب الله والسياسة

شارك "حزب الله" للمرة الأولى في انتخابات عام 1992 في لبنان، حيث حقق مكسبًا كبيرًا بحصوله على 12 مقعدًا نيابيًا.

وفي انتخابات عام 2009، فاز "حزب الله" بعشرة مقاعد في البرلمان، وبقي في حكومة الوحدة الوطنية بلبنان، حيث أصدر حسن نصر الله، الأمين العام لـ"حزب الله"، في العام نفسه، ميثاقًا سياسيًا جديدًا للحزب هو الثاني بعد ميثاق العام 1985، يهدف إلى تحديد "الرؤية السياسية" للتنظيم.

لم يرد في هذا الميثاق أي ذكر لإقامة "جمهورية إسلامية"، التي كانت إحدى النقاط الواردة في ميثاق عام 1985. لكنه احتفظ بنفس الموقف المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة. كما أكد على حق "حزب الله" في الاحتفاظ بأسلحته.

حزب الله.. القوة العسكرية

وفي العام 2006، أظهر "حزب الله" تقدمه العسكري في حرب استمرت خمسة أسابيع مع الاحتلال الاسرائيلي، خرج الحزب منها أقوى وأكثر تطور وثباتًا على الأرض.

ويفتخر "حزب الله" بأسلحته التي تشمل الصواريخ الدقيقة والطائرات دون طيار التي لديها القدرة على "ضرب كل أنحاء إسرائيل"، حسبما يعلن دومًا في بيانات أمينه العام.

ويشير جو ماكرون، محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز ويلسون، إلى أن "حزب الله" تطور بشكل هائل في العقود الأربعة الماضية، وذلك على مستوى هيكله التنظيمي وانتشاره العالمي ومشاركاته الإقليمية.

وهو ما أكده هاشم صفي الدين، رئيس الهيئة التنفيذية في "حزب الله"، في كلمة ألقاها أواخر أكتوبر الماضي أمام الآلاف من أنصار الجماعة. حين قال: "نحن اليوم أقوى بآلاف المرات.. نقول لكم، للرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وللأوروبيين الخبثاء.. عليكم أن تحذروا".

ووفق ما قاله الأمين العام لـ"حزب الله" في عام 2021، فإن الحزب يمتلك 100 ألف مقاتل، إلى جانب ترسانة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة.

أنصار الله الحوثية.. الفكرة والمعتقد

من الناحية العقائدية، يمكن توصيف جماعة "أنصار الله" الحوثية بأنها جزء من المذهب الزيدي، أحد امتدادات الإسلام الشيعي، الأقرب بين المذاهب الشيعية -من الناحية الفقهية- إلى الإسلام السني.

يتسم المذهب الزيدي تاريخيًا بطابع التمرد على الظلم، والذي يعرف في أدبياته باسم "الخروج على الحاكم الظالم"، وتعود جذوره إلى ثورة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في الكوفة، ضد الحكم الأموي في القرن الثامن الميلادي، ومقتله على يد والي الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.

عنصار جماعة أنصار الله الحوثي
عنصار جماعة أنصار الله الحوثي

أنصار الله.. التحول العسكري باتجاه المقاومة

أما عسكريًا، فقد بدأت أطوار جماعة "أنصار الله" الأولى في بداية التسعينيات مع تشكيل أول حركة باسم "الشباب المؤمن"، مدفوعة بواقع التهميش الذي عانت منه مناطق الزيديين الذين تقدر نسبتهم بحوالي 35 إلى 40% من سكان اليمن.

واتخذت الحركة في بادئ الأمر طابعًا فكريًا عبر التركيز على البحث والتدريس ضمن إطار المذهب الزيدي. ولفتت الأنظار إليها أكثر بعد تزايد نشاط الشبان المنخرطين في صفوفها، حيث كانوا يرددون هتافات "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل" خلال صلاة الجمعة في المساجد.

إلا انها تحولت إلى حركة مسلحة عام 2004 في غمرة المواجهات مع القوات الحكومية، وهو العام الذي قُتل فيه حسين الحوثي ليخلفه شقيقه الأصغر عبد الملك في القيادة.

وقد اتخذت الحركة أسماء مختلفة حتى استقرت في النهاية على اسم "أنصار الله".

وعملت إيران منذ اندلاع النزاع اليمني في عام 2014 على تعزيز قوة "أنصار الله" كقوة عسكرية حليفة على النحو الذي اعتبرته إسرائيل تهديدًا لأمنها القومي، سواء من خلال قدراتها الصاروخية والطائرات المسيرة القتالية، التي يمكن أن تصل إلى الحدود الإسرائيلية أو من خلال مهاجمة السفن الإسرائيلية على طول منطقة البحر الأحمر، كما حدث في فبراير 2021 بزرع ألغام بحرية استهدفت السفينة الإسرائيلية "إم في هيليوس راي"، أو أخيرًا باختطاف السفينة "جلاكسي ليدر" التي تعود ملكيتها جزئيًا لرجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونجار، ضمن عمليات أعلنتها الجماعة "نصرة لغزة".

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة