هل كان “الدمايطة” بحاجة لمدينة أثاث جديدة؟

“بعد ما كنا نبيع ونشتري دون مشاكل ونعفي الدولة من أزماتنا أصبحنا مدانين ومهددين بالسجن في أي لحظة.. حتى وعود الدولة بعد مساهمتنا في تجهيز وحدات الإسكان بالفرش لم تنقذنا.. فقدنا زبائننا بإبعادنا في مدينة أثاث جديدة غير مخطط لها، ولم تساعدنا الدولة كما وعدتنا”.

في مايو 2017 بدأت الدولة المصرية أعمال إنشاءات مدينة الأثاث بقرية شطا في محافظة دمياط، على مساحة 331 فدانًا، بعد ردم وتجفيف أجزاء من بحيرة المنزلة لإقامة المشروع عليها. وفي مايو 2021، أعلنت الدكتورة منال عوض، محافظ دمياط، إن أعداد الورش المباعة بلغ ما يقرب من 440 ورشة فقط من أصل 1348. بينما وصلت العاملة فيها إلى 240 ورشة مستلمة فقط، وهو ما يؤكد أزمة عدم جدوى المشروع، الذي قال عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمة ختامية خلال اليوم الأخير للمؤتمر الاقتصادي الوطني في العاصمة الإدارية الجديدة بين يومي 23 و25 من أكتوبر 2022، إن قرار إقامته “لم يراعِ الأبعاد الاجتماعية”.

يقول أحمد مغازي أحد أصحاب ورش مدينة الأثاث الجديدة، في حديثه لمنصة “فكر تاني”: “نحن الآن مطالبين بسداد أقساط متأخرة تزيد عن 3 آلاف جنيه للشهر الواحد، يطالبوننا أيضًا بدفع ثلاث دفعات مقدمة للتنازل عن دعاوى قضائية ضدنا، ناهيك عن المقدم الذي يتجاوز 40 الآف جنيهًا للورشة، ذلك بعدما لجأ بعضنا بسبب التعثر إلى الحصول على قروض من البنوك، تتعاقد معها الجهات المالكة على الأغلب، وفق فائدة معلنة”.

مدينة أثاث جديدة “كنا في غنى عنها”

تقع مدينة دمياط الجديدة للأثاث عند تقاطع الطريق الدولي الساحلي مع طريق بورسعيد/ دمياط. وتضم أكثر من 13 ألف منشأة صناعية كبيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر ويعمل بها أكثر من 350 ألف شخص سواءً في صناعة الأثاث أو التجارة أو الخدمات المرتبطة بها.

يضيف “مغازي”: ” ورثنا هذه المهنة أبًا عن جد.. طول عمر دمياط مقصد العرسان والأسر الراغبة في تجديد أثاث منزلها. يعرفون أماكننا جيدًا وارتبطوا بها عاطفيًا لقربها وما تملكه المدينة وورشها من سمعة طيبة. لكن بعد أن استجبنا للمشروع وطلب نقل الورش وأمل تطويرها الذي خُدعنا به تعثرنا مع البنوك في السداد مغ انخفاض الطلب وهروب الزبائن ولم تصبر علينا البنوك ولم تتدخل الدولة فأصبحنا نواجه وقف الحال ودعاوى قضائية أمام المحاكم الاقتصادية للتخلف عن سداد الأقساط”.

اقرأ أيضًا: تخفيض جديد لائتمان مصر.. اقتصاد يتضرر وضغط سياسي يتواصل

وفق شهادات أغلب أصحاب الورش، فإن مدينة الأثاث الجديدة تفتقر للخدمات المكملة للصناعة، وكذلك الخدمات الأساسية للعاملين من مطاعم ملائمة بأسعار مع فئة “الصنايعية”، فضلًا عن بعد المدينة عن الأحياء السكنية، فمن يرغب بالعمل في إحدى ورشها عليه أن يدفع نصف راتبه تقريبًا كمصروفات انتقال، الامر الذي لا يتناسب أبدًا مع عمال اليومية الذين تعتمد ورش المدينة عليهم.

مدينة أثاث جديدة.. خُدعة قاضتهم للمحاكم

يقول المحامي الحقوقي ياسر سعد: “الشروط التي تم طرحها على العاملين في مجال صناعة الأثاث في المدينة كانت مجحفة للغاية منذ البداية. إذ لم يكن أمامهم اختيار؛ إما القبول بالانتقال إلى المدنية الجديدة أو خسارة مصادر رزقهم في المدينة القديمة”.

تطوع عدد من المحامين ليكونوا ممثلين عن أصحاب الورش المتعثرين بمدينة الأثاث الجديدة، فرفعوا دعاوى لفسخ العقود مع مدينة الأثاث، باعتبارها “الجهة غير الملتزمة بتنفيذ بنود التعاقد”، وعليه كانت هي المعنية بسداد الأقساط للبنك واستلام الورشة. وقد خالفت القانون حسب المادة 148 من القانون المدني التي نصت على أنه “يجب تنفيذ العقد طبقًا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضًا ما هو من مستلزماته، وفقًا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام”. وكذلك المادة 157 من القانون المدني ونصها: “في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه؛ جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض”.

منتجات مدينة الأثاث في دمياط
منتجات مدينة الأثاث في دمياط

يضيف “سعد” لـ”فكر تاني”: “أمام إغراءات العروض واستخدام مصطلح التطوير والتصدير، كان على هؤلاء العمال القبول بالانتقال إلى مدينة الأثاث الجديدة. لا شك في أننا كنا سنصل إلى الأزمة الحالية من تعثر العمال في السداد للبنوك، ولكن المشكلة الأكبر هنا الاختصاص المتعلق بالمحاكم التي يجب اللجوء إليها، هناك بعض العاملين تحولوا للمحاكمة العسكرية، والبعض الآخر للمحاكم الاقتصادية ومحكمة الجنح أيضًا، على الرغم أن هذه الحالة هي ضمن اختصاصات المحكمة المدنية، لأنه نزاع مدني وبالتالي أصبح هناك حالة عدم اختصاص داخل المحكمة الاقتصادية غير واضحة”.

