تناولت في مقال سابق، الأخطار المركبة التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في حالة الحرب، وكشف واقع الحرب الحالية عن المأساة المركبة التي يعيشها ذوي الإعاقة في غزة، فالعدوان الجبان. يستهدف المدنيين بالأساس، فالاحتلال الإسرائيلي الحالي يسير على خطي التاريخ الاستعماري الطويل، بث الرعب، وارتكاب المذابح أملاً في الاستمرار دون دفع الثمن، والمدنيين بالطبع هم الحلقة الضعيفة التي تتلقي الضربات المتتالية.
كشفت العديد من التقارير الصحفية عن معاناة ذوي الإعاقة بغزة خلال الحرب الحالية، ومما تناولته التقارير حالة لأختين من ذوي الإعاقة السمعية لا تسمعان صوت الانفجارات، وحالات مستخدمي الكراسي المتحركة الذين فقدوا القدرة علي التحرك وسط ركام البيوت المهدمة، وخلال متابعتي المستمرة للحرب، رصدت حالة استشهاد شاب من ذوي الإعاقة السمعية علي أحد الحواجز بالضفة الغربية، هذا الشاب الذي لم يسمع صوت الرصاصة التي اخترقت جسده، ومن الصور التي علقت بعيني، مشهد لشاب مصاب من ذوي الإعاقة الذهنية بمستشفى الشفاء، وهو في حالة صدمة شديدة تزيد من صعوبة التواصل معه، وتقدير حجم الإصابة ومدي شعوره بالألم.
للأسف تخفي الحرب جانب كبير من أثارها المدمرة، والتي تتكشف تدريجيا بعد توقف آلات التدمير، حتى الأرقام الصماء للشهداء، والمصابين تظل غير دقيقة لتغيرها كل دقيقة، سنكتشف جميعا بعد وقف إطلاق النار، عدد الأشخاص الذين أصبحوا فجأة من ذوي الإعاقة، فالحرب كسبب للإعاقة تضيف الكثيرين ممن لم يتخيلوا يوما أنهم سيصبحون من ذوي الإعاقة، وأن حياتهم قد تغيرت تماما، وعليهم أن يواجهوا مصاعب جديدة كانت حتى وقت قريب غير موجودة بالنسبة لهم.
كشف تقرير هام لمنظمة الصحة العالمية بالاشتراك مع منظمة الإعاقة الدولية، أن الحرب في سوريا أضافت مليون ونصف مليون شخص لذوي الإعاقة، وأقل من ذلك قليلا باليمن، وحاليا تستمر المنظمات الدولية في رصد الأعداد الإضافية بمناطق الحروب خاصة بأكرانيا، وبعد توقف الحرب الحالية علي غزة، سنعرف بدرجة من الدقة أعداد ذوي الإعاقة الجدد بغزة، والضفة الغربية، فماذا عن ذوي الإعاقة الجدد هؤلاء؟
بعكس الإعاقة بالميلاد، يواجه الشخص المصاب بإصابة دائمة صدمة مركبة، فالحرب التي تشكل بحد ذاتها صدمة هائلة، تليها صدمة الإصابة الدائمة، حيث تتغير حياة الشخص تمامًا، وتصبح حياته فجأة ترتبط بأدوات مختلفة مثل كرسي متحرك، أو عكاز، أو غيرها من أدوات تصاحبه لبقية حياته، يرى هذا الشخص عوائق لم يكن يشعر بها، الشوارع غير الممهدة، والأرصفة العليا الخالية من الممرات، حتي الحمام الذي لم يعد سهل الاستخدام، كل تلك العوائق موجودة بالفعل لكن يدركها هذا الشخص بشكل مختلف، ويدرك مدي صعوبة الحياة معها، وربما الأصعب. أن يدرك الشخص أن عليه تعلم مهنة غير التي اعتاد القيام بها للحصول على رزقه.
الحقيقة أن اهتمام المنظمات الدولية بضحايا الحرب، يواجه الكثير من العقبات، بداية من التمويل الذي يعتمد بدرجة كبيرة علي الدعم الدولي، مرورا بقلة الكوادر البشرية التي تحتاج إلي التدريب، والتطوير بشكل مستمر، وصولًا لصعوبة الجمع بين مكونات إعادة التأهيل المختلفة، والتركيز علي إعادة التأهيل البدني، فمنظمة الصحة العالمية أطلقت برنامج لإعادة التأهيل البدني لضحايا الحرب في افغانستان، ويمثل هذا البرنامج دليل جيد للتأهيل البدني، لكنه يفتقد الجانب النفسي الذي يعد أساس ضروري لإعادة التأهيل.
ذوي الإعاقة الجدد، بحاجة لعملية إعادة تأهيل شاملة، الجانب البدني ضرورة بالطبع خاصة التعود علي استخدام الأدوات المساعدة مثل الكراسي المتحركة، والأطراف الصناعية، وبجانب ذلك من الضروري التأهيل النفسي للشخص ليس للحد من الآثار النفسية للحرب فقط بل لتسهيل قبوله لواقعه الجديد كشخص من ذوي الإعاقة، ويضاف لذلك الجانب الاقتصادي أي كيف يمكن الشخص من العمل أو التدريب علي عمل جديد، وتوفير العمل المناسب للشخص كي يعيش بكرامة، عملية إعادة التأهيل الشاملة أكبر من القدرة المحدودة للمنظمات المحلية، وتحتاج للدعم من المنظمات الدولية كما تحتاج لوضع برامج رسمية لإعادة التأهيل وبتعاون دولي من البلاد التي راكمت خبرة من حروب سابقة، وقبل كل ذلك يجب أن تقف آلة الحرب التي تنتج الموت والإعاقة.