شهد التاريخ وسجل على مر السنين عدد كبير من المواقف القوية على الساحة السياسية التي لعبت بطولتها امرأة ووضعتها الأقدار في معترك اعتاد على تشكيله الرجال، بحماس وروح وطنية لا تقل عنهم وبشكل كان من الكفاءة والقدرة لم يخف على الشأن العام ويستحيل إنكاره.
ولنا في أم المصريين " صفية زغلول" مثلًا احتذت حذوه العديد من السيدات بعدها، فغير أنها كانت الداعمة الأقوى لزوجها "سعد زغلول"، كان لها دور في مناهضة استعمار مصر من بريطانيا بمشاركتها في ثورة 1919، قادت العديد من المظاهرات النسائية ضد الحكومة البريطانية وكانت تمول الحملات الثورية من مالها الخاص، كما قادت مظاهرات لتأييد حزب الوفد في مصر وفتحت منزلها على مصراعيه لكافة طوائف الشعب المنادين باستقلال مصر.
واستمر نضال صفية زغلول السياسي حتى بعد وفاة زوجها، ورغم تهديد رئيس الوزراء إسماعيل صدقي لها بأن تتوقف عن العمل السياسي لكنها لم تَخَف.. لم تهتم ولم تتوقف.
صفية زغلول مثالًا للشجاعة ودليلًا على أن الصوت العالي لا يقتصر فقط على الرجال، ففي الوقت الحالي ووسط الأحداث الدموية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، نجد للمرأة صوتًا جريئًا عاليًا في وجه البطش والظلم، ومنهن من لم تخف على موقعها أو منصبها أو مستقبلها المهني والسياسي، كرشيدة طُليب النائبة الديمقراطية بمجلس النواب الأمريكي من أصل فلسطيني، التي انتقدت إسرائيل ودعمت القضية الفلسطينية، حيث نشرت على صفحتها مقطعًا مصورًا تتهم فيه الرئيس جو باين بدعم الإبادة الجماعية للفلسطينيين، كما نشرت مقطع فيديو لمتظاهرين يرددون شعار (من النهر إلى البحر فلسطين ستتحرر)، ما دفع المجلس الذي يسيطر عليه الجمهوريون لإصدار قرار بإدانتها، بزعم معاداة السامية والدعوة إلى تدمير دولة إسرائيل.
اقرأ أيضًا:ملاحظات أولية على خطاب المرشح الرئاسي فريد زهران
رشيدة دافعت عن نفسها بمواجهة محاولات اللوم، معتبرة أنها محاولة لإسكاتها، وظهرت في المجلس الذي اجتمع لتوبيخها مرتدية الكوفية الفلسطينية قائلة: " محاولات إسكاتي والتنمر علي لن تفلح لأن الحراك الموجود لوقف إطلاق النارهو أكبر من مجرد شخص واحد ويكبر كل يوم، الملايين هنا سئموا من مشاهدة حكومتنا وهي تدعم العقاب الجماعي، ملوا من مشاهدة حكومتنا وهي تدعم قطع الغذاء، الماء، الكهرباء والرعاية الطبية عن ملايين الأشخاص الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه، لا أستطيع أن أصدق أنني يجب أن أقول هذا لكن الشعب الفلسطيني لا يمكن التخلص منه، نحن بشر مثل أي شخص آخر".
"التوبيخ" هنا هو عقوبة يقوم بها أعضاء مجلس النواب الأمريكي بعد التصويت عليها كأحد الإجراءات ضد النواب، حيث يمنح الدستور الأمريكي لمجلس النواب السلطة لتأديب أعضائه إذا انتهكوا القواعد الداخلية للمجلس.
ولم تكن رشيدة هي السيدة الأولى التي يُتخذ ضدها عقوبة في مجلس النواب هذا العام، فقد سبقتها النائبة الديمقراطية الصومالية الأصل "إلهان عمر" عندما تم (عزلها) في فبراير 2023 من قبل لجنة الشؤون الخارجية، وذلك بسبب تعليقاتها ضد إسرائيل، حيث قالت في خطابها خلال مؤتمر صحفي للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة العام الماضي: "أين إنسانيتكم وأنتم تشاهدون الجثث مكدسة على الأرض والأحياء تسوى بالأرض؟، إسرائيل ألقت قنابل في الأيام العشر الأخيرة أكثر مما تم قصفه خلال عام كامل في أفغانستان.. أين غضبكم؟ أين اهتمامكم بالبشر؟". وقد اعتبرها أعضاء مجلس النواب بهذه التصريحات معادية للسامية وصوتوا على عزلها.
وتضامنت إلهان مع زميلتها رشيدة بقوة أثناء جلسة التأديب قائلة: "إن ما يحدث هو (نفاق صارخ) وعندما ظهر النائب الجمهوري ماكس ميلر على التلفزيون قائلا سنحول غزة إلى موقف للسيارات ونريد إبادة الفلسطينيين لم يقم أحد بإدانته"، وصرخت في مجلس النواب قائلة: "المقاومة الفلسطينية ستستمر حتى التحرير".
الملكة رانيا ملكة الأردن أيضًا كان لها موقف قوي بعكس الموقف الصامت والصادم لعديد من زعماء المنطقة، فهي والتي يستضيف بلدها -وفق إحصائيات الأمم المتحدة- أكثر من 40% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط، قالت في حديثها مع CNN: "نشعر بالصدمة من رد فعل العالم لهذه الكارثة ومن ازدواجية المعايير، فالدول توقفت عند إبداء قلقها مما يحدث ولم يطالب جميعهم بوقف إطلاق النار، صمتهم يصم الآذان والكثير في العالم العربي يرى العالم الغربي متورط في هذه المذابح وداعم لإسرائيل ولما يحدث بسبب هذا الصمت وهو أمر شنيع ومحبط".
وفي تصريح أذاعته قناة الجزيرة للملكة رانيا اعتراضًا منها على وحشية الصهاينة في استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية قالت: "بعد استشهاد أكثر من 10 آلاف شخص 70% منهم نساء وأطفال فإن ادعاء الإسرائيليين أنهم يحاولون حماية المدنيين هو إهانة لذكاء أي شخص، عندما يُخير أكثر من مليون شخص بين مغادرة منازلهم أو المخاطرة بحياتهم هذا ليس حماية بل تهجير قسري، وحتى المناطق الآمنة تعرضت للقصف"، وتستأنف لتواجه برأيها مرأى ومسمع العالم قائلة: "إن استخدام المدنيين دروعًا بشرية يعد جريمة بموجب القانون الدولي العالمي ولا تستثنى أي دولة منه، وأجد أنه من المثير للغضب أن يقلل المسؤولون الإسرائيليون من شأن الضحايا الفلسطينيين بذريعة أنهم دروع بشرية".
هذا هو الوقت الذي يسجل فيه التاريخ والعالم مواقف الحكومات والأنظمة الصادمة تجاة الحرب الفلسطينية الإسرائيلية بين مؤيد ومعارض وصامت، وفيه علت أصوات نسائية صدمت العالم بموقفها القوي الواضح في هذا الصراع، مثبتة بما لا يدع مجالًا للشك أن المرأة كالرجل في ساحة المعركة السياسية، تمتلك القوة والقدرة والجرأة على القول والفعل.. بل وعلى التغيير الجذري في المجتمع الدولي.