ويرى “سعد” أن حالة تداخل المحاكم التي لجأت إليها الجهات الإدارية جعلت هناك تضاربًا في الأحكام التي صدرت من جهات قضائية مختلفة، وبالتالي أدى ذلك إلى عدم استقرار المراكز القانونية. “طبقًا لقانون محكمة النقض هي الجهة التي يجب أن تتصدر لهذه الأحكام”؛ يقول “سعد”.

مدينة أثاث جديدة تفتقر للخدمات

ورث الحاج حسن صناعة الأثاث عن أجداده، وأورثها لأبنائه. يقول: “مع إعلان الدولة تبني مشروع قومي لمدينة الأثاث، تحمس عدد كبير من أصحاب المهنة وحجزوا ورشهم بالمدينة الجديدة، لكن فوجئنا بعد افتتاح الورش أن مدينة الأثاث لا توفر خدمات تساعد المهنة من مصانع خامات وغيرها.. كنا نطمح بالحصول على دعم من الحكومة، وأصبح الدخل أقل.. كلنا مدينون للبنك حاليًا ولا توجد حركة بيع أو شراء.. أنا مثلًا اضطررت لغلق الورشة ومن ثم تعثرت في السداد.. لم أستطع توفير يومية العمال بالورشة حتى الآن، وأصبحت ملاحق بالقضايا”.

محمد القصاص من نقابة صُناع الأثاث بمحافظة دمياط، تحدث إلى “فكر تاني”، عن حالة صناعة الأثاث بالمدينة. يقول: “الأزمات الاقتصادية المتتالية أثرت على صناعة الأثاث كباقي الصناعات، فمثلًا بعدما كانت تصدر المدينة أسبوعيًا شاحنات تذهب إلى السودان أدت الأحداث المستمرة في السودان الآن إلى توقف هذه الشاحنات.. لدينا ما يزيد عن  20 تريلًا شاحنة نقل عالقة على الحدود بين مصر والسودان غير قادرة على الرجوع لأيّ من الدولتين”.

ورش مدينة الأثاث الجديدة
ورش مدينة الأثاث الجديدة

“القصاص” يشير إلى أن صناع المدنية يتجهون حاليًا إلى المعارض المتنقلة في المحافظات، في محاولة منهم لمواكبة التكنولوجيا ومواجهة تردي الحال. يضيف: “لدينا ما يقرب من 25 عارض ثابت ومثلهم متغيرين يشاركون في هذه المعارض، هذا هو الحل الوحيد الآن، فبعد الأزمة الاقتصادية من كان يملك ورشة برأس مال مليون جنيه، وعشرون عامل مثلًا، أصبح بين ليلة وضحاها لا يملك شيئًا.. أغلب أصحاب المهنة الآن يوظفون سماسرة يستقبلون الزبائن على الطرقات للترويج لمحلاتهم.. بنحاول نصطاد الزبون من الطريق”.

اقرأ أيضًا: الجارديان:التضخم وصندوق النقد والمشروعات العملاقة تدفع المصريين إلى الفقر

ويشير “القصاص” إلى أسعار الخامات التي أصبحت مرتفعة جدًا. فمثلًا الخشب كان سعره 2800 بينما يتجاوز الآن 20 ألفًا. وكذلك الأمر في الخشب الأبيض الذي كان سعره 1200 جنيهًا وأصبح الآن 11200 جنيهًا. وقد بلغ سعر لوح الأبلكاش 200 جنيه بعدما كان يسجل 55 جنيهًا. “الوضع الحالي يزيد من تفاقم الأزمة، فالأسعار في ارتفاعات مستمرة وحال الصناعة متوقف بسبب المدينة وتعثر أصحابها في سداد قروضهم المستحقة”.

محامون: لا أحد يساعد هؤلاء المتعثرين

ويقول عدد من محاميي الصناع المتعثرين إن كل محاولاتهم مع البنوك باءت بالفشل، في وقت يرفض مسؤولي المدينة الاستجابة لأيّ من المقترحات المطروحة لحل الأزمة.

ويشير المتخصصون إلى أحد بنود الاتفاقية بين المدينة وأصحاب الورش، والتي يرونها  كارثية في العقد المبرم بين الطرفين، وتنص على أنه في حال إعادة الورشة للمدينة يسدد صاحبها 5% من قيمتها الإجمالية عن كل شهر من المدة التي قضاها فيها، اعتبارًا من تاريخ تسليمها إليه حتى تاريخ استردادها. أي أن الصانع كي يعيد الورشة لا يكفي أن يتنازل عن نسبة مما دفعه بل عليه أن يسدد جزءًا من ثمن الورشة.

وحاولت “فكر تاني” التواصل مع إدارة المدينة للتعليق على الأمر، ولكن لم تتلق أية ردود.

وفق تصريحات سابقة لمحمد الحطاب، المستشار الأول لنقابة صناع الأثاث المستقلة في دمياط، فإن مشروع مدينة الأثاث فشل لأنه لم يراع العديد من الجوانب، أبرزها أن هذه المنطقة لا تضم مطارًا لاستقبال المستثمرين الأجانب، وفنادق خاصة لإقامتهم. علاوة على أنه لا يمكن أن يتشارك أكثر من صانع لشراء ورشة 50 مترًا. فالدمايطة كان ينقصهم التسويق والدعم، وليس مدينة جديدة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة