عام 1997 تم إنتاج الفيلم الأيقوني في تاريخ السينما العالمية. لم تكن مكانة الفيلم فقط لحصوله على رقم قياسي من الجوائز لم يصل إليها فيلم من قبل، ضمنها 13 جائزة أوسكار وتحقيق إيرادات في السينمات العالمية تخطت 2.25 مليار دولار، بل لتحوله ليكون رمزًا من رموز الرومانسية والتعبير عنها، ومن ثم تربع على قائمة أشهر الأفلام على مر التاريخ.
ما يميز الفيلم رغم مأساوية الحدث هو الحياة والانطلاق والانفلات من خلال شخصية "جاك" التي جسدها الممثل الأمريكي ليوناردو دي كابرو، وهذه الصفات هي كانت سمة قصة الحب الأساسية في الفيلم بينه وبين "روز" التي جسدتها كيت وينسلت.
يمكنني أن أكمل سرد عظمة أداء طاقم العمل، بداية من عبقري الإخراج جيمس كاميرون وصولًا إلى أبسط أداء وظهور تمثيلي في هذه الأيقونة السينمائية، ولكن ما أريد التطرق إليه هو تعبير الفيلم عن الحياة في لحظات حرجة، لحظات دنو القدر، والاقتراب من النهاية.
في هذه اللحظات يظهر الإنسان متجردًا من تكلٌفه وادعاءاته المجوفة.
عندما بدأت السفينة في الغرق، اتخذ كل شخص على متن السفينة قرارًا مختلفًا؛ فها هو خطيب "روز" الثري الذي يملأ الحقد قلبه، يسعى حتى اللحظة الأخيرة للانتقام من هذا الفقير الذي اختطف حبيبته، التي قررت أن تبقى لآخر ما تبقى لديها من حياة إلى جوار حبيبها مهما بدا في ذلك من حمق، رافضةً محاولات إجبارها على النجاة وحدها. وحتى "جاك" نفسه، لم يفرط في "روز" ليضحي بحياته في النهاية الدرامية الشهيرة حتى يبقيها على قيد الحياة.
هناك يستسلم الزوجان العجوزان اللذان احتضنا بعضهما على سريرهما في انتظار الموت الأكيد، منتصرين على ذعرهما بعناق آخير. بينما يقف القبطان في هدوء المهزوم داخل غرفة قيادة السفينة التي غرقت معها أحلامه في ختام عظيم لمسيرته المهنية. نال الشهرة التي تمناها، لكن في أسوأ صورها لمئات يتدافعون إلى زوارق النجاة محدودة العدد قفزًا إلى الماء ومحاولة للنجاة بالسباحة. كل شيء في الانهيار بات عشوائيًا.
وسط كل هذا التباين لن تجد من يلوم الآخر علي قراره، ومدي سخافته. كل يفعل ما بدا له أنه الصواب. لا يقين هناك سوى حتميه واحدة جلية واضحة للجميع؛ السفينة التي تغرق والموت المحدق بالجميع، الذي يسقط أمامه أي داع للتنظير والمناقشة. فالنجاة هنا فردية، ولا أحد يفكر في سواه.
كانت معظم التصرفات مقامرات فردية على أفضل سيناريو من وجهة نظر كل فرد؛ في حالات الغرق لا توجد طريقة صحيحة مائة في المائة للنجاة. كلها محاولات من وجهات نظر فردية لا ضمانات فيها تقوم على مبدأ. انجْ بالطريقة التي تراها ملائمه ومناسبة لك ودعني أحاول، ولا تحرمني من الغرق على طريقتي.
يمكننا التعامل مع هذه الحالة في حياتنا الآن، ما جدوى انتقاد قرارات الآخرين وأساليبهم في التعاطي مع الحياة الشخصية أو العمل العام سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي.
أنا أرى أن أتبع مرشح ما وأنت لا ترى جدوى من المشاركة في العملية الانتخابية ولا ترى أي جدية، وفلان ما يزال يعمل في حزبًا ما ومؤمن بالحياة الحزبية السياسية، وآخر لا يرى جدوى من العمل العام من الأساس، ويسعى بكل قوته من أجل تحصيل رزقه وتحسين حياته الخاصة، وغيره أدرك أنه ليس في كامل قواه العقلية ولا سلامته النفسية فقرر التعافي أولًا قبل الانخراط في الحياة الاجتماعية مره أخرى.
في النهاية، أرجوك لا تجبرني على طريقتك في النجاة، ولا تحرمني من الغرق على طريقتي.